بحث عن:

الاثنين، 6 يونيو 2011

شــعبان معدل

مقدمــــة

========

إن الحمـد لله ، نحمـده ونسـتعينه

ونسـتغفره ، ونعـوذ بالله مـن شـرور

أنفسـنا ومـن سـيئات أعمالنـا ،

مـن يهـده الله فـلا مضـل لـه ،

ومـن يضلـل فـلا هـادي لـه ،

وأشـهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شـريك لـه ،

وأشـهد أن محمـدًا عبـده ورسـوله .

{ يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـواْ اتَّقُـواْ اللهَ حَـقَّ تُقَاتِـهِ

وَلاَ تَمُوتُـنَّ إِلاَّ وَأَنتُـم مُّسْـلِمُونَ } .

سورة آل عمران / آية : 102 .

{ يَـا أَيُّهَـا النَّـاسُ اتَّقُـواْ رَبَّكُـمُ الّـَذِي

خَلَقَكُـم مِّـن نَّفْـسٍ وَاحِـدَةٍ وَخَلَـقَ

مِنْهَـا زَوْجَهَـا وَبَـثَّ مِنْهُمَـا رِجَـالاً كَثِيراً

وَنِسَـاء وَاتَّقُـواْ اللهَ الَّـذِي تَسَـاءلُونَ بِـهِ

وَالأَرْحَـامَ إِنَّ اللهَ كَـانَ عَلَيْكُـمْ رَقِيبـاً } .

سورة النساء / آية : 1 .

{ يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنـُوا اتَّقُـوا اللهَ

وَقُولُـوا قَـوْلاً سَـدِيداً *

يُصْلِـحْ لَكُـمْ أَعْمَالَكُـمْ وَيَغْفِـرْ

لَكُـمْ ذُنُوبَكُـمْ وَمَـن يُطِـعْ

اللهَ وَرَسُـولَهُ فَقَـدْ فَـازَ فَـوْزاً عَظِيمـاً } .

سورة الأحزاب / آية : 70 ، 71 .

أمـا بعــد :

فـإن أصـدقَ الحديـثِ كتـابُ اللهِ ،

وخيـرَ الهـديِ هـديُ محمـدٍ

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ،

وشـرَّ الأمـورِ محدثاتُهَـا وكـلَّ محدثـةٍ بدعـةٌ ،

وكـلَّ بدعـةٍ ضلالـةٌ ، وكـلَّ ضلالـةٍ فـي النـارِ .

وبعــد :

يحـاول تيـار البـدع والضـلال ،

أن يسـوق الأمـة الإسـلامية بعصـاه

ليلقـي بهـا فـي مهـاوي الضيـاع والفنـاء .

وهـذا التيـار منـع

الأمـة الإسـلامية مـن العـودة

إلـى الطريـق الصحيـح ، الـذي أرشـدنا إليـه النبـي

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

مصداقـًا لقـول الله عـز وجـل :

{ قُـلْ هَـذِهِ سَـبِيلِي أَدْعُـو إِلَـى اللهِ

عَلَـى بَصِيـرَةٍ أَنَـاْ وَمَـنِ اتَّبَعَنِـي

وَسُـبْحَانَ اللهِ وَمَـا أَنَـاْ مِـنَ الْمُشْـرِكِينَ } .

سورة يوسف / آية : 108 .

وهـذا الطريـق القويـم لا يمكـن العـودة إليـه

إلا بالعـودة إلـى كتـاب الله عـز وجـل ،

وسـنة نبينـا صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،

بفهـم السـلف الصالـح رضـوان الله عليهـم .

-3-

ورحـم الله القائـل :

العلـم قـال الله ، قـال رسـوله

قـال الصحابـة ليـس خُلـف فيـه .

ومـا هـذه الفوضـى

التـي انتشـرت بيـن النـاس ،

فأصبحـوا فـي حيـرة وضيـاع وتيـه وغمـوض

وارتجـال بيـن السـنة والبدعـة ،

إلا لأنهـم أرادوا أن يقيمـوا ديـن رب العالميـن ،

وينصـروه بغيـر طريـق السـلف الصالـح .

فهـذه لفتـة ناصـح للتشـمير عـن السـواعد ،

والاسـتعانة بالله ، لتعلـم ديـن الله

كمـا تعلمـه السـلف الصالـح .

وتَتَبُّعـًا لهـذا الطريـق القويـم ،

نقـدم بُحَيْثـًا صغيـر الحجـم ،

عظيـم القـدر والنفـع بحـول الله وقوتـه .

وفيـه إرشـاد إلـى المشـروع فـي شـهر شـعبان ،

والتحذيـر ممـا ابتُـدِعَ فيـه ،

راجيـن مـن الله التوفيـق والسـداد والقبـول .

***************

بسم الله الرحمن الرحيم

هــدي النبــي

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

عنــد رؤيـــة

هـــلال كــل شـــهر

=================

قـال الإمـام الحافـظ

محمـد بـن عيسـى بـن سَـوْرَةَ الترمـذيّ

فـي سـننه :

حدثنـا محمـد بـن بَشَّـارٍ ، قـال :

حدثنـا أبـو عامـرٍ العَقَـدِيُّ ،

قـال حدثنـا سـليمانُ بـن سُـفيانَ المدِينـيُّ ، قـال :

حدثنـي بـلالُ بـن يحيـى بـن طلحـةَ بـن عُبيـدِ اللهِ ،

عـن أبيـه ، عـن جَـدِّه طلحـةَ ابـن عُبيـدِ اللهِ ؛

أن النبـيَّ

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

كـان إذا رأى (1) الهـلالَ قـال :

" اللهـم أَهْللـهُ علينـا باليمـنِ (2)

والإيمـان (3) ، والسـلامةِ (4)

والإسـلام (5) ، ربـي وربُّـكَ اللهُ (6) " .

سنن الترمذي [ المجلد الواحد ]

/ تحقيق الشيخ الألباني / ( 45 ) ـ كتاب : الدعوات / ( 51 ) ـ

باب : ما يقول عند رؤية الهلال / حديث رقم : 3451 / ص : 784 / صحيح .

( 1 ) قولـه : كـان إذا رأى الهـلال :

وهـو ـ أي الهـلال ـ

يكـون من الليلـة الأولـى والثانيـة والثالثـة ،

ثـم هـو قمـر .

( 2 ) " أهللـه علينـا باليمـن " :

أي أطلعـه علينـا مقترنًـا بالبركـة .

( 3 ) " والإيمـان " : أي بـدوام الإيمـان .

( 4 ) " والسـلامة " : أي ـ السـلامة

عـن كـل مضـرة وسـوء .

( 5 ) " والإسـلام " : أي بدوامـه .

( 6 ) " ربـي وربـك الله " :

لمـا توسـل بـه ـ أي بالهـلال

ـ لطلـب اليمـن والإيمـان ،

دل علـى عظـم شـأن الهـلال ، فقـال :

" ربـي وربـك الله " تنزيهًـا للخالـق أن يُشـارك

فـي تدبيـر مـا خلـق .

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي / ج : 8

/ كتاب : الدعوات / باب : ما يقول عند

رؤية الهلال / ص : 451 / بتصرف .

o فائـــدة :

ــــــــ

هـل يلـزم قبـل الدعـاء بهـذا

أن نـرى الهـلال بأعيننـا فعـلاً ؟ !

لا يلـزم كـل شـخص ذلـك ،

ولكـن يلـزم هـذا لمـن يسـتطلع الهـلال عنـا .

فخبـر الثقـة يكفـي لذلـك ، وذلـك مثـل حديـث :

" صومـوا لرؤيتـه " فـلا يلـزم كـل شـخص أن يـرى

الهـلال بعينـي رأسـه حتـى يبـدأ صيـام رمضـان ،

ولكـن يكفيـه خبـر الثقـات برؤيـة الهـلال ،

أو انتهـاء الشـهر وتمامـه .

فكـل مـا يلزمنـا محاولـة رؤيـة الهـلال ،

فـإن تعـذر ، فيكفـي مـا سـبق وهـو خبـر الثقـات .

-2-

-4-

حــال رســـول الله

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

فـي شــعبان

====================================

إن شـهر شـعبان مـن الأشـهر

المصطفـاة ،

فشـهر شـعبان ترفـع فيـه الأعمـال .

وإذا تأملنـا أحوالنـا وجدنـا العجـب العجـاب ،

والبـون الشـاسع بيـن الواقـع والصـواب ،

فللنـاس ألـوان وأشـكال فـي اسـتقبال الأشـهر المصطفـاة .

فمنهـم مـن يسـتقبلها بالاحتفـالات ، والمظاهـر ،

والأغانـي ، والأنـوار ، والبـدع ، ..... .

وهـل سـألنا أنفسـنا عـن واقعنـا هـذا ،

أهـو صـواب أم ميـل

عـن هـدي النبـي

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ؟ !

علمنـا أن شـهر شـعبان ترفـع فيـه الأعمـال ،

فمـا هـدي النبـي

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

فـي هـذا الشـهر المصطفـى

لرفـع أعمـال العبـاد .

ومـا الواقـع الـذي أختـاره

لنفسـي حـال رفـع عملـي لملـك الملـوك ؟ !

هـل أختـار أن أكـون علـى معصيـة ،

أم علـى طاعـة زائفـة فـي صـورة بدعـة ،

أم علـى طاعـة خالصـة ؟ !

الحـال الأمثـل الـذي يكـون عليـه العبـاد ،

هـو حـال رسـول الله

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

..... فمـا هـو حـال رسـول الله

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

فـي شـعبان ؟

ـ عـن أسـامة بـن زيـد ـ رضي الله عنهما ـ قـال :

قلـتُ يـا رسـول الله ! لَـمْ أَرَكَ تصـوم مـن شـهر

مـن الشـهور ما تصـوم من شـعبان ؟ .

قـال ـ صلـى الله عليه وعلى آله وسـلم ـ :

" ذاك شـهر تغفـل النـاس فيـه عنـه ،

بيـن رجـب ورمضـان

، وهـو شـهر ترفـع فيـه الأعمـال إلـى رب العالميـن ،

وأحـب أن يُرفـع عملـي وأنـا صائـم " .

رواه النسائي . وحسنه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ

في صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / ( 9 ) ـ كتاب :

الصوم / ( 8 ) ـ باب ـ : الترغيب في صوم شعبان

/ حديث رقم : 1022 / ص : 595 .

وقـد بيـن صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم فـي هـذا الحديـث ؛

الحكمـة مـن إكثـار الصـوم فيـه ، وهـي :

أ ـ غفلـة النـاس عنـه . ب ـ رفـع الأعمـال فيـه إلـى الله .

ـ عـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ قالـت :

-5-

" كـان رسـولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يصـومُ حتـى نقـولَ لا يفطـرُ

، ويفطـر حتـى نقـولَ لا يصـوم ، وما رأيـتُ رسـولَ اللهِ

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

اسـتكمل صيـامَ شـهرٍ قـطّ إلا شـهرَ رمضـانَ ،

ومـا رأيتُـهُ فـي شـهرٍ أكثـرَ صيامـًا منـه فـي شـعبان " .

رواه البخاري ومسلم وأبو داود . صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / ( 9 ) ـ كتاب : الصوم /

( 8 ) ـ باب ـ : الترغيب في صوم شعبان / حديث رقم : 1024 / ص : 595 .

ورواه النسـائي والترمـذي وغيرهمـا : قالـت ـ أي : عائشـة ـ :

" مـا رأيـتُ النبـيَّ فـي شـهر أكثـر صيامـًا منـه فـي شـعبان ،

كـان يصومـه إلا قليـلاً ، بـل كـان يصومُـه كُلَّـه (1) " .

صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / ( 9 ) ـ كتاب : الصوم / ( 8 ) ـ باب ـ :

الترغيب في صوم شعبان / حديث رقم : 1024 / ص : 595 .

( 1 ) كُلّـه : أي أكثـره .

حاشية صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / ص : 596 .

ـ عـن أم سـلمة ـ رضي الله عنها ـ قالـت :

" مـا رأيـتُ رسـولَ الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

يصـوم شـهرين متتابعيـن إلا شـعبان ورمضـان " .

رواه الترمذي . وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / ( 9 ) ـ كتاب :

الصوم / ( 8 ) ـ باب ـ : الترغيب في صوم شعبان / حديث رقم : 1025 / ص : 596 .

* هـذا هـو حـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

* وهديـه فـي شـعبان ، كـان يحـب أن يرفـع

* عملـه وهـو صائـم ، وذلـك لمـا فـي

* الصيـام مـن تأثيـر عجيـب فـي حفـظ الجـوارح الظاهـرة ،

* والقـوى الباطنـة .

فالصـوم يحفـظ علـى القلـب والجـوارح صحتهـا ،

ويعيـد إليهـا مـا اسـتلبته منهـا أيـدي الشـهوات ،

فالصـوم مـن أكبـر العـونِ علـى التقـوى .

قـال تعالـى :

{ يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـواْ كُتِـبَ عَلَيْكُـمُ الصِّيَـامُ كَمَـا

كُتِـبَ عَلَـى الَّذِيـنَ مِن قَبْلِكُـمْ لَعَلَّكُـمْ تَتَّقُـونَ } .

سورة البقرة / آية : 183 .

§ الصـوم جُنَّـة :

فعـن معـاذ بـن جبـل ـ رضي الله عنه ـ أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال لـه :

" ألا أدلـك علـى أبـواب الخيـر ؟ " . قلـتُ : بلـى يـا رسـول الله !

قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " الصــومُ جُنَّـةٌ (1)

، والصدقـةُ تُطْفِـئُ الخطيئـةَ كمـا يطفـئُ

-6-

المـاءُ النـارَ " .

رواه الترمذي . وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ

في صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / ( 9 ) ـ كتاب :

الصوم / ( 8 ) ـ باب ـ : الترغيب في صوم شعبان / حديث رقم : 983 / ص : 578 . صحيح لغيره .

( 1 ) جُنَّـة :

سـتر ـ مـن النـار ـ . أي يقـي صاحبــه

مـا يؤذيـه مـن الشــهوات التـي هـي سـبب

لدخـول النـار .

فالصـوم ترويـض للنفـس ،

وتعويـد لهـا علـى الانقيـاد لله سـبحانه وتعالـى .

§ الصيـام لا مثـلَ لـه :

فعـن أبـي أمامـة ـ رضي الله عنه ـ قـال :

قلـتُ يـا رسـول الله ! دلنـي علـى عمـلٍ أدخـلُ بـه الجنـة .

قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " عليـك بالصـوم ؛ فإنـه لا مثـلَ لـه " .

" وكـان أبـو أمامـة لا يُـرى فـي بيتـه الدخـان نهـارًا إلا إذا نـزل بهـم ضيـف " .

رواه ابن حبان في صحيحه . وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 /

( 9 ) ـ كتاب : الصوم / ( 8 ) ـ باب ـ : الترغيب في صوم شعبان / حديث رقم : 986 / ص : 580 .

§ الصيـام مـن مظاهـر حسـن الخاتمـة ،

§ وسـبب لدخـول الجنـة :

ـ فعـن حذيفـة ـ رضي الله عنه ـ قـال : أسـندتُّ النبـيَّ ـ

صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

إلـى صـدري فقـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :

" مـن قـال ( لا إله إلا الله ) ؛ خُتـم لـه بهـا ؛ دخـل الجنـة

، ومـن صـام يومـًا ابتغـاء وجـه الله ؛ خُتـم لـه بـه ؛ دخـل الجنـة ،

ومـن تصـدق بصدقـة ابتغـاء وجـه الله ؛ خُتـم لـه بهـا ؛ دخـل الجنـة " .

رواه أحمد . وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / ( 9 ) ـ

كتاب : الصوم / ( 8 ) ـ باب ـ : الترغيب في صوم شعبان / حديث رقم : 985 / ص : 579 .

ـ عـن أبـي سـعيد ـ رضي الله عنه ـ قـال :

قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

" مـا مـن عبـد يصـوم يومـًا فـي سـبيل الله تعالـى ،

إلا باعـد الله بذلـك اليـوم وجهـه عـن النـار سـبعين خريفـًا " .

رواه البخاري ومسلم والترمذي . وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله – في صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 /

( 9 ) ـ كتاب : الصوم / ( 1 ) ـ باب ـ : الترغيب في الصوم مطلقًا / حديث رقم : 987 / ص : 580 .

§ الصيـام ثوابـه جزيـل :

عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

" قـال الله عــز وجــل :

كـل عمــلِ ابـن آدمَ لـه (1) ، إلا الصــوم ؛ فإنـه لـي ، وأنا أجـزي بـه ،

-7-

جُنّـة (2) ، فـإذا كـان يـوم صـوم أحدِكـم ، فـلا يرفُـثْ ،

ولا يَصْخَـبْ ، فـإنْ سـابَّه أحـد أو قاتلـه فليقـل : إنـي صائـم ،

إنـي صائـم ، والـذي نفـسُ محمـدٍ بيـده لَخُلُـوف فـمِ الصائـم

أطيـب عنـد الله مـن ريـح المسك ، للصائـم فرحتـان يفرحهمـا ؛

إذا أفطــر فـرح بفطـره ، وإذا لقـيَ ربَّـه فَـرِحَ بصومـه (3) " .

رواه البخاري واللفظ له . ومسلم . صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / ( 9 ) ـ كتاب : الصوم /

( 1 ) ـ باب : الترغيب في الصوم مطلقًا / حديث رقم : 978 / ص : 574 .

( 1 ) لـه : أي لـه أجـر محـدود ، ( إلا الصـوم ) فأجـره بـدون حسـاب .

ويشـهد لهـذا المعنـى روايـة مسـلم :

" ..... كـل عمـل ابـن آدم يضاعـف ؛

الحسـنة بعشـر أمثالهـا إلـى سـبعمائة ضعـف ،

قـال الله تعالـى : إلا الصـوم ؛ فإنـه لـي وأنـا أجـزي بـه ..... " .

( 2 ) جُنَّـة : سـتر ـ مـن النـار ـ

. أي يقـي صاحبـه مـا يؤذيـه مـن الشـهوات .

( 3 ) فـرِحَ بصومـه : أي فـرح بجزائـه وثوابـه .

§ الصيـام والقـرآن يشـفعان للعبـد يـوم القيامـة :

عـن عبـد الله بـن عمـروـ رضي الله عنهما ـ

أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال :

" الصيـام والقـرآن يشـفعان للعبـد يـوم القيامـة ، يقـول الصيــام :

أي ربِّ منعتـه الطعـام والشـهوة ، فشـفعني فيـه

، ويقـول القـرآن :

منعتُـه النـوم بالليـل ، فشـفعني فيـه ، قـال : فيشـفعان " .

رواه أحمد والطبراني . وقال الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حسن صحيح / ج : 1 / ( 9 ) ـ

كتاب : الصوم / ( 1 ) ـ باب ـ : الترغيب في الصوم مطلقًا / حديث رقم : 984 / ص : 579 .

*******************


-8-

دعـــوة للنجـــاة

============

هيـا إلـى توبـة نصـوح (1) ، ثـم نُتْبِعهـا بصـومٍ مثمـرٍ للتقـوى المؤديـة لكـل خيـر .

فهـي دعـوة للنجـاة وتبديـل السـيئات حسـنات ، والفـوز والفـلاح .

قـال تعالـى :

{ إِلاَّ مَـن تَـابَ وَآمَـنَ وَعَمِـلَ عَمَـلاً صَالِحـاً فَأُوْلَئِـكَ

يُبَـدِّلُ اللهُ سَـيِّئَاتِهِمْ حَسَـنَاتٍ وَكَـانَ اللهُ غَفُـوراً رَّحِيمـاً } .

سورة الفرقان / آية : 70 .

وقـال تعالـى :

{ فَأَمَّـا مَـن تَـابَ وَآمَـنَ وَعَمِـلَ

صَالِحـاً فَعَسَـى أَن يَكُـونَ مِـنَ الْمُفْلِحِيـنَ } .

سورة القصص / آية : 67 .

وقـال تعالـى :

{ إِلاَّ مَـن تَـابَ وَآمَـنَ وَعَمِـلَ صَالِحـاً فَأُوْلَئِـكَ

يَدْخُلُـونَ الْجَنَّـةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَـيْئاً } . سورة مريم / آية : 60 .

ألا مـن مُشَـمِّر للجنـة .

هيـا نعيـش شـعبان كمـا كـان يعيشـه الرسـول ـ

صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ونهـئ أنفسـنا ونطهرهـا مـن دنـس الذنـوب

والمعاصـي تمهيـدًا لاسـتقبال رمضـان والفـوز بـه ،

عسـى أن تكـون حسـن خاتمـة .

قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :

" إذا أراد الله بعبـدٍ خيـرًا اسـتعمله " .

قيـل : كيـف يسـتعمله ؟ .

قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسلـم :

" يوفقـه لعمـل صالـح قبـل المـوتِ ثـم يقبضـه عليـه " .

رواه أحمد والترمذي عن أنس . وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح

الجامع ... / الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 305 / ص : 117 .

( 1 ) ارجع إلى بحـث التوبة .

-9-

مـا ورد فـي ليلــة النصــف مـن شـعبان

===========================

ـ عـن معـاذ بـن جبـل ـ رضي الله عنه ـ عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال :

" يطَّلـع اللهُ إلـى جميـع خلقِـهِ ليلَـةَ النصـفِ مـن شـعبانَ ،

فيغفـرُ لجميـعِ خلقـه إلا لمشـركٍ أو مُشـاحن " .

رواه الطبراني ، وابن حبان . وقال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في

صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / ( 9 ) ـ كتاب :

الصوم / ( 8 ) ـ باب ـ : الترغيب في صوم شعبان /

حديث رقم : 1026 / ص : 597 ، حسن صحيح .

* وليـس معنـى هـذا أن نخـص هـذه الليلـة بعبـادة معينـة ( صيـام ، قيـام ، ..... ) ، ولكـن نفعـل كمـا فعـل رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وهـو صيـام أغلـب شـهر شـعبان بمـا فيـه هـذه الليلـة دون تخصيـص .

تحذيـر مـن " البـدع " التـي اعتادهـا بعـض النـاس فـي هـذه الليلـة :

مجلة التوحيد / شعبان : 1413 .

1 ـ الاجتمـاع لهـا والاحتفـال بهـا إحيـاءً لذكـرى تحويـل القبلـة .

( وسـيأتي إن شـاء الله تفصيـل ذلـك والـرد عليـه ) .

وليـس لذلـك أصـل فـي الشـرع ، ويكفـي فـي ذلـك قولـه تعالـى :

{ ... الْيَـوْمَ أَكْمَلْـتُ لَكُـمْ دِينَكُـمْ ... } .

سورة المائدة / آية : 3 .

ولـو كـان يُشْـرَع الاحتفـال بهـا لأرشـد إليـه النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، أو فعلـه بنفسـه ،

ولـو وقـع شـيء منـه لنقلـه الصحابـة ولـم يكتمـوه .

2 ـ تخصيصهـا بالصـلاة ، وقـد قـال الحافـظ العراقـي :

" حديـث صـلاة النصـف من شـعبان ، موضـوع

علـى رسـول الله ، وكـذب عليـه " . ا . هـ .

ـ وقـال النـووي فـي كتـاب المجمـوع :

" الصـلاة المعروفـة بصـلاة الرغائـب وهـي اثنتـا عشـرة ركعـة بيـن المغـرب والعشـاء ليلـة أول جمعـة مـن رجـب ، وصـلاة ليلـة النصـف مـن شـعبان مائـة ركعـة ، هاتـان الصلاتــان بدعتـان منكرتـان ، فـلا يُغْتَــرُّ بذكرهمـا فـي كتـاب " قــوت القلـوب " ، و " إحيـاء علـوم الديـن " ،

ولا بالحديـث المذكـور فيهمـا ، فـإن كـل ذلـك باطـل " . ا . هـ .

-10-

ـ وكـذا نَبَّــه علـى ضعـف هـذه الأحاديـث " ابـن الجـوزي " و " القرطبـي " و " ابـن القيـم " و " الفيـروز أبـادي " .

3 ـ تخصيـص يومهـا بالصيـام ، وليلتهـا بالقيـام وليـس علـى ذلـك دليـل يجـوز الاحتجـاج بـه .

ويجـب التنبيـه علـى ضعـف الحديـث الـوارد فـي ذلـك وهـو : عـن علـي ..... : " إذا كانـت ليلـة

النصـف مـن شـعبان ، فقومـوا ليلهـا ، وصومـوا نهارهـا (1) " .

حديث ضعيف / رواه ابن ماجه .

قـال محشـيه : وفـي الزوائـد إسـناده ضعيـف ،

لضعـف ابـن أبـي بسـرة ، وقـال فيـه أحمـد وابـن معيـن :

" يضـع الحديـث " . ا . هـ .

السنن والمبتدعات للشقيري / ص : 128 .

4 ـ الوَقِيـد وإيقـاد النـار ليلـة النصـف مـن شـعبان : لـم يصـح فيـه شـيء عـن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلي آله وسلم ـ .

5 ـ مـا اعتـاده النـاس مـن قـراءة دعـاء مخصـوص بعـد الغـروب ويوزعـون في ذلـك كُتيبـًا ، وكـذا

قـراءة سـورة " يـس " ولا يثبـت فـي ذلـك شـيء عـن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

***************

--------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 5 ) ـ كتاب : إقامة الصلاة والسنة فيها / ( 191 ) ـ باب : ما جاء في ليلة النصف من شعبان / حديث رقم : 1388 / ص : 247 / ( ضعيف جدًا أو موضوع ) .

-11-

شـــبهات والـــرد عليهـــا

======================

§ حكـم التطـوع بعـد النصـف مـن شـعبان :

==================================

عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

" إذا بقـي نصـفٌ مـن شـعبان فـلا تصومـوا " .

سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني /

( 6 ) ـ كتاب : الصوم ... / ( 38 ) ـ باب : ما جاء

في كراهية الصوم في النصف الثاني من شعبان

/ حديث رقم : 738 / ص : 183 / صحيح .

اختلـف العلمـاء فـي صيـام التطـوع بعـد انتصـاف شـعبان ،

فذهـب الجمهـور إلـى جـوازه .

قـال الترمـذي :

ومعنـى هـذا الحديـث عنـد بعـض أهـل العلـم :

أن يكـون الرجـل مفطـرًا ، فـإذا بقـي شـيء مـن شـعبان

أخـذ فـي الصـوم لحـال شــهر رمضـان .

صحيح سنن الترمذي / ج : 1 / ص : 225 / تعقيبًا على الحديث .

فـلا حـرج فـي الصيـام بعـد انتصـاف شـعبان لمـن

بـدأ الصيـام فـي النصـف الأول مـن شـعبان .

ويؤيـد هـذا الأحاديـث الصحيحـة :

كحديـث عائشـة :

ـ عـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ قالـت :

" كـان رسـولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

يصـومُ حتـى نقـولَ لا يفطـرُ ، ويفطـر حتـى نقـولَ لا يصـوم ،

ومـا رأيـتُ رســولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

اسـتكمل صيـامَ شـهرٍ قـطّ إلا شـهرَ رمضـانَ ،

وما رأيتُـهُ فـي شـهرٍ أكثـرَ صيامـًا منـه فـي شـعبان " .

رواه البخاري ومسلم وأبو داود . صحيح الترغيب والترهيب / ج : 1 / ( 1 ) ـ كتاب : الصوم /

( 8 ) ـ باب ـ : الترغيب في صوم شعبان / حديث رقم : 1024 / ص : 595 .

وكحديـث أبـي هريـرة :

ـ عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ عـن النبـي

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال :

" لا يتقدَّمَـنَّ أحدُكـم رمضـان بصـومِ يـومٍ أو يوميـن

إلا أن يكـونَ رجـلٌ كـان يصـوم صَوْمَـه فليصـم ذلـك اليـوم " .

صحيح البخاري . متون / ( 3 ) ـ كتاب : الصوم / ( 14 ) ـ باب : لا يتقدمن رمضان

بصوم يوم ولا يومين / حديث رقم : 1914 / ص : 216 .




-12-

ففيـه النهـي عـن صـوم يـوم أو يوميـن فقـط فـي

آخـر شـعبان ، إلا أن يكـون صومـًا اعتـاده فـلا

بـأس .

وكحديـث أم سـلمة :

ـ عـن أم سـلمة ـ رضي الله عنها ـ قالـت :

" مـا رأيـتُ رسـولَ الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

يصـوم شـهرين متتابعيـن إلا شـعبان ورمضـان " .

رواه الترمذي . وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح

الترغيب والترهيب / ج : 1 / ( 9 ) ـ كتاب :

الصوم / ( 8 ) ـ باب ـ : الترغيب في صوم شعبان

/ حديث رقم : 1025 / ص : 596 .

§ النهـي عـن صيـام يـوم الشـك :

=====================

ـ عن صلـة بـن زُفَـر قـال :

كنـا عنـد عمـار بـن ياسـر [ فـي اليـوم الـذي يُشَـك فيـه ] (1)

فأتـى بشـاة مَصلِيـة فقـال : كلـوا ، فتنحـى بعـض القـوم ، فقـال :

إنـي صائـم .

فقـال عمـار :

مـن صـام اليـوم الـذي شُـكَّ فيـه ، فقـد عصـى أبـا القاسـم .

صحيح سنن الترمذي / ج : 1 / كتاب : الصوم / ( 3 ) ـ باب :

كراهة صوم يوم الشك / حديث رقم : 553 / ص : 210 .

( 1 ) ما بيـن الحاصرتين [ ] زيادة مـن هامـش المخطوطـة

: 94 / 1 ، ووافقـت روايـة " صحيـح

ابـن ماجـه " : 1 / 275 .

ـ عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ عـن النبـي

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال :

" لا يتقدَّمَـنَّ أحدُكـم رمضـان بصـومِ يـومٍ أو يوميـن إلا أن

يكـونَ رجـلٌ كان يصـوم صَوْمَـه فليصـم ذلـك اليـوم " .

صحيح البخاري . متون / ( 3 ) ـ كتاب : الصوم / ( 14 ) ـ باب : لا يتقدمن رمضان

بصوم يوم ولا يومين / حديث رقم : 1914 / ص : 216 .

* يـوم الشـك :

هـو يـوم 30 شـعبان ( فقـد يكـون متممـًا لشـعبان أو أول رمضـان ) .

* فتـوى :

إذا صـادف يـوم الشـك عـادة

( صيـام إثنيـن وخميـس أو صـوم يـوم وفطـر يـوم )

، فـلا حـرج فـي صيامـه .

o الخلاصـــة :

ـــــــــ

للجمـع بيـن هـذه الروايـات : فالحكـم هـو :

-13-

النهـي عـن تقـدم رمضـان بصـوم بعـد نصـف شـعبان إلا

لمـن وصلـه بمـا قبلـه ـ أي وصـل النصـف الثانـي مـن شـعبان

بالنصـف الأول منـه ـ أو وافـق عـادة لـه

بـأن كـان عادتـه صـوم الإثنيـن والخميـس فوافقـه .

رياض الصالحين / " متون " تحقيق الشيخ الألباني / ( 8 ) ـ كتاب : الفضائل /

( 219 ) ـ باب : النهي عن تقدم رمضان بصوم

بعد نصف شعبان إلا لمن وصله بما قبله أو وافق عادة له بأن كان عادته

صوم الإثنين والخميس فوافقه / ص : 412 .

****************

-14-

مســائل تتعلــق بصيــام التطــوع

========================

1 ـ النيـــة :

**********

ذهـب الجمهـور إلـى جـواز إنشـاء نيـة صيـام التطـوع

أثنـاء النهـار ، لمـن لـم يـأتِ بمـا ينافـي الصـوم مـن

أكـل وشـرب و ..... ، وأراد أن يصـوم ،

وأنـه لا يشـترط تبييتهـا مـن الليـل كصيـام الفـرض .

فعـن عائشـة أم المؤمنيـن قالـت

: دخـل علـيَّ النبـيُّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ذات يـوم فقـال :

" هـل عندكـم شـيء ؟ " . فقلنـا : لا .

قـال : " فإنـي إذن صائـم " .

صحيح مسلم . متون / ( 13 ) ـ كتاب : الصيام / ( 32 ) ـ باب : جواز صوم النافلة

بنية من النهار قبل الزوال ... / حديث رقم : 170 ـ ( 1154 ) / ص : 276 .

2 ـ المتطــوع أميـر نفســه :

*********************

المتطـوع أميـر نفسـه إن شـاء أتـم صومـه ،

وإن شـاء أفطـر ولا قضـاء عليـه .

ـ عـن أم هانـئ قالـت :

كنـتُ قاعـدة عنـد النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

فأُتِـيَ بشـراب ، فَشَـرب منـه ، ثـم ناولنـي فشـربت منه فقلـتُ :

إنـي أذنبـتُ فاسـتغفر لـي . قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " ومـا ذاك ؟ " .

قالـت :

كنـتُ صائمـة فأفطـرتُ .

فقـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " أَمِـنْ قضـاء كنـتِ تَقْضِينـَهُ ؟ " .

قالـت :

لا . قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :

" فـلا يَضُـرُّكِ " .

صحيح سنن الترمذي / ج : 1 / أبواب : الصوم / ( 34 ) ـ باب : إفطار

الصائم المتطوع / حديث رقم : 584 ـ 734 / ص : 223 .

ـ عـن شـعبة أنـه قـال : كنـتُ أسـمعُ سِـمَاكَ بـن حـرب يقـول :

أحـد بنـي أمِّ هانـئ حدثنـي ، فلقيـت أنـا أفضلهـم ،

وكـان اسـمه : جَعْـدَة ، وكانـت أم هانـئ جَدَّتـه ، فحدثنـي عـن جدتـه :

أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ دخـل عليهـا ، فدعـا بشـراب فشـرب ،

15-

ثـم ناولهـا فشـربت ، فقالـت :

يـا رسـول الله ، أما إنـي كنـتُ صائمـة ،

فقـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

" الصائـمُ المتطـوع أميـن نفسِـهِ ، إن شـاء صـامَ ، وإن شـاء أفْطَـر " .

صحيح سنن الترمذي / ج : 1 / أبواب : الصوم / ( 34 ) ـ باب : إفطار

الصائم المتطوع / حديث رقم : 585 ـ 735 / ص : 223 .

ـ عـن عائشـة أم المؤمنيـن قالـت :

كـان النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يأتينـي فيقــول :

" أَعِنْـدَكِ غــدَاء ؟ " . فأقــول : لا . فيقـول :

" إنـي صائـم " .

قالـت : فأتانـي يومـًا فقلـت : يـا رسـول الله ، إنـه قـد أُهديـت لنـا هديـة .

قـال : " وما هِـيَ ؟ " . قلـت : حَيْـسٌ (1) .

قـال :

" أمـا إنِّـي أصبحـتُ صائمـًا " . قالـت : ثـم أكـل .

صحيح سنن الترمذي / ج : 1 / أبواب : الصيام / ( 34 ) ـ باب : إفطار

الصائم المتطوع / حديث رقم : 587 ـ 737 / ص : 224 .

( 1 ) الحَيْـس : هـو التمر مع السـمن والأقـط .

3 ـ أَكْــل الناسـي وشـربه لا يُفْطِــر :

***************************

مـن أكـل أو شـرب ناسـيًا ، فإنـه يتـم صومـه ولا قضـاء عليـه ،

ويسـتوي في ذلـك الفـرض والنفـل لعمـوم الأدلـة عنـد الجمهـور .

عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

" مـن نسـي وهـو صائـمٌ ،

فَأَكَـلَ أو شَـرِبَ ، فَلْيُتِـمَّ صَوْمَـهُ . فإنمـا أطعمـه اللهُ وسَـقَاهُ " .

رواه مسلم / ج : 8 / ( 13 ) ـ كتاب : الصيام / ( 33 ) ـ باب : أكل الناسي وشربه ... /

حديث رقم : 171 ـ ( 1155 ) / ص : 51 . مؤسسة قرطبة .

4 ـ اسـتئذان الــزوج :

****************

لا يجـوز للمـرأة أن تصـوم صيـام تطـوع فـي حضـور زوجهـا بغيـر إذنـه .

عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

" لا تَصُـمِ المـرأةُ وبعلُهَـا شـاهدٌ إلا بإذنِـهِ ..... " .

صحيح مسلم / ج : 7 / ( 12 ) ـ كتاب : الزكاة / ( 26 ) ـ باب : ما أنفق

العبد من مال مولاه / حديث رقم : 84 ـ ( 1026 ) / ص : 159 .

-16-

قـال النـووي فـي شـرح الحديـث :

" هـذا محمـول علـى صـوم التطـوع والمنـدوب الـذي ليـس

له زمـن معيـن ، وهـذا النهـي للتحريـم صـرح بـه أصحابنـا .

وسـببه :

أن الـزوج لـه حـق الاسـتمتاع بهـا في كـل الأيـام

، وحقـه فيـه واجـب علـى الفـور فـلا يفوتـه

بتطـوع ولا بواجـب علـى التراخـي " . ا . هـ .

" وهـذا للـزوج المقيـم فـي البلـد ( وزوجهـا شـاهد ) ،

أمـا إذا كـان مسـافرًا فلهـا الصـوم " .

ا . هـ . بتصرف .

5 ـ جـواز التطـوع قبـل قضـاء رمضـان :

******************************

قضـاء الفـوات مـن رمضـان ـ بعـذر شـرعي ـ

لا يجـب علـى الفـور ، وإنمـا وجوبـه علـى التراخـي وجوبـًا مُوسَّـعًا .

فعـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ قالـتْ :

إن كانـتْ إحدانـا لَتُفْطِـرُ فـي زمـانِ رسـولِ اللهِ

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . فمـا تقـدِرُ علـى أن تقضِيَـهُ مـع رسـول الله

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ حتـى يأتِـيَ شـعبانُ .

صحيح مسلم / ج : 8 / ( 13 ) ـ كتاب : الصيام / ( 26 ) ـ باب :

قضاء رمضان في شعبان / حديث رقم : 1146 / ص : 32 .

قـال الحافـظ فـي الفتـح ( 4 / 191 ) :

" وفـي الحديـث دلالـة علـى

جـواز تأخيـر قضـاء رمضـان ( 1 ) ..... " . ا . هـ .

لكـن يسـتحب المبـادرة بالقضـاء ، لعمـوم قولـه تعالـى :

" أولئـك يسـارعون فـي الخيـرات وهـم لهـا سـابقون " . صحيح فقه السنة ... / ص : 129 .

إذا أُخِّـرَ القضـاء حتـى دخـل رمضـان الـذي بعـده ،

فإنهـا تصـوم رمضـان الـذي ورد عليهـا ـ كمـا أُمِـرت ـ

فـإذا أفطـرت فـي شـوال قضـت الأيـام التـي

كانـت عليهـا فقـط ولا مزيـد علـى هـذا ، فـلا يجـب إطعـام ولا غيـره

، لعـدم ثبـوت شـيء مرفـوع إلـى النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

فـي ذلـك ولا يجـب التتابـع فـي القضـاء .

صحيح فقه السنة ... / ص : 129 .

فمذهـب جماهيـر السـلف والخلـف :

جـواز تأخيـر قضـاء رمضـان لمن أفطـر بعـذر مطلقـًا .

ثـم اختلفـوا فـي جـواز التطــوع قبـل قضـاء رمضـان .

ولا يصـح دليـل فـي المنــع مـن صيـام

----------------------------------

( 1 ) من أراد المزيد في الصيام وأحكامه : فليرجع إلى رسالة رمضان .

-17-

التطـوع قبـل القضـاء ، بـل يـدل علـى الجـواز ،

أن الله سـبحانه أطلـق القضـاء بقولـه تعالـى :

{ ... فَعِـدَّةٌ مِّـنْ أَيَّـامٍ أُخَـرَ ... } . سورة البقرة / آية : 185 .

ثـم إن القضـاء واجـب يتعلـق بوقـتٍ مُوَسَّـعٍ ، فجـاز

التطـوع فـي وقتـه قبـل فعلـه كالصـلاة يُتطـوع فـي أول وقتهـا والله أعلـم .

صحيح فقه السنة ... / ص : 141 .

******************

-21-

* ثـم أخبـر أن ملـة إبراهيـم وهـي الإسـلام الـذي يقـوم علـى

التوحيـد الخالـص مـن كـل شـائبة ، لا يرغـب عنهـا إلا كـل سـفيه أحمـق ،

وأن إبراهيـم وصـى بهـا بنيـه ، وكذلـك يعقـوب عليهمـا السـلام قـال تعالـى :

{ وَمَـن يَرْغَـبُ عَـن مِّلَّـةِ إِبْرَاهِيـمَ إِلاَّ مَـن سَـفِهَ

نَفْسَـهُ وَلَقَـدِ اصْطَفَيْنَـاهُ فِـي الدُّنْيَـا وَإِنَّـهُ فِـي الآخِـرَةِ لَمِـنَ الصَّالِحِيـنَ *

إِذْ قَـالَ لَـهُ رَبُّـهُ أَسْـلِمْ قَـالَ أَسْـلَمْتُ لِـرَبِّ الْعَالَمِيـنَ *

وَوَصَّـى بِهَـا إِبْرَاهِيـمُ بَنِيـهِ وَيَعْقُـوبُ يَـا بَنِـيَّ إِنَّ اللهَ

اصْطَفَـى لَكُـمُ الدِّيـنَ فَـلاَ تَمُوتُـنَّ إَلاَّ وَأَنتُـم مُّسْـلِمُونَ *

أَمْ كُنتُـمْ شُـهَدَاء إِذْ حَضَـرَ يَعْقُـوبَ الْمَـوْتُ إ

ِذْ قَـالَ لِبَنِيـهِ مَـا تَعْبُـدُونَ مِـن بَعْـدِي قَالُـواْ نَعْبُـدُ إِلَهَـكَ وَإِلَهَ

آبَائِـكَ إِبْرَاهِيـمَ وَإِسْـمَاعِيلَ وَإِسْـحَاقَ إِلَهـاً وَاحِـداً وَنَحْنُ لَـهُ مُسْـلِمُونَ } .

سورة البقرة / آية : 130 : 133 .

* وإنـه لمـن تمـام النعمـة علـى الأمـة التـي تعـد

شـريعتها متصلـة بشـريعة إبراهيـم عليـه السـلام ،

ومجـددة لهـا أن تكـون قبلتهـا هـي قبلـة إبراهيـم لتتـم بهـا الهدايـة والنعمـة ،

تحقيقـًا لقـول الله تبـارك وتعالـى :

{ ... وَلأُتِـمَّ نِعْمَتِـي عَلَيْكُـمْ وَلَعَلَّكُـمْ تَهْتَـدُونَ } .

سورة البقرة / آية : 150 .

* فمـن تمـام النعمـة التوجـه لقبلـة إبراهيـم ـ عليه السلام ـ .

قـال تعالـى :

{ وَمِـنْ حَيْـثُ خَرَجْـتَ فَـوَلِّ وَجْهَـكَ شَـطْرَ الْمَسْـجِدِ

الْحَـرَامِ وَحَيْـثُ مَـا كُنتُـمْ فَوَلُّـواْ وُجُوهَكُـمْ شَـطْرَهُ

لِئَـلاَّ يَكُـونَ لِلنَّـاسِ عَلَيْكُـمْ حُجَّـةٌ

إِلاَّ الَّذِيـنَ ظَلَمُـواْ مِنْهُـمْ فَلاَ تَخْشَـوْهُمْ وَاخْشَـوْنِي

وَلأُتِـمَّ نِعْمَتِـي عَلَيْكُـمْ وَلَعَلَّكُـمْ تَهْتَـدُونَ } .

سورة البقرة / آية : 150 .

* ثـم أمرهـم بمـا لا يتـم كـل ذلـك إلا بـه ،

وهـو الاسـتعانة بالصبـر والصـلاة ، وأخبرهـم أنـه مـع الصابريـن ، قـال تعالـى :

{ يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـواْ اسْـتَعِينُواْ بِالصَّبْـرِ وَالصَّـلاَةِ إِنَّ اللهَ مَـعَ الصَّابِرِيـنَ } .

سورة البقرة / آية : 153 .

ولنرجـع إلـى شـرح بقيـة الحديـث مـن قـول البـراء بـن عـازب ـ رضي الله عنه ـ :

" فصلـى مـع النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ رجـل ولـم يعـرف

اسـم ذلـك الرجـل ، ولا القـوم الذيـن مـر بهـم وهـم يصلـون فـي

مسـجدهم ، ولكنهـم علـى كـل

حـال ليسـوا أهـل قبـاء ، فـإن أهـل قبـاء لـم

يعلمـوا بتحويـل القبلـة إلا فـي صـلاة الصبـح .

-22-

كمـا جـاء فـي حديـث ابـن عمـر :

بينمـا النـاس فـي صـلاة الصبـح بِقُبَـاء إذ جاءهـم آتٍ فقـال :

إنَّ رســولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـد أُنـزِلَ عليـه الليلـةَ

وقـد أُمـر أن يسـتقبل الكعبـة فاسـتقبِلوها

وكانـت وجوههـم إلـى الشـام فاسـتداروا إلـى الكعبـة .

صحيح مسلم . متون / ( 5 ) ـ كتاب : المساجد ومواضع الصلاة / ( 2 ) ـ باب :

تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة / حديث رقم : 13 ـ ( 526 ) / ص : 128 .

* وقـد اختلـف فـي أول صـلاة صلاهـا رسـول الله

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إلـى الكعبـة بعـد التحويـل ، فحديـث

" البـراء بـن عـازب " هنـا يفيـد أنهـا صـلاة العصـر .

* وَرُوِيَ عـن ابـن سـعيد بـن المعلـى أنهـا صـلاة الظهـر ،

وأنـه هـو وصاحـب لـه كانـا أول مـن صلـى مـع النبـي

صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إلـى القبلـة الجديـدة .

وَرُوِيَ كذلـك أن الأمـر بالتحويـل نـزل بعـد مـا صلـى النبـي

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ركعتيـن مـن الظهـر ، فاسـتدار فـي الصـلاة ،

وكـان ذلـك فـي مسـجد بني سـلمة ، فسـمي المسـجد " ذا القبلتيـن " .

* ويؤخـذ مـن حديـث البـراء بـن عـازب جملـة مـن الأحكـام

والفرعيـة ، ذكرهـا العلامـة ابـن دقيـق العيـد فـي شـرحه علـى

عمـدة الأحكـام عنـد الكـلام علـى حديـث ابـن عمـر المتقـدم ،

ونحـن نجملهـا فيمـا يأتـي :

1ـ قبـول خبـر الواحـد ،

وعـادة الصحابـة فـي ذلـك اعتـداد بعضهـم بنقــل بعـض ، وورد عنهـم

فـي ذلـك مـا لا يُحصـى ، ومعنـى ذلـك أن خبـر الواحـد العــدل ،

يفيـد العلـم بمضمونـه ويجـب

العمـل بـه ، خلافـًا للمتكلميـن مـن المعتزلـة وغيرهـم .

2 ـ جـواز نسـخ السـنة بالكتـاب ،

فإنمـا الصـلاة إلـى بيـت المقـدس إنمـا كانـت بالسـنة ،

لا نـص

فـي القـرآن علـى ذلـك ، وتحويـل القبلـة إلـى الكعبـة إنمـا كـان بالكتـاب .

3 ـ دلَّ الحديـثُ علـى أن حكــم " الناسـخ

" لا يثبـت فـي حـق المكلـف قبـل بلـوغ الخطــاب لـه ،

فإنهـم بنـوا ـ صلاتهـم ـ

علـى ما فعلـوه مـن الصــلاة جهـة بيـت المقـدس ،

ولـو ثبـت الحكـم

فـي حقهـم قبـل بلـوغ الخبـر إليهـم ؛

لكانـت صلاتهـم إلى بيـت المقـدس باطلـة ، فـلا يجـوز البنـاء

عليهـا ، بل كـان يجـب اسـتئنافها ( أي : إعادتهـا من جديـد ) .

4 ـ فيـه دليـل علـى جــواز تنبيـه مـن ليـس فـي

الصــلاة لمـن هـو فيهـا ، وأن يَفْتَـح عليـه

القـراءة .

-23-

5 ـ قـال الطحـاوي :

فـي هـذا دليـل علـى أن مـن لم يعلـم بفـرض الله تعالـى ،

ولـم تبلغـه الدعـوة ،

ولا أمكنـه اسـتعلام ذلـك مـن غيـره ،

فالفـرض غيـر لازم لـه ، والْحُجَّـة غيـر قائمـة عليـه .

تعقيـــب :

********

1 ـ نقـل الإمـام القرطبـي عـن أبـي حاتـم البسـتي قـال :

صلـى المسـلمون إلـى بيــت المقـدس سـبعة عشـر

شـهرًا وثلاثــة أيـام ، وذلـك أن قـدومـه

صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم المدينـة كـان يـوم الإثنيـن

لاثنتـي عشـرة ليلـة ، خلـت مـن

شـهر ربيـع الأول ، وأمـره الله عــز وجــل باسـتقبال الكعبـة

يـوم الثلاثـاء للنصـف الأول مـن

شـعبان .

2ـ ويحكـي ابـن كثيـر فـي البدايـة والنهايـة ،

وكذلـك فـي تفسـيره أن ذلـك كـان فـي رجـب سـنة

اثنتيـن علـى رأس سـتة عشـر شـهرًا .

علـى أن الخـلاف فـي وقـت التحويـل لا يهمنـا بقـدر مـا

يهمنـا مـا يفعلـه النـاس فـي المواسـم

بمـا طغـى علـى ما وقـع فيهـا مـن أحـداث هامـة مـن أمـر الإسـلام .

مجلة التوحيد العدد الخاص بشـعبان : 1414 هـ ، 1415 هـ .

*******************

-24-

البــدع وأقســامها

=============

تعريــف البدعــة :

************

هـي طريقـة فـي الديـن مُخْتَرَعـةٍ ، تضاهـي الشـرعِيَّة ،

يُقصَـدُ بالسـلوكِ عليهـا المبالغـةُ فـي التعبُّـدِ للهِ سـبحانه .

علم أصول البدع ... / ص : 24 .

" فمـن أحـدث شـيئًا يتقـرب بـه إلـى الله تعالـى مـن قـولٍ أو فعـلٍ ،

فقـد شَـرَعَ مـن الديـن مـا لـم يـأذن بـه الله ، فَعُلِـمَ أنَّ كـلَّ بدعـةٍ مـن

العبـادات الدينيـة لا تكـون إلا سـيئة " .

علم أصول البدع ... / ص : 101 .

أقســـام البــدع :

************

أ ـ البـدع الحقيقيـة . ب ـ البـدع الإضافيـة .

أ ـ البــدع الحقيقيــة :

===============

قـال العلامـة الشـاطبي فـي " الاعتصـام " ( 1 / 286 ) :

" إن البدعـةَ الحقيقيـةَ هـي التـي لـم يَـدُل عليهـا دليـل شـرعيٌّ ؛

لا مـن كتـابٍ ولا سـنةٍ ، ولا إجمـاعٍ ، ولا اسـتدلالٍ معتبـرٍ عنـد أهـل العلـم ،

لا فـي الجملـة ولا فـي التفصيـل " . ا . هـ .

علم أصول البدع ... / ص : 147 .

وعليـه ؛ فإن البدعـة الحقيقيـة أعظـمُ وزرًا ؛

مخالَفَـةٌ مَحْضَـةٌ ، وخـروج عـن السـنةِ ظاهـرٌ ؛ كالقـول بالقَـدَرِ ،

وإنكـار تحريـم الخمـر ، ..... ومـا أشـبه ذلـك .

علم أصول البدع ... / ص : 148 .

ب ـ البـدع الإضافيـة :

===============

البدعـة الإضافيـة هـي التـي لهـا أصـل مـن الديـن

ولكـن أضيـف إليهـا هيئـات ، أو أزمنـة ، أو ..... ، ليـس مـن الديـن .

-25-

فالبدعـة الإضافيـة لهـا شـائبتان :

إحداهمـا : لهـا مـن الأدلـة مُتَعَلَّـقٌ ، فـلا تكـون مـن تلـك الجهـةِ بدعـةً .

والأخـرى : ليـس لهـا مُتَعَلَّـقٌ ؛ إلا مثـل ما للبدعـةِ الحقيقيـة .

فالبدعـة الإضافيـة بالنسـبة إلـى إحـدى الجهتيـن سـنةٌ ،

لأنهـا مسـتندةٌ إلـى دليـلٍ ـ لكنـه عـام ـ

وبالنسـبة إلـى الجهـة الأخـرى بدعـةٌ ، لأنهـا مسـتندة إلـى شـبهةٍ ،

لا إلـى دليـل ، أو غيـر مسـتندة إلـى شـيءٍ .

فالدليـل عليهـا مـن جهـة الأصـل قائـم ،

ومـن جهـة الكيفيـات أو الأحـوال أو التفاصيـل لـم يَقُـمْ عليهـا ،

مـع أنهـا محتاجـةٌ إليـه .

علم أصول البدع ... / ص : 148 .

هـذا وإن صاحـب البدعـة الإضافيـة يتقـربُ إلـى

اللهِ تعالى بمشـروعٍ وغيـرِ مشـروع ،

والتقـرب يجـب أن يكـون بمحـضِ المشـروع ، فكما يجـب أن يكـون العمـلُ

مشـروعـًا باعتبـار ذاتـه ، يجـبُ أن يكـونَ مشـروعـًا باعتبـار كيفيتـه ،

كمـا يفيـده الحديـث : قـال صلى الله عليه وعلى آله وسلم :

" مـن عمـل عمـلاً ليـس عليـه أمرُنـا ؛ فهـو ردٌّ " .

مسلم .

فالمبتـدع بدعـةً إضافيـةً قـد خلـط عمـلاً صالحـًا

وآخـر سـيئـًا ، وهـو يـرى أن الكـلَّ صالـح .

علم أصول البدع ... / ص : 152 / بتصرف يسير .

أمثلـة البـدع الإضافيـة :

*****************

ـ تخصيـص نصـف شـعبان بصيـام وقيـام :

فأصـل الصيـام مشـروع وأصـل القيـام مشـروع .

ولكـن تخصيـص هـذا اليـوم وليلتـه بعبـادات معينـة فهـذا ممـا لا دليـل عليـه .

ـ عـن سـعيد بـن المسـيب : أنـه رأى رجـلاً يصلـي بعـد طلـوع

الفجـر أكثـر مـن ركعتيـن يكثـرُ فيهمـا الركـوع والسـجود فنهـاه .

فقـال : يـا أبـا محمـد ! يعذبنـي الله علـى الصـلاة ؟ !

قـال : " لا ، ولكـن يعذبُـك علـى خـلاف السـنة " . رواه البيهقي وغيره بسند حسن .

قـال شـيخنا العلامـة الألبانـي ـ رحمه الله ـ

فـي إرواء الغليـل ( 2 / 236 ) بعـد إيـراده هـذا الأثـر :

" وهـذا مـن بدائـع أجوبـة سـعيد بن المسـيب رحمه الله تعالى ،

وهـو سـلاحٌ قـويٌّ علـى المبتدعـة الذيـن يسـتحسنون كثيـرًا

من البـدع باسـم أنهـا ذِكـرٌ وصـلاةٌ ! !

ثـم ينكـرون علـى أهـل السـنة إنكـار ذلـك عليهـم ،

ويتهمونهـم بأنهـم ينكــرون الذكــر والصــلاة ! !

وهـم فـي الحقيقــة إنمـا

-26-

ينكـرون خلافهـم للسـنة فـي الذكـر والصـلاة ونحـو ذلـك " . ا . هـ .

( علم أصول البدع / للشيخ : علي حسن عبد الحميد / ص : 72 ) .

ـ عـن عمـر بـن سـلمة الهَمْـدَانـي ـ رحمه الله ـ قـال :

" كنـا نجلـس علـى بـاب " عبـد الله بـن مسعـود

" قبـل صـلاة الغـداةِ ، فـإذا خـرج مَشَـيْنا معـه إلـى المسجـد .

فجاءنـا " أبـو موسـى الأشعـري "

فقـال : أَخَـرَجَ إليكـم " أبـو عبـد الرحمـن " بعـد ؟

قلنـا : لا .

فجلـس معنـا حتـى خـرج ، فلمـا خـرج قمنـا إليـه جميعـًا .

فقـال لـه " أبـو موسـى " : يـا " أبـا عبـد الرحمـن

" إنـي رأيـت فـي المسجـد آنفـًا أمْـرًا أنكرتـه ! ولـم أرَ والحمـد لله إلا خيـرًا .

قـال : فمـا هـو ؟

فقـال ( أي أبـي موسـى ) : إنْ عشـتَ فسـتراه .

قـال أبـو موسـى :

رأيـتُ فـي المسـجد قوْمـًا حِِِلَقـًا ، جلوسـًا ، ينتظـرون الصـلاة ،

فـي كـل حلْقـة رجـل ، وفـي أيديهـم حصـى فيقـول

: سـبَّحوا مائـة ، فيسـبحون مائـةً .

قـال ـ أي : عبـد الله بـن مسـعود ( أبـو عبـد الرحمـن ) ـ : فمـاذا قلـتَ لهـم ؟

قـال ( أي : أبـي موسـى الأشـعري ) : مـا قلـتُ لهـم شـيئًا انتظـارَ رأيـك .

قـال ( ابـن مسـعود ) : أفـلا أمرتَهـم أن يَعُـدُّوا سـيئاتهم

وضَمِنـتَ لهـم أن لا يضيـع مـن حسـناتهم شـيء ؟ ! ثـم مضـى ومضينـا معـه ،

حتـى أتـى حَلْقـةً مـن تلـك الحِلَـق ، فوقـف عليهـم فقـال :

مـا هـذا الـذى أراكـم تصنعـون ؟

قالـوا : يـا أبـا عبـد الرحمـن ، حصـى نَعُـدُّ بـه التكبيـر والتهليـل والتسـبيح .

قـال : فَعُـدُّوا سـيئاتكم ، فأنـا ضامـن أن لا يضيـع مـن حسـناتكم شـيء

، ويْحَكُـم يا أمـة محمـد ! مـا أَسْـرعَ هلكتكـم !

هـؤلاء صحابـة نبيكـم ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

متوافـرون وهـذه ثيـابـه لـم تَبْـل

، وآنيتـه لـم تُكْسَـرْ ، والـذي نفسـي بيـده

إنكـم لعلـى ملـة هـي أهـدى مـن ملـة محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ

أو مفتتحـو بـاب ضلالـة ؟ ! ! !

قالـوا : والله يـا أبـا عبـد الرحمـن ، مـا أردنـا إلا الخيـر .

قـال : وكـم مـن مريـد للخيـر لـن يصيبـه ،

إن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ حدثنـا :

" إن قومـًا يقـرءون القـرآن ، لا يجـاوز تراقيـهم ، يمرقـون مـن

الإسـلام كما يمـرقُ السـهم مـن الرَّمِيَّـة " .

" وايـم الله " (1) مـا أدري لعـلَّ أكثرهـم منكـم ! ثـم تولـى عنهـم .


-27-

فقـال عمـرو بـن سلمـة :

فرأينـا عامـة أولئـك الحِلَـق يطاعنوننـا يـوم النهـروان مـع الخـوارج .

أخرجه الدارمي . وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة / مجلد رقم :5/ حديث رقم : 5002 .

( 1 ) " وايـم الله " : كلمـة قسـم . همزتهـا همـزة وصـل .

المعجم الوجيز / ص :31



قـال الشـيخ الألبانـي ـ رحمـه الله ـ :

وإنمـا عُنيـتُ بتخريجـه مـن هـذا الوجـه لقصـة ابـن مسـعود مـع أصحـاب الحلقـات ، فـإن فيهـا عبـرة لأصحـاب الطـرق وحلقـات الذكـر علـى خـلاف السـنة ، فـإن هـؤلاء إذا أنكـرعليهـم منكـر مـا هـم فيـه ، اتهمـوه بإنكـار الذكـر مـن أصلـه ! وهـذا كفـر لا يقـع فيـه مسـلم ، وإنمـا المنكَـر مـا أُلصِـق بـه مـن الهيئـات والتجمعـات التـي لـم تكـن مشـروعة علـى عهـد النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وإلا فمـا الـذي أنكـره ابـنُ مسـعود ـ رضي الله عنه ـ علـى أصحـاب تلـك الحلقـات ؟ !

ليـس هـو إلا التجمـع فـي يـوم معيـن ، والذكـر بعـدد لـم يـرد ، وإنمـا يحصـره الشـيخ صاحـب الحَلْقـة ، ويأمرهـم بـه مـن عنـد نفسـه ، وكأنـه مُشـرِّع عـن الله تعالـى .

قـال تعالـى :

{ أَمْ لَهُـمْ شُـرَكَاء شَـرَعُوا لَهُـم مِّـنَ الدِّيـنِ مَـا لَـمْ يَـأْذَن بِـهِ اللهُ ... } .

سورة الشورى / آية : 21 .

ـ زد علـى ذلـك أن السـنة الثابتـة عنـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم فعـلاً وقـولاً إنمـا هـي التسبيـح بالأنامـل .

* ومـن الفوائـد التـي تؤخـذ مـن الحديـث ، أن العبـرة ليسـت بكثـرة العبـادة ، وإنمـا بكونهـا علـى السـنة ، بعيـدة عـن البدعـة .

وقـد أشـار إلـى هـذا ( ابـن مسـعود ) بقولـه :

" اقتصـاد فـي سـنة ، خيـرٌ مـن اجتهـادٍ فـي بدعـة " .

* ومـن الفوائـد أن البدعـة الصغيـرة بريـدٌ إلـى البدعـة الكبيـرة ، ألا تـرى أن أصحـاب الحلقـات صـاروا بعـدُ مِـنَ الخـوارج الذيـن قتلهـم الخليفـة الراشـد " علـي بـن أبـى طالـب " ؟

فهـل مـن مُعْتَبِـر ؟ نظم الفرائد : ج : 1 / ص : 211 .

******************


-28-

دفــــع إشـــكال

=============

قـد يقـول قائـل :

تخصيـص نصـف شـعبان بصيـام مـن بـاب " السـنة الحسـنة "

لقـول الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

" مـن سـن فـي الإسـلام سـنة حسـنة فلـه أجرهـا وأجــر مـن عمـل بهـا بعـده ..... " . ـ الحديـث ـ .

ولِـرَد هـذه الشـبهة نـورد الحديـث مـع توضيـح مـراد الشـارع منـه :

عـن المُنْـذِرِ بْـنِ جَرِيـرٍ عَـنْ أَبِيـِه قــال : كُنَّـا عِنْـدَ رســولِ اللهِ ـ

صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي صَـدْرِ النَّهَـارِ .

قـال :

فجـاءهُ قـومٌ حفـاةٌ عـراةٌ مُجْتَـابِي النِّمَـارِ (1) أوِ الْعَبَـاءِ ، مُتَقَلِّـدِي السُّـيُوف ، عَامَّتُهُـمْ مِـنْ مُضَـرَ بـَلْ كُلُّهُـمْ مِـنْ مُضَـرَ فَتَمَعَّـرَ (2) وَجْـهُ رَسُـولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم ـ لِمَـا رَأَى بِهِـمْ مـِنَ الفَاقَـةِ . فَدَخَـلَ ثُـمَّ خَـرَجَ . فَأَمَـرَ بِـلالاً فَـأَذَّنَ وَأَقَـامَ . فَصَلَّـى ثُـمَّ خَطَـبَ فَقَـال :

{ يَـا أَيُّهَـا النَّـاسُ اتَّقُـواْ رَبَّكُـمُ الّـَذِي خَلَقَكُـم مِّـن نَّفْـسٍ وَاحِـدَةٍ ... } . سورة النساء / : 1 .

إلـى آخـر الآيـة . " إنَّ اللهَ كَـانَ عَلَيْكُـمْ رَقِيبـًا " .

والآيَـةَ التـي فـي الحَشْـرِ :

{ ... اتَّقُـوا اللهَ وَلْتَنظُـرْ نَفْـسٌ مَّـا قَدَّمَـتْ لِغَـدٍ وَاتَّقُـوا اللهَ ... } . سورة الحشر / آية : 18 .

تَصَـدَّق (3) رَجُـلٌ مِـنْ دِينَـارِهِ ، مِـنْ دِرْهَمِـهِ ، مِـنْ ثَوْبِـهِ ، مِـنْ صَـاعِ بُـرِّهِ ، مِـنْ صَـاعِ تَمْـرِهِ ( حتـى قَـالَ ) ولَـوْ بِشَـقِّ تَمْـرَةٍ .

قَـالَ : فَجَـاءَ رَجُـلٌ مِـنَ الأَنْصَـارِ بِصُـرَّةٍ كَـادَتْ كَفُّـهُ تَعْجِـزُ عَنْهَـا . بَـلْ قَـدْ عَجَـزَتْ .

قـالَ : ثُـمَّ تَتَابَـعَ النَّـاسُ حَتَّـى رَأَيْـتُ كَوْمَيـنِ مِـنْ طَعَـامٍ وثِيَـابٍ . حَتَّـى رَأَيْـتُ وَجْـهَ رَسْـولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يَتَهَلَّـلُ كَأَنَّـهُ مُذْهَبَـةٌ (4) .

فقـالَ رسـولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

مَـنْ سَـنَّ فـي الإسْـلامِ سُـنَّةً حَسَـنَةً ، فَلَـهُ أَجْرُهَـا وَأَجْـرُ

مَـنْ عَمِـلَ بِهَـا بَعْـدَهُ . مِـنْ غَيْـرِ أنْ يَنْقُـصَ مِـنْ أُجُورِهِـمْ شَـيْءٌ .

ومَـنْ سَـنَّ فـي الإسْـلامِ سُـنةً سَـيئةً ، كـانَ عليـهِ وِزْرُهَـا ووِزْرُ

مَـنْ عَمِـلَ بهـا مِـنْ بَعْـدِهِ . مِـنْ غَيْـرِ أنْ يَنْقُـصَ مِـنْ أوْزَارِهِـمْ شَـيْءٌ " .

صحيح مسلم / ج : 7 / ( 12 ) ـ كتاب : الزكاة / ( 20 ) ـ باب : الحث على الصدقة

ولو بشق تمرة ... / حديث رقم : 69 ـ ( 1017 ) / ص : 142 .

-29-

( 1 ) الجَـوْب : القَطْـعُ . النمـار : جمـع نَميـرة وهـي كسـاء مـن صـوفٍ مخطـط .

مجتابيهـا : أي لابسـيها قـد خرقوهـا فـي رؤوسِـهم ( أي خرقوهـا وقـوروا وسـطها ) .

( 2 ) تمعـر : تغيـر .

( 3 ) تصـدق : أي ليتصـدق فهـو خبـر بمعنـى الأمـر .

( 4 ) مُذْهَبـة : الصفـاء والاسـتنارة .

* مـن شـرح الحديـث بصحيـح مسـلم :

ص : 145 / ج : 7 .

مـن سـن فـي الإسـلام سـنة حسـنة فلـه أجرهـا .....

فيـه الحـث علـى الابتـداء بالخيـرات ، وسـن السـنن الحسـنات ، والتحذيـر من اختـراع الأباطيـل والمسـتقبحات .

وسـبب هـذا الكـلام فـي هـذا الحديـث أنـه قـال فـي أولـه :

( فجـاء رجـل بصـرة كـادت كفـه تعجـز عنهـا ، فتتابـع النـاس ) .

وكـان الفضـل العظيـم للبـادي بهـذا الخيـر ، والفاتـح لبـاب هـذا الإحسـان .

وفـي هـذا الحديـث تخصيـص قولـه صلى الله عليه وعلى آله وسلم :

" كـل محدثـة بدعـة وكـل بدعـة ضلالـة " ..... وأن المـراد به المحدثـات الباطلـة ، والبـدع المذمومـة .

وقـد سـبق بيـان هـذا فـي كتاب صـلاة الجمعـة . ا . هـ .

*مـن سـن سـنة حسـنة :

نجـد أن السُّـنَّة الحسـنة فـي هـذا الحديـث هـي الصدقـة وهـي لهـا أصـل فـي الديـن ولكـن الحـث عليهـا بالعمـل ( القـدوة ) ..... فيقتـدي بـه النـاس ، يعتبـر سـنة حسـنة .

وليـس إذن معنـى السـنة الحسـنة أن نبتـدع فـي ديـن الله أي عبـادات ونقـول : " مـن سـن فـي الإسـلام سـنة حسـنة " .

فـلا يخصـص شـهر رجـب بصيـام ونقـول مـن سـن فـي الإسـلام سـنة حسـنة ..... .

ولا نحتفـل بليلـة النصـف مـن شـعبان ونحييهـا ونخصهـا بعبـادات معينـة تحـت سـتار مـن سـن فـي الإسـلام سـنة حسـنة .

فـلا عبـادة إلا بنـص مـن القـرآن أو السـنة الصحيحـة بفهـم السـلف الصالـح .

* * * * *

-30-

طريــق الخــلاص مـن البـــدع

======================

بعـد أن ظهـر جليًـا أن كـل بدعـة ضلالـة ،

فمـا هـو طريـق الخـلاص مـن البـدع التـي هـي مفتـاح الضـلال ؟

فالجـواب مـا قالـه الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

" تركـتُ فيكـم شـيئين ، لـن تضلـوا بعدهمـا : كتـابَ اللهِ ، وسُـنتي ، ولـن يتفرقـا حتـى يـردا علـيَّ الحـوضَ " .

رواه الحاكم ، عن أبي هريرة . وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في : صحيح الجامع الصغير وزيادته ... /

مرتب على الحروف الهجائية / ج : 1 / حديث رقم : 2937 / ص : 566 .

فالبـدع فـي حقيقتهـا سـمٌّ ناقـعٌ ، فالحـذر الحـذر مـن هـذا السُّـمِّ ؛

فإنـه قاتـل ، ومِـلْ مـع الحـقِّ حيـث كـان ،

وكـنْ متيقِّظـًا لخـلاص مُهْجَتِـك بالاتبـاع ، وتـرك الابتـداع .

إذن " الطريـق الوحيـد للخـلاص مـن البـدع وآثارهـا السـيئة هـو

الاعتصـام بالكتـاب والسـنة اعتقـادًا وعِلمـًا وعمـلاً " .

محوطـًا ذلـك كلُّـه بالاهتـداء بهَـدْي السـلف وفهمِهِـم

ونهجِهِـم وتطبيقِهِـم لهذيـن الوحييـن الشـريفيـن ؛ فَهُـمْ ـ رحمهم الله ـ

أعظـمُ النـاس حبّـًا ، وأشـدُّهم اتباعـًا ، وأكثرُهـم حرصـًا ،

وأعمقهـم علمـًا ، وأوسـعُهم درايـة .

وترجـع أهميـة هـذا الأمـر : أنـه الشـرط الثانـي لقبـول أي عبـادة .....

فشـرطى قبـول أي عمـل صالـح همـا : أن يكـون هـذا العمـل :

1 ـ خالصـًا لله .

2 ـ صوابـًا علـى نهـج رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

وهـذا الطريـق يسـير علـى مـن يسَّـره اللهُ لـه ،

وسـهلٌ علـى مـن سَـهَّلَهُ اللهُ عليـه ، لكنـه يحتـاج إلـى جهـود علميـة ودَعَويَّـةٍ

متكاتفـةٍ متعاونـةٍ ، سـاقُها الصِّـدْقُ ، وأسـاسُها الحـبُّ والأخـوَّةُ ـ بعيـدًا

عـن أيِّ حزبيـةٍ أو تكتُّـلٍ أو تمحْوِرٍ ـ ومنطَلَقُهـا العمـلُ بأمـره تعالـى :

{... وَتَعَاوَنُـواْ عَلَى الْبـرِّ وَالتَّقْـوَى وَلاَ تَعَاوَنُـواْ عَلَـى الإِثْـمِ وَالْعُـدْوَانِ ...}.

سورة المائدة / آية : 2 .

والله الهـادي ـ وحـده ـ إلـى سـواءِ السَّـبيل .

فهنيئـًا لمـن وفَّقَـهُ اللهُ في عبادتـه لاتِّبـاع سـنة نبيـه

ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، ولـم يخالطهـا ببدعـةٍ ،



-32-

كلمـــة ذهبيـــة

=============

" اقتصـادٌ فـي سـنةٍ خيـرٌ مـن اجتهـادٍ فـي بدعـةٍ " .

هـذه الكلمـة الذهبيـة صحَّـت عـن غيـرِ واحـدٍ

مـن الصحابـةِ ـ رضي الله عنهم ـ ، منهـم :

أبـو الدرداء ، وعبـد الله بـن مسـعود .

ووردت أيضـًا عـن أُبَـيّ بـن كعـب ـ رضي الله عنه ـ

؛ كمـا فـي " الحُجَّـة فـي بيـان المحجـة " .

( 1 / 111 ) ؛ بلفـظ :

" وإن اقتصـادًا فـي سـبيلٍ وسُـنَّةٍ خيـرٌ مـن اجتهـادٍ فـي خـلافِ

سـبيلٍ وسُـنَّة ، فانظـرُوا أنْ يكـونَ عملُكـم

إنْ كـان اجتهـادًا أو اقتصـادًا أن يكـون ذلـك على

منهـاج الأنبيـاء وسـنتهم صلـوات الله عليهـم " .

رواه اللالكائي ..... .

وهـي كلمـة تعطـي منهاجـًا عظيمـًا للمسـلم الـذي يريـد

الاتبـاع الصحيـح فـي أعمالـه وأقوالـه الشـرعية .

وهـذه الكلمـة مأخـوذة مـن عـدة أحاديـث نبويـة صحيحـة منهـا :

قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم

: " إياكـم والغلـو فـي الديـن " . والغلـو مجـاوزة الحـد .

قـال ابـن عبـاس ، قـال لـي رسـولُ الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم

ـ غـداة العقبـة ، وهـو علـى راحلتـه :

" ..... ، وإياكـم والغلـو فـي الديـن ، فإنمـا أهلـك مـن كـان قبلكـمُ الغُلُـوُّ قـي الديـن " .

سنن النسائي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 24 ) ـ كتاب : مناسك الحج /

( 217 ) ـ باب : التقاط الحصى / حديث رقم : 3057 / ص : 471 .

ومنهـا قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :

" أحـبُّ الأعمـالِ إلـى الله أدومهـا وإن قــل " .

* فعـن عائشـة ، قالـت : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

" أحـبُّ الأعمـالِ إلـى الله تعالـى أدومهـا وإن قَـلَّ " .

صحيح مسلم . متون / ( 6 ) ـ كتاب : صلاة المسافرين وقصرها / ( 30 ) ـ باب : فضيلة

العمل الدائم من قيام الليل وغيره / حديث رقم : 218 ـ ( 783 ) / ص : 188 .

وغيرهـا مـن الأحاديـث .

وقـد طبـق الصحابـة ـ رضي الله عنهم ـ والتابعـون رحمهـم الله تعالـى

هـذه القاعـدة تطبيقـًا دقيقـًا ، فكانـوا جـد

حريصيـن علـى اتبـاع السـنة ولـو بقليـل عمـلٍ

، ومـن ثَـمَّ ابتعـدوا عـن البدعـة ابتعـادًا كثيـرًا ،

-33-

ونفـروا عنهـا ومنهـا ، ولـو توهَّـم متوهـمٌ أن فـي

هـذه البدعـة اجتهـادًا وزيـادة خيـر ؛ ـ تذكـر قـول ـ أبـي الأحـوص وهـو يقـول لنفسـه :

" يـا سـلام نَـمْ علـى سُـنَّةٍ ، خيـرٌ مـن أن تقـوم علـى بدعـة " .

علم أصول البدع / على حسن على عبد الحميد / ص : 56 / بتصرف .

" ألهمنـا الله وإياكُـم حُسـن المتابعـة ، وجنبنـا الهـوى والمخالفـة " . آميــــن .

* * * * *

-34-

فهــرس موضوعــات شــهر شعبــان

الموضــوع رقــم الصفحــة

ـ هـدي النبـي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنـد رؤيـة الهـلال 1

ـ مقـدمـــة 2

ـ حـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فـي شـعبان 4

ـ فضــل الصــوم

ـ دعـــوة للنجـــاة 8

ـ مـا ورد فـي ليلـة النصـف مـن شـعبان 9

ـ شــبهات والـرد عليهـا 11

ـ مسـائل تتعلـق بصيـام التطـوع 14

ـ تحويـل القبلــة 18

ـ البــدع وأقسـامها 24

ـ دفــع إشــكال 28

ـ طريـق الخـلاص مـن البـدع 30

ـ كلمــة ذهبيــة 32

ـ الفهــــرس 34

* * * * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق