بحث عن:

الاثنين، 6 يونيو 2011

السبيل لدراسة فقه إسلامي صحيح 2



المبحـــث الثالـــث

مصـــادر التشـــريع

تعريــف مصــادر التشــريع :



المـراد بمصـادر التشـريع :

الطـرق التـي تسـتفاد وتسـتنبط مـن خلالهـا حقائـق التشـريع الإسـلامي .

أقســام مصـــادر التشـــريع :

تنقسـم مصـادر التشـريع باعتبـار مـا اتُّفِـقَ عليـه ، ومـا لـم يُتَّفَـق عليـه ، وذلـك بيـن الأئمـة المعتبريـن ، إلـى ثلاثـة أقسـام :

* مـا اتفـــق عليــه أئمــة المســلمين :

الكتـــاب ، والســنة .

* مـا اتفــق عليــه جماهيــر العلمـــاء ـ بعــد الكتـاب والســنة ـ :

الإجمـــاع ، والقيـــاس .

* مـا اختلــف فيــه علمـــاء المســلمين :

قـول الصحابـي ، شـرع مَـنْ قَبْلَنـا ، الاسـتصحاب ، المصالـح المرسـلة ، العـرف ، سـد الذرائـع .

التأسيس في أصول الفقه ... / ص : 98 / بتصرف .

*****************

المصـــدر الأول : القـــرآن الكريــم

القـرآن الكريـم هـو المصـدر الأول للتشـريع ـ وهـو كـلام الله تعالـى ـ المُنَـزَّل علـى رسـولِهِ محمـد بـن عبـد الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، ليكـون هدايـة للعالميـن .

وأنـواع الأحكـام التـي جـاء بهـا القـرآن ثلاثـة :

أ ـ أحكـام اعتقاديـة : وهـي مـا تتعلـق بالإيمـان بالله وملائكتـه وكتبـه ورسـله ... .

ب ـ أحكـام خُلُقِيَّـة : وهـي مـا تتعلـق بأعمـال القلـوب والحـث علـى مكـارم الأخـلاق ... .

" إن بعـض الظـن إثـم " سورة الحجرات / آية : 12 ، " ويـل لكـل همـزة لمـزة " سورة الهُمزة / آية : 1 .

ج ـ أحكـام عمليـة : وهـي مـا تتعلـق بأفعـال الجـوارح مـن الأوامـر والنواهـي والتحذيـرات ... وهـذه مباحـث علـم الفقـه .

* دَلالــة القــرآن علـى الأحكــام :

=======================

لا خـلاف فـي أن القـرآن الكريـم هـو عمـدة الشـريعة وأصـل أدلتهـا ، وآيـات القـرآن جميعهـا قطيعـة الثبـوت ، ونَقْلهـا عـن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ نقـلاً متواتـرًا ، وقـد أجمـع المسـلمون علـى هـذا .

وأما آيـات القـرآن الكريـم مـن جهـة دَلالتهـا علـى مـا تضمنتـه مـن أحكـام ، فتنقسـم إلـى قسـمين :

الأول : آياتـه تـدل علـى قطعيـة الحكـم ، بحيـث لا يحتمـل تأويـلاً ، ولا مجـال لفهـم معنـى آخـر منه .

كمـا فـي قولـه تعالـى : { وَلَكُـمْ نِصْـفُ مَـا تَـرَكَ أَزْوَاجُكُـمْ إِن لَّـمْ يَكُـن لَّهُـنَّ وَلَـدٌ ... } .

سورة النساء / آية : 12 .

فدَلالـة الآيـة واضحـة لا تحتمـل تأويـلاً علـى أن الـزوج إذا ماتـت زوجتـه ، ولـم يكـن لهـا ولـد ، ذكـرًا أو أنثـى ، فلـه نصـف تركتهـا .

الثانــي : آياتـه دلالتهـا علـى الحكـم ليسـت قطعيـة ، وهـو كـل آيـة اشـتملت علـى لفـظ ، يحتمـل أكثـر مـن معنـى .

كمـا فـي قولـه تعالـى : { وَالْمُطَلَّقَـاتُ يَتَرَبَّصْـنَ بِأَنفُسِـهِنَّ ثَلاَثَـةَ قُـرُوَءٍ ... } .

سورة البقرة / آية : 228 0

فلفـظ " قـروء " جمـع قُـرْء ، والقُـرْءُ فـي اللغـة العربيـة يطلـق بمعنـى : الطُّهْـر ، ويطلـق بمعنـى الحيـض .

فمـن فسـر " القـروء " " بالحيضـات " كالأحنـاف والحنابلـة ، كـان المعنـى عندهـم :

علـى المطلقـات أن يمكثـن بعـد طلاقهـن مــدة ثـلاث حيضـات بـدون زواج ثـم بعـد ذلـك يتزوجـن إذا شـئن .

ومـن فسـر " القـروء " بمعنـى الطُّهـر ، كالمالكيـة والشـافعية ، كـان المعنـى عندهـم :

علـى المطلقـات أن يمكثـن بعـد طلاقهـنَّ مـدة ثلاثـة أطهـار ثـم بعـد ذلـك يتزوجـن إذا شـئن .

فلفـظ " القـروء " يحتمـل أن يـراد بـه الأطهـار ، ويحتمـل أن يـراد بـه الحيضـات ، فمـع هـذا الاحتمـال

تكـون دِلالـة الآيـة علـى الحكـم ظنيـة لا قطعيـة .

وهكـذا نـرى آيـات القـرآن الكريـم جميعهـا قطعيـة الثبـوت مـن جهـة نقلهـا عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ نقـلاً متواتـرًا كمـا أنزلهـا الله تعالـى علـى رسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عـن طريـق جبريـل ـ عليه السلام ـ .

وأمـا مـن جهـة دلالتهـا علـى مـا تضمنتـه مـن أحكـام ، فتـارة تكـون قطعيـة الدلالـة علـى الحكـم ، وهـذا هـو الأغلـب والأعـم ، وتـارة تكـون ظنيـة الدلالـة .

الوجيز في أصول الفقه / ص : 163 / بتصرف .

* * * * *

المُحْكَــــم و المُتَشَــابِه

فـــي

القـــــرآن

========

* معنــى " المُحْكَــم " :

ـ اللُّغويـون يسـتعملون مـادة الإِحكـام ( بكسـر الهمـز ) فـي معـانٍ متعـددة ، لكنهـا مـع تعددهـا ترجـع إلـى شـيءٍ واحـد ، هـو : " المنـع " ؛ فيقولـون :

أَحْكَـمَ الأمـر -----> أي أتقنـه ومنعـه عـن الفسـاد .

ويقولـون :

أحكـم الفـرس -----> أي جعـل لـه حَكَمَـةَ ، والْحَكَمَـة : مـا أحـاط بحنكـي الفـرس مـن لجامـه تمنعـه مـن الاضطـراب .

وقيــل :

" آتـاه الله الحكمـة " -----> أي : العـدل أو العلـم أو الحلـم أو النبـوة أو القـرآن ؛ لمـا فـي هـذه المذكـورات مـن الحوافـظ الأدبيـة الرادعـة عمـا لا يليـق .

مناهل العرفان في علوم القرآن / ج : 2 / ص : 289 .

ـ إحكـام الكـلام -----> إتقانـه بتمييـز الصـدق مـن الكـذب فـي أخبـاره ، والرشـد مـن الغـي فـي أوامـره . مباحث في علوم القرآن / ص : 215 .

* معنــى " المُتَشَــابِه " :

المتشـابه يَـرِد علـى معنييـن لُغَوييـن :

1 ـ إمـا مـن " الشُّـبْهَة " ----> وهـي الجهالـة وعـدم التمييـز .

فيكـون المتشـابه ضـد المحكـم 0

ـ كقولـه تعالــى : { قَالُـواْ ادْعُ لَنَـا رَبَّـكَ يُبَيّـِن لَّنَـا مَـا هِـيَ إِنَّ البَقَـرَ تَشَـابَهَ عَلَيْنَـا ... } .

سورة البقرة / آية : 70 0

تشـابه علينـا ----> أي اختلـط علينـا ، فـلا نميـزه ولا نعلـم نوعيـة المطلـوب .

ومنـه قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم مـن حديـث النعمـان بـن بشـير :

" إن الحـلال بَيِّـن ، وإن الحـرام بَيِّـن ، وبينهمـا مشـتبهات لا يعلمهـن كثيـر مـن النـاس ... " .

صحيح مسلم . متون / ( 22 ) ـ كتاب : المساقاة / ( 20 ) ـ باب : أخذ الحلال وترك الشبهات / حديث رقم : 1599 / ص : 408 .

2 ـ وإمـا مـن الشَّـبَه ----> وهـو : التماثـل فـي الأوصـاف .

كقولـه تعالـى : { ... وَأُتُـواْ بِـهِ مُتَشَـابِهاً ... } . سورة البقرة / آية : 25 .

متشـابهًا ----> أي يشـبه بعضـه بعضًـا فـي اللـون أو الطعـم أو الرائحـة أو الكمـال والجـودة 0

وكقولـه تعالـى : { ... تَشَـابَهَتْ قُلُوبُهُـمْ ... } . سورة البقرة / آية : 118 .

تشـابهت ----> أي يشـبه بعضهـا بعضًـا فـي الغـي والجهالـة .

مقالة للعثيمين بالتوحيد / ربيع أول 1422 .

* المُحْكَــم والمُتَشَـابِه فــي القــرآن :


ـ ورد فـي القـرآن ما يـدل علـى أنـه محكـم ؛ كقولـه تعالـى :

{ الَـر كِتَـابٌ أُحْكِمَـتْ آيَاتُـهُ ثُـمَّ فُصِّلَـتْ مِـن لَّـدُنْ حَكِيـمٍ خَبِيـرٍ } . سورة هود / آية : 1 .

ـ وورد أيضـاً مـا يـدل علـى أنـه متشـابه ؛ كقولـه تعالـى :

{ اللهُ نَـزَّلَ أَحْسَـنَ الْحَدِيـثِ كِتَابـاً مُّتَشَـابِهاً مَّثَانِـيَ تَقْشَـعِرُّ مِنْـهُ جُلُـودُ الَّذِيـنَ يَخْشَـوْنَ

رَبَّهُـمْ ... } . سورة الزمر / آية : 23 .

ـ وورد أيضـاً مـا يـدل علـى أن بعضـه محكـم ، وبعضـه متشـابه ؛ كقولـه تعالـى :

{ هُـوَ الَّـذِيَ أَنـزَلَ عَلَيْـكَ الْكِتَـابَ مِنْهُ آيَـاتٌ مُّحْكَمَـاتٌ هُـنَّ أُمُّ الْكِتَـابِ وَأُخَـرُ مُتَشَابِهَاتٌ ... }.

آل عمران / آية : 7 .

والسـؤال الـذي يطـرح نفسـه علـى الأذهـان :

س : كيـف يمكـن الجمـع بيـن هـذه الآيـات ؟ !

وقبـل الإجابـة علـى هـذا السـؤال ، نُـوِرد مقدمـة هامـة لفهـم المحكـم والمتشـابه :

إن الله عـز وجــل خاطبنـا بكـلام لـه معنـى ، فالقــرآن كــلام عربـي مكــون مـن ألفـاظ لهـا

معـان يسـتوعبها صاحـب اللسـان العربـي ، ولا يسـتوعبها الأعجمـي .

فـإذا قـال الله تعالـى :

{ لَقَـدْ رَضِـيَ اللهُ عَـنِ الْمُؤْمِنِيـنَ إِذْ يُبَايِعُونَـكَ تَحْـتَ الشَّـجَرَةِ ... } . سورة الفتح / آية : 18 .

عَلِـمَ صاحـب اللســان العربـي معنـى كلمـة " شــجرة " ، فـإن سـألتُهُ عـن شـكلها وكيفيتهـا ؟

فـإن كـان مِمَّـنْ بايـع مـع رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ تحتهــا ، ربمـا وصفهـا لـك وصفًـا

دقيقًـا لأنـه رأهـا بعينـه ، وإن لـم يكـن ـ منهـم ـ قـال : أنـا مـا رأيتهـا حتـى أصفهـا ، ولكنهـا شـجرة تبــدو فـي كيفيتهـا كأي شـجرة تنبـت فـي الصحـراء .

والحاصــل أنـه سـيصف كيفيـة الشـجرة مـن خـلال رؤيتهـا أو رؤيـة مثيلهـا .

فمعنـى لفـظ الشـجرة عنـد العربـي معلـوم واضـح محكـم ، يميـز بينـه وبيـن لفـظ البقـرة أو غيـره

مـن الألفـاظ .

لكـن لـو سـألنا " الأعجمـي " : مـا معنـى لفـظ " شـجرة " ، أو حتـى " بقــرة " ؟

عجـز عـن الجـواب لجهلـه بمعنـى الكـلام .

وإذا قـال تعالـى : { أَذَلِـكَ خيـرٌ نُـزُلاً أَم شَـجَرَةُ الزَّقُّـومِ } . سورة الصافات / آية : 62 .

علـم العربـي معنـى كلمـة شـجرة ، وأن المقصـود شجـرة معينـة تخـرج فـي أصـل الجحيـم ، أَعَـدَّها

اللهُ للكافريـن .

لكـن لـو سـألناه عـن شـكلها وكيفيتهـا ؟ ! لقــال : الله أعلـم ، فأنـا مـا رأيتهـا ، ومـا رأيـتُ لهـا مثيـلاً ، فكيـف أعـرف كيفهـا ؟ ! .

فأصبـح لفـظ " الشـجرة " محكمًـا لـه ، والكيفيـة التـي دل عليهـا اللفـظ مجهولـة أو غيـر معلومـة أو متشـابهة أو مختلطـة .

لكـن لو سـألنا " الأعجمـي " عـن معنـى لفـظ " شـجرة الزقـوم " ، لما تمكـن مـن الجـواب ؛ لأن المعنـى ليـس محكمًـا لديـه ومشـتبه عليـه ، لا يعرفـه أصـلاً ، وكذلـك كيفيتهـا متشـابهة عليه من بـاب أولـى .

ـ نخلـص مـن هـذا أن :

التشـابه الواقـع فـي القـرآن نوعـان :

أحدهمـا : حقيقـي : وهو مـا لا يمكـن أن يعلمـه البشـر ، كحقائـق صفـات الله عـز وجـل ، فإننـا وإن كنـا نعلـم معانـي هـذه الصفـات ، لكننـا لا نـدرك حقائقهـا ، وكيفيتهـا لقولـه تعالـى :

{ ... وَلاَ يُحِيطُـونَ بِـهِ عِلْمـاً } . سورة طه / آية : 110 .

النـوع الثانـي : نسـبي : وهـو مـا يكـون مشـتبهًا علـى بعـض النـاس دون بعـض .

تفسير القرآن الكريم ( الفاتحة ـ البقرة ) / ج : 1 / ص : 49 .

وبنظـرة أوسـع وأشـمل فـإن القـرآن الكريـم يتنـوع باعتبـار الإحكـام والتشـابه إلـى :

1 ـ إحكـام عـام ، وتشـابه عـام .

2 ـ إحكـام خـاص ، وتشـابه خـاص .

وبـذا تتضـح لنـا إجابـة السـؤال السـالف الذكـر إجمـالاً ، وسـيأتي تفصيـل ذلـك .

* * * * *

أولاً : " الإحكــام العــام " و " التشـابه العــام "

Ø الإحكــام العــام فــي الكــلام :

=======================

هـو إتقانـه بتمييـز الصـدق مـن الكـذب فـي أخبـاره ، والرشـد مـن الغـي فـي أوامـره .

وقـد وصـف الله سـبحانه القـرآن كلـه بأنـه " محكـم " علـى هـذا المعنـى .

قـال تعالـى : { الَـر كِتَـابٌ أُحْكِمَـتْ آيَاتُـهُ ثُـمَّ فُصِّلَـتْ مِـن لَّـدُنْ حَكِيـمٍ خَبِيـرٍ }.

سورة هود / آية : 1 .

وقـال تعالـى : { الـر تِلْـكَ آيَـاتُ الْكِتَـابِ الْحَكِيـمِ } . سورة يونس / آية : 1 .

وقـال تعالـى : { وَإِنَّـهُ فِـي أُمِّ الْكِتَـابِ لَدَيْنَـا لَعَلِـيٌّ حَكِيـمٌ } . سورة الزخرف / آية : 4 .

Ø التشــابه العــام فــي الكــلام :

هـو تماثلـه وتناسـبه بحيـث يصـدقُ بعضـه بعضًـا .

وقـد وصـف الله سـبحانه القـرآن كلـه بأنـه متشـابه علـى هـذا المعنـى .

قـال تعالـى : { اللهُ نَـزَّلَ أَحْسَـنَ الْحَدِيـثِ كِتَابـاً مُّتَشَـابِهاً مَّثَانِـيَ تَقْشَـعِرُّ مِنْـهُ جُلُودُ الَّذِيـنَ يَخْشَـوْنَ رَبَّهُـمْ ثُـمَّ تَلِيـنُ جُلُودُهُـمْ وَقُلُوبُهُـمْ إِلَـى ذِكْـرِ اللهِ ذَلِـكَ هُـدَى اللهِ يَهْـدِي بِـهِ مَـنْ يَشَـاءُ وَمَـن يُضْلِـلْ اللهُ فَمَـا لَـهُ مِـنْ هَـادٍ } . سورة الزمر / آية : 23 .

فالمتشـابه فـي هـذه الآيــة باعتبــار تماثلـه فـي الحُسْـن ، وفـي الآيــة دليـل علـى أن جميـع آيـات القـرآن لها معـانٍ مُحْكَمَـة معلومـة تُؤثـر فـي المسـتمعين ؛ لأنه لا يُعْقَـل أنْ تَقْشَـعِرّ الجلـود وتليـن القلـوب مـن كـلام مشـتبه ليـس لـه معنـى فـي نفـس السـامع .

وكـل مـن المحكـم والمتشـابه بمعنـاه المطلـق ( العـام ) المتقـدم لا ينافـي الآخـر ، فالقـرآن كلـه محكـم بمعنـى الإتقـان ، وهـو متشـابه أي متماثـل يشـبه بعضـه بعضـًا مـن حيـث الإتقـان .

فـإن الكـلام المتقـن تتفـق معانيـه وإن اختلفـت ألفاظـه ، فإذا أمـر القـرآن بأمـر لـم يأمـر بنقيضـه فـي موضـع آخــر ، وإنمـا يأمـر بـه أو بنظيـره ، وكذلـك الشـأن فـي نواهيـه وأخبـاره فـلا تضـاد فيـه ولا اختـلاف .

قـال تعالـى : { أَفَـلاَ يَتَدَبَّــرُونَ الْقُــرْآنَ وَلَـوْ كَــانَ مِـنْ عِنـدِ غَيْــرِ اللهِ لَوَجَــدُواْ فِيـهِ

اخْتِلاَفـاً كَثِيـراً } . سورة النساء / آية : 82 .

مباحث في علوم القرآن / ص : 215 / بتصرف من مصادر أخرى .

==============

ثانيـًا : " الإحكــام الخــاص " و " التشــابه الخــاص "

الإحكـام الخـاص ----> هـو الوضـوح والظهـور فـي المعنـى .

التشـابه الخـاص ----> هـو خفـاء المعنـى أو الكيـف .

وهـذا القســم يتمثـل فـي قولـه تعالـى :

{ هُـوَ الَّـذِيَ أَنـزَلَ عَلَيْـكَ الْكِتَـابَ مِنْـهُ آيَـاتٌ مُّحْكَمَـاتٌ هُـنَّ أُمُّ الْكِتَـابِ وَأُخَـرُ مُتَشَـابِهَاتٌ فَأَمَّـا الَّذِيـنَ فـي قُلُوبِهِـمْ زَيْـغٌ فَيَتَّبِعُـونَ مَـا تَشَـابَهَ مِنْـهُ ابْتِغَـاء الْفِتْنَـةِ وَابْتِغَـاء تَأْوِيلِـهِ وَمَـا يَعْلَـمُ تَأْوِيلَـهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِـخُونَ فِـي الْعِلْـمِ يَقُولُـونَ آمَنَّـا بِـهِ كُـلٌّ مِّـنْ عِنـدِ رَبِّنَـا وَمَـا يَذَّكَّـرُ إِلاَّ أُوْلُـواْ الألْبَـابِ } .

سورة آل عمران / آية : 7 .

الإحكــام الخــاص

ويتمثـل فـي قولـه تعالـى : { ... مِنْـهُ آيَـاتٌ مُّحْكَمَـاتٌ ... } .

والإحكـام الـذي وصـف بـه سـبحانه ـ بعـض القـرآن هـو :

* قيــل :

الوضـوح والظهـور . بحيـث يكـون معنـاه واضحـًا بَيِّنـًا لا يشـتبه علـى أحـد .

وهـذا كثيـر فـي الأخبـار و الأحكـام .

ـ مثالـه فـي الأخبـار :

قولـه تعالـى : { شَـهْرُ رَمَضَـانَ الَّـذِيَ أُنـزِلَ فِيـهِ الْقُـرْآنُ ... } .

سورة البقرة / آية : 85 .

فكـل أحـد يعـرف شـهر رمضـان ، وكـل أحـد يعـرف القـرآن .

ـ ومثالـه فـي الأحكـام :

قولـه تعالـى : { ... وَبِالْوَالِدَيْـنِ إِحْسَـاناً ... } . سورة النساء / آية : 36 .

فكـل أحـد يعـرف والديـه ، وكـل أحـد يعـرف الإحسـان .

وقولـه تعالـى : { حُرِّمَـتْ عَلَيْكُـمُ الْمَيْتَـةُ وَالْـدَّمُ وَلَحْـمُ الْخِنْزِيـرِ وَمَا أُهِـلَّ لِغَيْـرِ اللهِ بِهِ ... } .

سورة المائدة / آية : 3 .

فكـل أحـد يعـرف معنـى : الميتـة ، والـدم ، ولحـم الخنزيـر ، ويعلـم حرمـة ذلـك .

* وقيــل :

الإحكـام : هـو الوضـوح والظهــور فـي معنـى الآيـات دون الكيفيـة التـي دلـت عليهـا ؛ لأن القـرآن

كلـه محكـم فـي معنـاه ، فهــو كــلام لـه معنـى ، وليـس كلامـًا أعجميـًّا أو ألغـازًا لا سـبيل إلـى

فهمهـا .

ولكـن مـن حيـث الكيـف فهنـاك آيـات محكمـات أي معلومـة الكيـف ، وأُخـر متشـابهات .

فمـا عاينـه الإنسـان مـن الكيفيـات التـي تتعلـق ببعـض الأحكـام ، والتي دلـت عليهـا ألفـاظ الآيـات ،

ككيفيـة أداء الصـلاة ، وأفعـال الحـج ، فهـذا محكـم المعنـى والكيفيـة .

أمـا الغيبيـات وحقائـق صفـات الله عـز وجـل ، فإننـا وإن كنـا نعلـم معانـي هـذه الصفـات ، لكننـا لا

نـدرك حقائقهـا ، وكيفيتهـا ؛ لقولـه تعالـى :

{ ... وَلاَ يُحِيطُـونَ بِـهِ عِلْمـاً } . سورة طه / آية : 110 .

وهـذا النـوع مـن المتشـابه لا يُسـأل عـن اسـتكشافه لتعـذر الوصـول إليـه .

تفسير القرآن الكريم / العثيمين / سورة البقرة / ج : 1 / ص : 49 .

التشــابه الخــاص

التشـابه مـن الشـبهة وهـي الجهالـة وعـدم المعرفـة والتمييـز ..... ويتمثـل فـي قولـه تعالـى :

{ ... وَأُخَـرُ مُتَشَـابِهَاتٌ ... } . سورة آل عمران / آية : 7 .

والتشـابه الـذي وصـف بـه الله بعـض آيـات القـرآن نوعـان :

ـ النـوع الأول : " التشــابه الحقيقـي " :

==========================

وهــو مـا لا يمكـن أن يعلمـه البشـر ، كالغيبيـات ، وكحقائـق صفـات الله عـز وجـل ، فإننـا وإن كنـا

نعلـم معانـي هـذه الصفــات ، لكننـا لا نــدرك حقائقهـا ، وكيفيتهـا ؛ لقولـه تعالــى :

{ ... وَلاَ يُحِيطُـونَ بِـهِ عِلْمـاً } . سورة طه / آية : 110 . ككيفيـة الاسـتواء فـي قولـه تعالـى : { الرَّحْمَـنُ عَلَـى الْعَـرْشِ اسْـتَوَى } . سورة طه / آية : 5 .

أو كيفيـة سـمعه وبصـره وتكليمـه وكيفيـة الأشـياء التـي فـي عالـم الغيـب ، فهـذا محكـم المعنـى

متشـابه فـي الكيفيـة تشـابه حقيقـي ، فـلا يدخـل فـي المتشـابه معانـي الآيـات التـي وصـف الله بهـا

نفسـه ، وإلا كانـت كلمـات جوفـاء بـلا معنـى ، تعالـى الله عـن ذلـك .

وعلـى ذلـك فجميــع آيـات الصفــات محكمـة المعنـى متشـابهة فـي الكيفيـة فقـط تشـابه حقيقـي ،

فجميـع آيـات الصفـات لهـا معنـى معلـوم عنـد الراسـخين فـي العلـم حسـب اجتهادهـم فـي تحصيلـه .

أمـا الكيـف فيفوضـون العلـم بـه لعـلام الغيـوب .

وهـذا النـوع مـن المتشـابه لا يُسـأل عـن اسـتكشافه لتعـذر الوصـول إليـه .

تفسير القرآن الكريم / سورة البقرة / ج : 1 / ص : 49 / بتصرف.

ـ النــوع الثانــي : " التشــابه النســبي " :

============================

وهـو الاشـتباه أي خفـاء المعنـى بحيـث يشـتبه على بعـض النــاس دون غيرهـم ، فيعلمـه الراسـخون

فـي العلـم دون غيرهـم ، وهـذا تشـابه نسـبي .

وهـذا النـوع يُسـأل عـن اسـتكشافه وبيانـه ؛ لإمكـان الوصـول إليـه .

وقـد انقسـم النـاس فـي ذلـك إلـى قسـمين :

القســم الأول :

الراسـخون فـي العلـم : ويقولـون : " آمنـا بـه كـل مـن عنـد ربنـا " .

وإذا كـان مـن عنـده ـ سـبحانه ـ فلـن يكــون فيـه اشـتباه يسـتلزم ضـلالاً أو تناقضـًا ، وَيَــردُّون

المتشـابه إلـى المحكـم فصـار مـآل المتشـابه إلـى الإحكـام .

القســم الثانــي :

أهـل الضـلال والزيـغ : وهـم يتبعـون المتشـابه ويجعلـوه مثـارًا للشـك والتشـكيك ، فَضَلُّـوا وأَضَلُّـوا .

وقـد يـؤدي هـذا التشـابه إلـى توهـم الواهـم :

ـ مـا لا يليـق بالله تعالـى .

ـ أو مـا لا يليـق بكتـابه .

ـ أو مـا لا يليـق برسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

ويفهـم العالـم الراسـخ فـي العلـم خـلاف ذلـك مـن المتشـابه .

@ فيمـا يتعلـق بالله تعالـى :

-----------------

# مثـال أول :

أن يتوهـم واهـم من قولـه تعالـى : { ... بَـلْ يَـدَاهُ مَبْسُـوطَتَانِ ... } . سورة المائدة / آية :64 .

أن لله يديـن مماثلتيـن لأيـدي المخلوقيـن .

نـرد هـذا المتشـابه إلـى المحكـم ليكـون الجميـع مُحْكَمـًا كالآتـي :

الراسـخون فـي العلـم يقولـون : إن لله تعالـى يديـن حقيقيتيـن علـى ما يليـق بجلالـه وعظمتـه ، لا تماثـلان أيـدي المخلوقيــن ، كمـا أن لـه ـ سـبحانه ـ ذاتـًا لا تماثـل ذوات المخلوقيـن ؛ لأن الله تعالـى يقـول : { ... لَيْـسَ كَمِثْلِـهِ شَـيْءٌ وَهُـوَ السَّـمِيعُ البَصِيـرُ } . سورة الشورى / آية : 11 .

فـردّوا المتشـابه الـذي هـو ----> " بَـلْ يَـدَاهُ مَبْسُـوطَتَانِ " الغيـر واضـح الدلالـة ، إلـى المحكـم الواضـح الدلالـة الـذي هـو ----> " لَيْـسَ كَمِثْلِـهِ شَـيْءٌ وَهُـوَ السَّـمِيعُ البَصِيـرُ " .

ليصيـر الجميـع محكمـًا واضـح الدلالـة .

# مثــال ثــان :

أن يتوهـم واهـم مـن قولـه تعالـى : { إِنَّـا نَحْـنُ نُحْيِـي الْمَوْتَـى ... } . سورة يس / آية : 12 .

ومـن قولـه تعالـى : { إِنَّـا نَحْـنُ نَزَّلْنَـا الذِّكْـرَ وَإِنّـَا لَـهُ لَحَافِظُـونَ } . سورة الحجر / آية : 9 . ونحوهمـا ممـا أضـاف الله فيـه الشـيء إلـى نفسـه بصفـة الجمـع .

ـ فاتبـع الضـال الـذي فـي قلبـه زيـغ هـذا المتشـابه وادَّعَـى تَعَـدُّد الآلهـة ، وتـرك المحكـم الـدال

علـى أن الله واحـد .

ـ وأمـا الراسـخون فـي العلـم فيحملـون الجمـع المتمثـل فـي لفظـة " نحـن " ، علـى التعظيـم لتعـدد صفـات الله وعظمهـا ، ويـردُّون هـذا المتشـابه إلى المحكـم فـي قولـه تعالـى :

{ وَإِلَهُكُـمْ إِلَـهٌ وَاحِـدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُـوَ ... } . سورة البقرة / آية : 163 .

@ فيمـا يتعلـق بكتـاب الله :

-----------------

# مثـال أول :

أن يتوهـم واهـم تناقـض القــرآن وتكذيـب بعضـه بعضـًا :

لقولـه تعالـى : { مَّا أَصَابَـكَ مِنْ حَسَـنَةٍ فَمِـنَ اللهِ وَمَا أَصَابَـكَ مِـن سَـيِّئَةٍ فَمِـن نَّفْسِـكَ ... } .

سورة النساء / آية : 79 .

ولقولـه تعالـى فـي موضـع آخـر :

{ ... وَإِن تُصِبْهُـمْ حَسَـنَةٌ يَقُولُـواْ هَـذِهِ مِـنْ عِنـدِ اللهِ وَإِن تُصِبْهُـمْ سَـيِّئَةٌ يَقُولـواْ هَـذِهِ مِنْ عِنـدِكَ قُـلْ كُـلًّ مِّـنْ عِنـدِ اللهِ ... } . سورة النساء / آية : 78 .

فـرد هــذا النـص المتشـابه ، ظاهــر التناقــض يُـرد إلـى المحكـم الواضـح الدلالـة ليكـون الجميـع محكمـًا كالآتـي :

الراسـخون فـي العلـم يقولـون : إن الحسـنة والسـيئة كلتاهمـا بتقديـر الله عـز وجـل ، لكن الحسـنة سـببها التفضـل مـن الله تعالـى علـى عبـاده ، أمـا السـيئة فسـببها فِعـل العبـد ؛ كمـا قـال تعالـى :

{ وَمَـا أَصَابَكُـم مِّـن مُّصِيبَـةٍ فَبِمَـا كَسَـبَتْ أَيْدِيكُـمْ وَيَعْفُـو عَـن كَثِيـرٍ } .

سورة الشورى / آية : 30 .

فإضافـة السـيئة إلـى العبـد مـن إضافـة الشـيء إلـى سـببه ، لا مـن إضافتـة إلـى مقـدِّرِهِ ، أمـا إضافـة الحسـنة والسـيئة إلـى الله تعالـى فمـن بـاب إضافـة الشـيء إلـى مُقَـدِّرِهِ ، وبهـذا يـزول مـا يُوهِـم الاختـلاف بيـن الآيتيـن لانفكـاك الجهـة .

تفسير سورة البقرة / محمد صالح بن عثيمين / ج : 1 / ص : 48 / بتصرف .

مثـــال آخـــر :

أن يتوهـم واهـم تناقـض القـرآن وتكذيـب بعضـه بعضًـا :

لقولـه تعالـى : { إِنّـَكَ لاَ تَهْـدِي مَـنْ أَحْبَبْـتَ ... } . سورة القصص / آية : 56 .

لقولـه تعالـى : { ... وَإِنَّـكَ لَتَهْـدِي إِلَـى صِـرَاطٍ مُّسْـتَقِيمٍ } . سورة الشورى / آية : 52 .

ففـي الآيتيـن موهـم تعـارض ، فيتبعـه مـن فـي قلبـه زيـغ ، ويظـن أن بينهمـا تناقضًـا وهـو النفـي

فـي الأولـى ، والإثبـات فـي الثانيـة .

وأمـا الراسـخون فـي العلـم فيقولـون :

لا تناقـض فـي الآيتيـن ، فالمـراد بالهدايــة فـي الآيــة الأولـى ----> هدايـة التوفيـق .

وهـذه لا يملكهـا إلا الله وحـده ، فـلا يملكهـا الرسـول ولا غيـره .

والمـراد بهـا فـي الآيـة الثانيـة ----> هدايـة الدَّلالـة .

وهـذه تكـون مـن الله تعالـى ؛ ومـن غيـره .

فتكـون مـن الرسـل وورثتهـم مـن العلمـاء الربانييـن .

@ فيمـا يتعلـق برسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى وآله وسلم ـ :

---------------------------------

قـد يتوهـم الواهـم مـا لا يليـق برسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

# مثـال ذلــك :

قولـه تعالـى لنبيــه ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : { فَـإِن كُنــتَ فِـي شَــكٍّ مِّمَّـا أَنزَلْنَـا إِلَيْــكَ

فَاسْـأَلِ الَّذِينَ يَقْـرَؤُونَ الْكِتَـابَ مِـن قَبْلِـكَ لَقَـدْ جَـاءكَ الْحَـقُّ مِـن رَّبّـِكَ فَـلاَ تَكُونَـنَّ مِـنَ

الْمُمْتَرِيـنَ } . سورة يونس/ آية : 94 .

ففـي الآيـة ما يوهـم وقـوع الشـك مـن النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فيمـا أُنــزِلَ إليـه ، فيتبعـه

مـن فـي قلبـه مـرض ؛ فيدَّعـي أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وقـع منـه ذلـك ، فيطعـن فـي رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

ونـرد هـذا المتشـابه إلـى المحكـم ليكـون الجميـع محكمـًا كالآتـي :

الراسـخون فـي العلـم يقولـون :

إن النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لـم يقــع منـه شَـكٌّ فيمـا أُنــزِلَ إليـه ، بـل هـو أعلـم النـاس

بالقـرآن ، وأقواهـم يقينـًا كمـا قـال الله تعالـى فـي نفـس السـورة : { قُــلْ يَـا أَيُّهَـا النَّـاسُ إِن

كُنتـُمْ فِـي شَـكٍّ مِّـن دِينـي فَـلاَ أَعْبُـدُ الَّذِيـنَ تَعْبُـدُونَ مِـن دُونِ اللهِ ... } .

سورة يونس / آية : 104 .

أي إن كنتـم فـي شـكٍّ ـ [ مـن دينـي ] ـ فأنـا علـى يقيـن منـه ، ولهـذا لا أعبـد الذيـن تعبـدون

مـن دون الله ، بـل أكفـر بهـم وأعبـد الله .

ولا يلـزم مـن قولـه تعالــى : " فَـإِن كُنـتَ فِـي شَـكٍّ مِّمَّـا أَنزَلْنَـا إِلَيْـكَ ... " . سورة يونس / آية :

( 94 ) ، أن يكـون الشـكُّ جائـزًا علـى الرســول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أو واقعــًا منـه ألا تـرى

قولـه تعالـى : { قُـلْ إِن كَـانَ لِلرَّحْمَـنِ وَلَـدٌ فَأَنَـا أَوَّلُ الْعَابِدِيـنَ } . سورة الزخرف / آية : 81 .

هـل يلـزم منـه أن يكـون الولـد جائـزًا علـى الله تعالـى أو حاصـلاً ؟ ! .

كـلا ؛ فهـذا لـم يكـن حاصـلاً ، ولا جائـزًا علـى اللهِ تعالـى ، لقولـه تعالـى : { وَمَـا يَنبَغِـي لِلرَّحْمَـنِ أَن يَتَّخِـذَ وَلَـداً * إِن كُـلُّ مَـن فِـي السَّـمَاوَاتِ وَلأَرْضِ إِلاَّ آتِـي الرَّحْمَـنِ عَبْـداً } .

سورة مريم / آية : 92 ، 93 .

ولا يلـزم مـن قولـه تعالـى : { ... فَـلاَ تَكُونَـنَّ مِـنَ الْمُمْتَرِيـنَ } .

سورة البقرة / آية : 147 ، سورة يونس / آية : 94 .

أن يكـون الامتــراء ـ ( أي الشـك ) ـ واقعــًا من الرســول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لأن النهــي عـن الشـيء قـد يوجـه إلـى مـن لـم يقـع منـه ، ألا تـرى قولَـهُ تعالـى :

{ وَلاَ يَصُدُّنّـَكَ عَــنْ آيَـاتِ اللهِ بَعْـدَ إِذْ أُنزِلَـتْ إِلَيْـكَ وَادْعُ إِلَـى رَبِّـكَ وَلاَ تَكُونَـنَّ مِـنَ الْمُشْـرِكِينَ }.

سورة القصص / آية : 87 .

ومـن المعلـوم أنهـم لـم يصـدُّوا النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عـن آيـات الله ، وأن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لـم يقـع منـه شـرك .

والغـرض مـن توجيـه النهـي إلـى مَـنْ لا يقـع منـه : التنديـد بِمَـنْ وقـع منهـم ، والتحذيـر مـن منهاجهـم ، وبهـذا يـزول الاشـتباه ، وظَـنّ مـا لا يليـق بالرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

تفسـير القـرآن الكريـم / العثيمين / سورة البقرة / ج : 1 / ص : 49 / بتصرف .

o فـائـــدة :

" إن كنـتَ فـي شـكٍّ " ؛ كمـا فـي لغـة العـرب : اسـتجازة العـرب قـول القائـل منهـم لابنـه " إن كنـتَ ابنـي فَبِرِّنـي " ، وهـو لا يشـك فـي أنـه ابنـه .

==============

منشــأ التشــابه وأقســامه وأمثلتــه

نعلـم ممـا سـبق أن منشـأ التشـابه إجمـالاً ، هـو خفـاء مـراد الشـارع مـن كلامـه ؛ أمـا تفصيـلاً

فنذكــر أن منـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى اللفــظ ، ومنـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى المعنـى ، ومنـه

مـا يرجـع خفـاؤه إلـى اللفـظ والمعنـى معـًا .

فالقســـم الأول :

وهـو ما كـان التشـابه فيـه راجعـًا إلـى خفـاء فـي اللفـظ وحـده : منـه " مفـرد " و " مركـب " .

§ والمفـرد قـد يكـون الخفـاء فيـه ناشـئًا : مـن جهـة " غرابتـه " ، أو مِـن جهـة " اشـتراكه " .

§ والمركـب قـد يكـون الخفـاء فيـه ناشـئًا : مـن جهـة " اختصـاره " ، أو مـن جهــة " بسـطه " ، أو

مـن جهـة " ترتيبـه " .

* مثـال التشـابه فـي " المفـرد " بسـبب غرابتـه ونــدرة اسـتعماله :

لفـظ " الأبّ " بتشـديد البـاء فـي قولـه سـبحانه : " وفاكهـةً وأبـًّا " [ سورة عبس / آية : 31 ] .

لفـظ مفـرد والخفـاء فيـه ناشـئ : مـن جهـة غرابتـه .

والأبّ هو ما تأكلـه البهائـم ؛ بدليـل قولـه بعـد ذلـك : " متاعـًا لكـم ولأنعامكـم " [ سورة عبس / آية : 32 ] .

* ومثـال التشـابه فـي " المفــرد " بسـبب اشـتراكه بيـن معـان عـدة :

لفـظ " اليميــن " فـي قولـه سـبحانه : " فـراغ عليهـم ضربـًا باليميـن " [ سورة الصافات / آية : 93 ] أي

فأقبـل إبراهيـم علـى أصنـام قومـه ضاربـًا لها باليميـن مـن يديـه لا بالشـمال ، أو ضاربـًا لهـا ضربـًا

شـديدًا بقـوة ؛ لأن اليميـن أقـوى الجارحتيـن ؛ أو ضاربـًا لهـا بسـبب اليميـن التـي حلفهـا ونَـوَّه بهـا

القـرآن إذ قـال : " وتـا الله لأكيـدنَّ أصنامكـم بعـدَ أن تولـوا مدبريـن " [ سورة الأنبياء / آية : 57 ] كـل ذلـك

جائـز ، ولفـظ اليميـن مشـترك بينهـا .

* ومثـال التشـابه فـي " المركــب " بسـبب اختصـاره :

قولـه تعالـى : { وَإِنْ خِفْتُـمْ أَلاَّ تُقْسِـطُواْ فِـي الْيَتَامَـى فَانكِحُـواْ مَـا طَـابَ لَكُـم مِّـنَ النِّسَـاء ... } .

سورة النساء / آية : 3 .

فـإن خفـاء المـراد فيـه ، جـاء من ناحيـة إيجـازه ؛ والأصـل : " وإن خفتـم ألا تقسـطوا فـي اليتامـى لو تزوجتموهـن ، فانكحـوا مـن غيرهـن ما طـاب لكـم مـن النسـاء " 0 ومعنـاه أنكـم إذا تحرجتـم مـن زواج اليتامـى مخافـة أن تظلموهـن ؛ فأمامكـم غيرهـن فتزوجــوا منهـن مـا طـاب لكـم مـن النسـاء مثنـى وثـلاث ورُبـاع .

* ومثـال التشـابه يقـع فـي " المركـب " بسـبب بسـطه والإطنـاب فيـه :

قولـه جلْـت حكمتـه : { ... لَيْـسَ كَمِثْلِـهِ شَـيْءٌ ... } .

[ سورة الشورى / آية 11 ] .

فـإن حـرف الكـاف لـو حـذف وقيــل " ليـس مثلـه شـيء " كـان أظهـر للسـامع مـن هـذا التركيـب الـذي ينحـل إلـى : " ليـس مثـل مثلـه شـيء " وفيـه مـن الدقـة ما يعلـو علـى كثيـر مـن الأفهـام .

ـ أقـوال العلمـاء فـي كـاف " كمثلـه " :

[ فـي قولـه تعالـى : " ليـس كمثلـه شـيء " : كلمـة " شـيء " هنـا نكـرة فـي سـياق النفـي ، فَتَعُـم كـل شـيء ؛ أي ليـس هنـاك شـيء أبـدًا مماثـلاً لله .

وقـد وقـع فـي ( الكـاف ) جـدل كبيـر بيـن العلمـاء ، لأن وجودهـا مـع " مثـل " مشـكلة ؛ إذ كـل منهمـا يـدل علـى التمثيـل ؛ فلـو قلـتَ : ليـس مثـل مثلـه شـيئًا ، فمعنـاه : أنـك أثبـت المثـل ونفيـتَ المماثلـة عـن هـذا المثـل ، وهـذا تناقـض ؛ لأنـك إذا نفيـتَ المماثلـة عـن المثـل لـم تثبـت وجـود

المثـل ، وهـذا يقتضـي التناقـض ظاهـرًا .

ولهـذا فقـد اختلـف العلمـاء فـي هـذه الكـاف .

* فمنهـم مـن قـال : إن الكـاف زائـدة ، فتقديـر الكـلام :

ليـس مثلـه شـيء .

* ومنهـم مـن قـال : إن " مثـل " هـي الزائـدة ، فتقديـر الكـلام :

ليـس كهـو شـيء .

فالزائـدة إحـدى هاتيـن الكلمتيـن ، ولاشـك أن القــول بزيـادة " الكــاف " أولـى مـن القــول بزيـادة

" المثـل " ؛ لأن زيـادة الحـروف كثيـرة فـي اللغـة العربيـة لكـن زيـادة الأسـماء قليلـة جـدًا فضـلاً

عـن كونـه موجـودًا أصـلاً .

ـ ثـم قـال الشـيخ العثيميـن ـ والـذي يظهـر لـي : أن هـذا مـن بـاب التوكيــد ، كأنـه عـز وجـل

كـرر الكلمـة مرتيـن لتكـرار نفـي المماثلـة ] .

[ شرح القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى / للشيخ محمد بن صالح العثيمين /

شرح القاعدة السادسة من قواعد الصفات / ص : 143 / باختصار ] .

* ومثـال التشـابه يقـع فـي " المركــب " لترتيبـه ونظمـه :

قولـه جـل ذكـره : " الحمـد للهِ الـذي أنـزل علـى عبـده الكتـابَ ولم يجعـل له عِوَجـًا * قَيِّمـًا

... " . [ سورة الكهف / آية : 1 ، 2 ] 0 فـإن الخفـاء هنـا جـاء مـن جهـة الترتيـب بيـن لفـظ " قَيِّمـًا " وما

قبلـه ، ولـو قيـل : " أنـزل على عبـده الكتـاب قَيِّمـًا ولم يجعـل له عِوَجـًا " لكـان أظهـر أيضـًا .

والقســم الثانـي :

وهـو مـا كـان التشــابه فيـه راجعـًا إلـى خفــاء المعنـى وحــده :

§ مثالــه :

كـل مـا جـاء فـي القــرآن الكريـم وصفـًا لله تعالـى ، أو لأهـوال القيامـة ، أو لنعيـم الجنـة وعـذاب

النـار ؛ فـإن العقــل البشـري لا يمكـن أن يحيـط بحقائــق صفـات الخالـق ، ولا بأهـوال القيامـة ، ولا

بنعيـم أهـل الجنـة وعـذاب أهـل النـار .

القســـم الثالــث :

وهـو ما كـان التشـابه فيـه راجعـًا إلـى اللفـظ والمعنـى معـًا :

§ مثالـه :

قولـه تعالـى : { يَسْـأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُـوْاْ الْبُيُـوتَ مِـن ظُهُورِهَـا ... } . سورة البقرة / آية : 189 .

فـإن مـن لا يعـرف عـادة العـرب فـي الجاهليـة ، لا يسـتطيع أن يفهـم هـذا النـصَّ الكريـم علـى وجهـه . وَرَدَ أن ناسـًا مـن الأنصـار كانـوا إذا أحرمـوا لم يدخـل أحـد منهـم حائطـًا ولا دارًا ولا فسـطاطًا مـن بـاب ؛ فـإن كـان مـن أهـل المَـدَرِ ( 1 ) نقــب نقبـًا فـي ظهـر بيتــه يدخـل ويخـرج منـه ، وإن كـان مـن أهـل الوبـر ( 2 ) خـرج مـن خلـف الخبـاء ، فنـزل قـول الله :

" وليـس البِـرُّ بـأن تأتـوا البيـوتَ مـن ظهورهـا ولكـنَّ البِــرَّ مـن اتَّقـى ، وأُتـوا البيـوت مـن أبوابهـا ، واتَّقـوا الله لعلكـم تفلحـون " .

( 1 ) أهـل المـدر : سـكان البيـوت المبنيـة ، خـلاف البـدو ، سـكان الخيـام .

( 2 ) أهـل الوبـر : أهـل الباديـة ؛ لأنهـم يتخـذون بيوتهـم مـن الوبـر.

فهـذا الخفـاء الـذي فـي الآيـة ، يرجـع إلـى اللفـظ بسـبب اختصـاره ؛ ولو بسـط لقيــل :

" وليـس البـر بـأن تأتـوا البيـوت مـن ظهورهـا إذا كنتـم محرميـن بحـج أو عمـرة " .

ويرجـع الخفـاء إلـى المعنـى أيضًـا ؛ لأن هـذا النـص علـى فـرض بسـطه كمـا رأيــت ، لابــد معـه مـن معرفـة عـادة العـرب فـي الجاهليـة وإلا لتعـذَّر فهمـه .

مناهل العرفان / ج : 2 / ص : 297 / بتصرف.

* * * * *

الخلاصــــة

المتشــابه



يرجـع خفـاؤه إلـى يرجـع خفـاؤه يرجـع خفـاؤه إلـى

اللفـظ فقـط إلـى المعنـى اللفـظ والمعنـى

فقـط معـًا

مفـرد مركـب

مثـل الغيبيـات مثـل قولـه تعالـى :

الخفـاء الخفـاء وحقائـق الصفـات " وليـس البـر بـأن تأتـوا

ناشـئٌ عـن ناشـئٌ عـن وغيـره . البيـوت مـن ظهورهـا ... " .

غرابتـه اشـتراكه

اختصـاره بسـطه ترتيبـه

* * * * *

الحكمــة فــي تنــوع القــرآن إلـى محكـم ومتشــابه

====================================

لـو كـان القـرآن كلـه محكمًـا لفاتـت الحكمـة مـن الاختبـار بـه تصديقًـا وعمـلاً لظهـور معنـاه ، وعـدم المجـال لتحريفــه والتمسـك بالمتشـابه ابتغــاء الفتنــة وابتغـاء تأويلـه ، ولـو كـان كلُّـه متشـابهًا لفـات كونـه بيانـًا ، وهـدى للنـاس ، ولمـا أمكـن العمـل بـه ، وبنـاء العقيــدة السـليمة عليـه ، ولكـن الله تعالـى بحكمتـه جعـل منه آيـات محكمـات ، يُرْجَـع إليهـن عنـد التشـابه ، وأُخَـر مشـابهات امتحانًـا للعبـاد ؛ ليتبيـن صـادق الإيمـان ممـن فـي قلبــه زيـغ ، فـإن صـادق الإيمـان يعلـم أن القـرآن كلـه مـن عنـد الله تعالـى ، ومـا كـان مـن عنـد الله فهـو حــق ، ولا يمكـن أن يكـون فيـه باطـل ، أو تناقـض لقولـه تعالـى :

{ لاَ يَأْتِيـهِ الْبَاطِـلُ مِـن بَيْـنِ يَدَيْـهِ وَلاَ مِـنْ خَلْفِـهِ تَنزِيـلٌ مِّـنْ حَكِيـمٍ حَمِيـدٍ } .

سورة فصلت / آية : 42 .

وأما مـن فـي قلبـه زيـغ فيتخـذ مـن المتشـابه سـبيلاً إلـى تحريـف المحكـم واتبـاع الهـوى فـي التشـكيك فـي الأخبـار والاسـتكبار عـن الأحكـام ، ولهـذا تجـد كثيـرًا مـن المنحرفيـن فـي العقائـد والأعمـال ، يحتجـون علـى انحرافهـم بهـذه الآيـات المتشـابهة .

تفسير القرآن الكريم للعثيمين / سورة البقرة / ج : 1 / ص : 51 .

# ومـن حِكَـم تنـوع القـرآن إلـى محكـم ومتشـابه :

نقـل السـيوطي عـن الكرمانـي فـي غرائبـه أنه قـال : " إن قيـل : ما الحكمـة فـي إنـزال المتشـابه ممـن أراد لعبـاده البيـان والهـدى ؟

قلنـا : إن كـان ( أي المتشـابه ) ممـا يمكـن علمـه فلـه فوائـد :

ـ منهـا الحـث للعلمـاء علـى النظـر الموجـب للعلـم بغوامضـه والبحـث عـن دقائقـه ، فـإن اسـتدعاء الهمـم لمعرفـة ذلـك مـن أعظـم القُـرَب .

ـ ومنهـا ظهــور التفاضــل وتفـاوت الدرجـات ؛ إذ لـو كـان محكمًـا لا يحتـاج إلـى تأويـل ونظــر لاسـتوت منـازل الخلـق ، ولـم يظهـر فضـل العالـم علـى غيـره .

وإنَ كـان ( أي المتشـابه ) ممـا لا يمكـن علمـه 0 ( بـأن اسـتأثر الله بـه ) ، فلـه فوائـد :

ـ منهـا ابتـلاء العبـاد بالوقـوف عنـده والتوقـف فيـه والتفويـض والتسـليم .

مناهل العرفان في علوم القرآن / ج : 2 / ص : 319 .

* * * * *

تســـاؤلات والـــرد عليهــا

س : هـل كـل مـن يتبـع المتشـابه يُحْكَـم عليـه بأنـه فـي قلبـه زيـغ ؟ !

ج : لا .

ـ إذا تـرك المسـلم النـص المحكــم وأخـذ بالنـص المتشـابه ، فإنـه ليـس علـى سـبيل الإطـلاق يُحكـم عليـه بأنـه مـن الذيـن يوصفـون بـأن فـي قلوبهـم زيـغ ، فقـد يكــون " المتشـابه " عنـده

" محكـم " وذلـك بعـد اجتهـاده وبحثـه وصدقـه فـي طلـب الحـق وفـي اتبـاع الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وهـذا أمـر يُوكَــل إلـى عَـلاَّم الغيـوب الـذي يعلـم مـا تخفـي الصـدور ، بـل قـد يكـون هـذا الشـخص عنـد الله مأجـورًا وإن أخطـأ .

ـ وأمـا إذا تـرك المسـلم النـص المحكــم وأخـذ بالنــص المتشـابه ، تَرَخُّصًـا واتباعـًا للهـوى أو المصلحـة أو غيـر ذلـك ـ بينمـا أمامـه النصـوص المحكمــة واضحـة الدَّلالـة ، فهـذا علـى خطـر عظيـم ، والله أعلـم بحالـه ، وقـد يُعَـدّ ممـن يوصـف بأنـه فـي قلبـه زيـغ .

******************

س : هـل المحكـم والمتشـابه يكـون فـي آيـات القـرآن الكريـم فقـط ؟ !

ج : لا .

المحكـم والمتشـابه قـد يكـون أيضًـا فـي الأحاديـث النبويـة .

# وأمثلـة ذلـك :

ـ نـوم ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ مـع النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وزوجتـه فـي فـراش واحـد .

فتتولـد شـبهة الاختـلاط ومـا إلـى ذلـك ، ثـم عنـد النظــر فـي الأحاديـث الـواردة فـي هـذا الأمـر نجـد أن هـذه الزوجـة هـي ميمونـة زوج النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهـي خالـة ابـن عبـاس . فيـزول الإشـكال .

سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / ج : 1 / أبواب قيام الليل / 317 ـ باب :

في صلاة الليل / أحاديث رقم : 1205 ، 1215 ، 1216 .

ـ تحديـث عائشـة ـ رضي الله عنها ـ لأحـد الصحابـة بأمـر شـخصي .

* فعـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ أن النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : قَبَّــلَ امـرأة مـن نسـائه ثـم خـرج إلـى الصـلاة ولـم يتوضـأ .

قـال عـروة : فقلـتُ لهـا : مـن هـي إلا أنـت ؟ فضحكـتْ .

سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / ج : 1 / ( 1 ) ـ كتاب : الطهارة / ( 69 ) ـ باب :

الوضوء من القُبْلَة / حديث رقم : 165 / ص : 36 0 صحيح .

هـذا المُـزَاح بيـن أم المؤمنيـن عائشـة ـ رضي الله عنها وهـذا الصحابـي يثيـر الشـبهات .

نـرد هـذا المتشـابه إلـى المحكــم . وذلـك بـأن نَكِـل حقائــق الأمــور إلـى الله ولا نشــك فـي

الصحابـة ، ولا نشـك فـي النصـوص التـي تحـرم الاختـلاط ، وبالتتبـع وجـد أن : عـروة هـو عـروة

ابـن الزبيـر وهـو ابـن أختهـا . فيـزول الإشـكال .

حاشية صحيح سنن أبي داود / ج : 1 / ص : 36 / بتصرف .

o فوائـــد :

ــــــــ

ـ إذا كان لدينـا نصـوص مُحكمـة وأخـرى متشـابهة ، وليـس لدينـا وسـيلة أو أي أدوات للترجيـح ، فعلينـا أن نتهـم أنفسـنا بعــدم الإلمـام بكـل النصــوص الخاصـة بهـذه المسـألة ، وألا نحيـد عـن المحكـم فـي هـذه المسـألة إلـى المتشـابه فيهـا .

ـ وعنـد تعـارض قـول أو فعـل النبـ.ي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مـع قـول أو فعـل غيـره ، فـلا يجـوز تـرك قـول أو فعـل النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لأحـد كائنًـا مـن كـان ، سـواء كـان صحابيًّـا جليـلاً أو عالمـًا جليـلاً . وهـذا هـو منهـج الصحابـة الكـرام .

* عـن صالـح بـن كيسـان عـن ابـن شـهاب أن سـالم بـن عبـد الله حدثـه أنـه سـمع رجـلاً مـن أهـل الشـام ، وهـو يسـأل عبـد الله بـن عمـر عـن التمتـع بالعمـرة إلـى الحـج ، فقـال عبـد الله بـن عمـر : هـي حـلال .

فقـال الشـامي : إن أبـاك قـد نهـى عنهـا .

قـال عبـد الله : أرأيـت إن كـان أبـي نهـى عنهـا ، وصنعهـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، أَمْــر أبـي يُتَّبَـع أم أمـر رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ؟ ! .

فقـال الرجـل : بـل أمـر رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

فقـال : لقـد صنعهـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

أخرجه الترمذي . وصححه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في كتابه : الجامع الصحيح مما ليس في

الصحيحين / ج : 5 / كتاب السنة / ص : 36 .

ـ فعنـد مـا نناقـش مسـألة : سـفر المـرأة مـع ذي محـرم منهـا :

نجـد أن هنـاك أحاديـث كثيـرة عـن الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ توجـب سـفر المــرأة مـع ذي

محـرم منهـا :

* عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ عـن النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " لا يحــل لامــرأة

تؤمـن بالله واليـوم الآخـر ، تسـافر مسـيرة يـومٍ وليلـةٍ إلا مـع ذي محـرم عليهـا " .

صحيح مسلم .0 متون / ( 15 ) ـ كتاب : الحج / ( 47 ) ـ باب : سفر المرأة مع محرم

إلى حج وغيره / حديث رقم : 421 ـ ( 1339 ) / ص : 331 .

ثـم نجـد أثـر عـن بعـض أمهـات المؤمنيـن أنهـن سـافرن بـدون محـرم .

فهـذا الأثـر مـن المتشـابهات التـي لا نعلـم ما وراءهـا مـن حقائـق ، فـلا نتهـم أحـد بعـدم الاتبـاع .

فهـذا فعـل صحابـه واجتهادهـم وهـم غيـر معصوميـن ولا نعلـم حقيقـة الأمـر ولا حجتهـم ، ونَكِـلُ أمـرَ الحكـم علـى فعلِهـم إلـى اللهِ ، وأما بالنسـبة لمـن بلغـه الأحاديـث الـواردة فـي تحريـم سـفر المـرأة بـدون محـرم ، وهـي نصـوص محكمـة وفـي أعلـى مراتـب الصحـة ، فعليـه تـرك العمـل بهـذه الآثــار المتشـابهة ، واتبـاع النصـوص المحكمـة ، ولا يحيـد عـن المحكـم إلـى المتشـابه .

* * * * *

المصــدر الثانــي : الســنة النبويــة المطهــرة

وهـي كـل مـا صـح عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مـن أقـوال وأفعـال وتقريـرات ، وتُحْمَـل علـى رتبتهـا مـن وجـوب أو نـدب أو إباحـة أو تحريـم أو كراهـة حسـب مـا يقتضيـه القـول أو الفعـل أو التقريـر 0 وخـرج بذلـك مـا صـدر عنـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم مـن الأمـور الدنيويـة والجِبِلِّيَِّـة التـي لا دخـل لهـا بالأمـور الدينيـة ، ولا صلـة لهـا بالوحـي .

التأسيس ... / ص : 129 .

· الســـنة القوليــة :

كقـول النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " إنمـا الأعمـال بالنيـات ... " .

صحيح البخاري . متون / حديث رقم : 1 / عن عمر .

· الســنة الفعليــة :

كأفعـال النبـي ـ صلى الله عليبه وعلى آله وسلم ـ التعبديـة فـي صلاتـه وحجـه .

فـأداؤه الصـلاة ، وأداؤه مناسـك الحـج ، ... سـنة فعليـة .

الوجيز في أصول الفقه / ص : 170 / بتصرف .

* فعـن عبـد الله بـن مالـك بـن بُحَيْنــة أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كـان إذا صلـى فَـرَّجَ بيـن يديـه حتـى يبـدو بيـاض إبطَيْـهِ .

صحيح البخاري . متون / ( 8 ) ـ كتاب : الصلاة / ( 57 ) ـ باب : يبدي

ضبعيه ويجافي في السجود / حديث رقم : 390 / ص : 54 .

* وعـن المغيـرة بن شـعبة قـال : وضـأتُ النبـيَّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فمسـح على خُفيـه وصلـى .

صحيح البخاري . متون / ( 8 ) ـ كتاب : الصلاة / ( 25 ) ـ باب : الصلاة في الخِفاف / حديث رقم : 388 / ص : 54 .

· الســنة التقريريــة :

كـأن يصـدر عن الصحابـة قـولاً أو فعـلاً فيقرهـم عليه صلـى الله عليـه وعلى آله وسلم ولا ينكره عليهـم . ـ سـأل رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ الجاريـة : " أيـن الله " ؟ قالـت : فـي السـماء فأقرهـا صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم .

* فعـن معاويـة بـن الحكـم ، قـال : ..... قـال صلـى الله عليـه وعلى آله وسـلم : " ائتنـي بهـا " فأتيتـه

بهـا 0 فقـال لها : " أيـن الله ؟ " . قالـت فـي السـماء 0 قـال : من أنـا ؟ " 0 قالـت أنـت رســولُ الله .

قـال : " أعتقهـا فإنهـا مؤمنـة " .

رواه مسلم . متون / ( 5 ) ـ كتاب : المساجد ومواضع الصلاة / ( 7 ) ـ باب : تحريم

الكلام في ... / حديث رقم : 537 / ص : 130 .

* عـن جابـر قـال :

" كنـا نعـزل والقـرآن ينـزل " .

زاد إسـحاق : قـال سُـفيان : لـو كـان شـيئًا يُنهَـى عنـه ، لنهانـا عنـه القـرآن .

صحيح البخاري . متون / حديث رقم : 4911 0 صحيح مسلم 0 متون / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح /

( 22 ) ـ باب : حكم العزل / حديث رقم : 136 ( 1440 ) / ص : 457 .

شرح الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 457 .

* عـن جابـر قـال : ... كنـا نعـزل علـى عهـد رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فبلـغ ذلـك نبـي الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فلـم ينهنـا .

صحيح مسلم . متون / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح / ( 22 ) ـ باب : حكم العزل /

حديث رقم : 138 ( 1440 ) / ص : 358 .

§ علاقــة الســـنة بالقــرآن الكريــم :

1ـ أنهـا تأتـي مُفَصِّلَـة ومُفَسِّـرَة لِمَـا جـاء مُجْمَـلاً مـن أحكـام فـي القـرآن الكريـم 0

فالصـلاة وردت فـي عشـرات الآيـات ، ولكـن لـم تُبَيَّـن لهـا كيفيـة ، وأوقـات ، وأركـان ، وسـنن ، وعـدد ركعـات كـل صـلاة ، ... فجـاءت السـنة بتوضيـح كـل ذلـك .

وكذلـك الزكـاة قـال تعالـى : { ... وَآتُـواْ الزَّكَـاةَ ... } . سورة البقرة / آية : 43 .

فـإن مقـدار الزكـاة الواجبـة مجهـول يحتـاج إلـى بيـان .

2 ـ وقـد تأتـي السـنة مُقَيِّـدة لمـا جـاء مطلقًـا فـي القـرآن .

مثـــال :

قـال تعالـى : { وَالسَّـارِقُ وَالسَّـارِقَةُ فَاقْطَعُـواْ أَيْدِيَهُمَـا ... } . سورة المائدة / آية : 38 .

فكلمـة " الأيـدي " فـي الآيـة وردت مطلقـة ، وكـان مقتضـى هـذا الإطـلاق أن تُقْطَـع يـد السـارق كلهـا عمـلاً بالإطـلاق ، ولكـن السـنة قيـدت هـذا الإطـلاق ، إذ وردت بأن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قطـع يـد السـارق مـن الرسـغ فيصـح تقييـد مطلـق الكتـاب بصحيـح السـنة .

الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 280 / بتصرف يسير .

* فعـن رجـاء بـن حيـوة عن عـدي بـن عـدي : " أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قطـع رجـلاً مـن

المفصـل " .

أخرجه ابن أبي شَيْبَة . قال الألباني إسناده مرسل جيد / إرواء الغليل ... / ج : 8 / باب : القطع في السرقة / ص : 28 .

قـال الشـيخ الألبانـي ـ رحمه الله ـ : وقـد وصلـه بعضهـم ، فأخرجـه البيهقـي ـ موصـولاً ـ .

فهـو صحيـح موصـول . انتهى بتصرف .

إرواء الغليل ... / ج : 8 / ص : 82 .

3ـ كمـا تأتـي السـنة مُخَصِّصَـة لمـا جـاء عامًّـا فـي القـرآن مـن أحكـام .

مثـــال :

قـال تعالـى : { يُوصِيكُـمُ اللهَ فِـي أَوْلاَدِكُـمْ لِلذَّكَـرِ مِثْـلُ حَـظِّ الأُنثَيَيْـنِ ... } .

سورة النساء / آية : 11 .

هـذا حكـم عـام ، فخصصـت السـنة هـذا الحكـم العـام ، بـأن قَصَـرَت الميـراث علـى مَـنْ لـم يعتـدِ علـى مُوَرِّثِـهِ بالقتـل ، فقـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " القاتـل لا يـرث " .

صحيح سنن ابن ماجه / ج : 2 / ( 21 ) ـ كتاب : الديات / ( 14 ) ـ باب : القاتل لا يرث / حديث رقم : 2211 / ص : 117 .

وكذلـك قَصـرت السـنة الميـراث علـى المسـلم فقـط حتـى ولـو كـان الكافـر ابنـًا مـن صلبـه .

* فعـن أسـامة بـن زيـد ـ رضي الله عنهما ـ أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " لا يـرثُ المسـلمُ الكافـر ، ولا الكافـرُ المسـلمَ " .

صحيح البخاري . متون / ( 85 ) ـ كتاب : الفرائض / ( 26 ) ـ باب :

لا يرث المسلم الكافر ... / حديث رقم : 6764 / ص : 788 .

4 ـ وقـد تأتـي السـنة بحكـم جديـد قياسـًا علـى حكـم ورد فـي القـرآن الكريـم ففـي سـورة النسـاء حـرم تعالـى الجمـع بيـن الأختيـن فـي النكـاح ، قـال تعالـى :

{ حُرِّمَـتْ عَلَيْكُـمْ أُمَّهَاتُكُـمْ ... } . سورة النساء / آية : 23 .

وورد بالسـنة تحريـم الجمـع بيـن العمـة وابنـة أخيهـا ، والخالـة وابنـة أختهـا 0 قياسـًا .

* عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : سـمعتُ رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقـول : " لا تُنكـحُ العمـةُ علـى بنـت الأخ ، ولا ابنـة الأخـت علـى الخالـة " .

صحيح مسلم . متون / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح / ( 4 ) ـ باب : تحريم الجمع بين المرأة

وعمتها أو خالتها في النكاح / حديث رقم : 35 ـ ( 1408 ) / ص : 346 .

* وعـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

" لا تُنكـح المـرأةُ علـى عمتهـا ولا علـى خالتهـا " .

صحيح مسلم . متون / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح / ( 4 ) ـ باب : تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو

خالتها في النكاح . تحريم الجمع بين المرأة ... / حديث رقم : 37 ـ ( 1408 ) / ص : 346 .

فالسـنة إذن لا غنـى عنهـا فـي تفسـير وتوضيـح ما جــاء مجمـلاً أو مطلقًـا أو عامًّـا فـي القــرآن الكريـم .

* * * * *

حفــظ الســنة مـن حفــظ القـــرآن

====

قـال تعالـى : { إِنَّـا نَحْـنُ نَزَّلْنَـا الذِّكْـرَ وَإِنَّـا لَـهُ لَحَافِظُـونَ } . سورة الحجر / آية : 9 .

الله عـز وجـل قـد يسَّـرَ لكتابـه مـن الدواعـي الملزمـة بحفظــه ، ومهـد لـه مـن الأسـباب القاضيـة بحراسـته ، مـع إحاطتـه بعنايتـه وإرادتـه مـا عصمـه الله بـه مـن الضيـاع والفقـد ، والزيــادة والنقـص ، والتحريـف والتبديـل .

والحقيقـة التـي تسـتعصي علـى الشـك والجـدل ، أن القـرآن الـذي تتلـوه أمـة محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ اليـوم ، هـو بلفظـه ومعنـاه ، بـل وبطريقـة أدائـه ونطقـه وترتيـب آياتـه وسـوره ، هـو القـرآن نفسـه الـذي كـان النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يتلـوه علـى أصحابـه سـواء بسـواءٍ كمـا جـاء بـه جبريـل ـ عليه السلام ـ مـن لـدن حكيـم حميـد .

أمـا السـنة النبويــة المطهـرة فهـي محفوظـة فـي جملتهـا بحفـظ الله عـز وجـل ، لـم يُضِـعْ منهـا شـيء ، ذلـك لأن إرادة الله سـبحانه وتعالـى حفـظ الذكــر تقتضـي أيضًـا حفـظ السـنة ، لأنهـا مبينـة لـه ، ففيهـا شـرح مقاصـده ، وتفصيـل مجملـه ، وتخصيـص عمومـه ، وتقييـد مطلقـه ، والدليـل علـى منسـوخه ، وتلـك حكمـة مـراده ، أن يكـون النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مبينًـا عـن ربـه ، شـارحًا لكتابـه .

قـال تعالـى : { ... وَأَنزَلْنَـا إِلَيْـكَ الذِّكْـرَ لِتُبَيِّـنَ لِلنَّـاسِ مَـا نُـزِّلَ إِلَيْهِـمْ وَلَعَلَّهُـمْ يَتَفَكَّـرُونَ } .

سورة النحل / آية : 44 .

فضيـاع السـنة إذن ـ بغيـر شـك ـ ضيـاع لجملـة مـن الديـن .

ولقـد حـاول بعـض المفسـدين لأسـباب مختلفـة ، أن يدسـوا فـي السـنة مـا ليـس منهـا ، فحدَّثـوا كذبًـا علـى رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وتقوَّلـوا عليـه مـا لـم يقـل ، فوضعـوا ألوفًـا مـن الأحاديـث المكذوبـة علـى لسـانه ، ولكـن شـاء الله تبـارك وتعالـى أن يحفـظ لهـذه الأمـة دينهـا ، فقيـض للسـنة رجـالاً أفـذاذًا مـن خيـرة المسـلمين دينًـا وأمانـة وكفـاءة ، فوضعـوا أدق المناهـج العلميـة وأعظـم القواعـد النقديـة التـي يتميـز بهـا الحديـث الصحيـح مـن غيـره ، ثـم عكـف هـؤلاء الأئمـة الأفـذاذ علـى جمـع الحديـث وطلـب أسـانيده ، وقامـوا بتدوينـه ، ونقـد رجالـه ، وتمحيـص متونـه ، وأقامـوا صرحـًا شـاهقًا مـن العلـوم والمؤلفـات الحديثيـة ، فألَّفـوا فـي صحيحـه ، وضعيفـه ، وعللـه ، ورجالـه ، وطبقـات رواتـه ، وسـائر فنونـه التـي تُيَسِّــر للباحـث التمييــز بيـن مـا يصـح نسـبته إلـى النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ومـا لا يصـح نسـبته إليـه .

والناظـر بعيـن الإنصـاف إلـى هـذه المؤلفـات الكثيـرة القيمـة ـ فـي فنـون الحديـث وعلومـه ـ يـدرك أنـه لـم يتوفـر لشـيء مـن الكتـب علـى وجـه الأرض بعـد كتــاب الله عــز وجـل مـا توفــر للسـنة النبويـة من منهـج دقيـق ، وتطبيـق واع ، وصـدقٍ بالـغ ، وإتقـان كامـل ، وحـرص شـديد على حفظهـا وصيانتهـا 0 ولا يفوتنـي عندئـذ أن أنبـه علـى ضـرورة أن يتحـرى المسـلمون فـي روايـة الحديـث والاسـتشـهاد بـه ، أو اسـتخدامه فـي الوعـظ والتعليـم ، وغيـر ذلـك ، فـلا يذكـروا علـى لسـان النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إلا مـا يسـتوثقون مـن قبولـه وعـدم رده ، ويتأكـدون مـن توثيـق أهـل العلـم لإسـناده .

مقدمة جامع الأحاديث القدسية / ج : 1 / ص : 10 0 إعداد عصام الدين الصبابطي .

============

مدلـــول كلمــة " ســنة "

ـ السـنة فـي اللغـة :

تطلـق ويـراد بهـا الطريقـة .

قـال تعالـى : { ... فَهَـلْ يَنظُـرُونَ إِلاَّ سُـنَّتَ الأَوَّلِيـنَ ... } . سورة فاطر / آية : 43 .

أي الطريقـة أو العـادة التـي جـرى عليهـا حكـم الله سـبحانه وتعالـى فـي المكذبيـن المخالفيـن للرسـل ،

فسـنة الله فيهــم أن يعاقبهـم ويأخذهـم بالعـذاب لمـا خالفـوا الرسـل .

* عـن أبـي سـعيد الخـدري قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " لتتبعُــنَّ سَـننَ الذيـن

مـن قبلكـم شـبرًا بشـبر ، ... " الحديـث 0

صحيح مسلم . متون / ( 47 ) ـ كتاب : العلم / ( 3 ) ـ باب : اتباع سنن اليهود والنصارى / حديث رقم : 2669 / ص : 678 .

" سـنن " يعنـي طـرق مـن كـان قبلكـم مـن الأمـم .

مكانة السنة في الإسلام / الفوزان / ص : 4 / بتصرف .

ـ السـنة فـي الاصطـلاح :

السـنة فـي اصطـلاح علمـاء الشـرع مـن محدثيـن وأصولييـن وفقهـاء يـراد بهـا هـدي النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وطريقتـه . فهـو عـام يشـمل الواجـب والمسـتحب والمكـروه والمحـرم ويشـمل العقائـد والعبـادات والمعامـلات والسـلوك .

ولهـذا كـان السـلف قديمـًا لا يطلقـون اسـم السـنة إلا علـى مـا يشـمل ذلـك كلـه .

وروي معنـى ذلـك عـن الحسـن والأوزاعـي والفُضَيـل بـن عيـاض .

تعظيم السنة وموقف السلف ... / ص : 18 ، 19 / بتصرف .

* فعـن أبـي وائـل عـن حذيفـة رأى رجـلاً لا يُتـمُّ ركوعَـهُ ولا سـجوده ، فلمـا قضـى صلاتَـهُ قـال لـه حذيفـة : مـا صليـتَ ، قـال : وأحسـبه قـال : لـو مُـتَّ مُـتَّ علـى غيـر سـنة محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

صحيح البخاري . متون / ( 8 ) ـ كتاب : الصلاة / ( 26 ) ـ باب : إذا لم يتم السجود / حديث رقم : 389 / ص : 54 .

* وعـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ قالـت : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " عشـر مـن الفطـرة ، قـص الشـارب ، وإعفـاء اللحيـة ، والسـواك ، واسـتنشـاق المـاء ، وقـص الأظفـار ، وغسـل البراجـم ، ونتـف الإبـط ، وحلـق العانـة ، وانتقـاص المـاء " .

قـال زكريْـاء : قـال مصعـب : ونسـيتُ العاشـرة إلا أن تكـون المضمضـة .

زاد قتيبْـة : قـال وكيـع : انتقـاص المـاء يعنـي الاسـتنجاء .

صحيح مسلم . متون / ( 2 ) ـ كتاب : الطهارة / ( 16 ) ـ باب : خصال الفطرة / حديث رقم : 261 / ص : 75 .

o فـائــدة :

ــــــــ

* زكريْـاء ، وقتيبـة ---> مـن رجـال السـند السـابق .

ـ والسـنة عنـد المتأخريـن قـد تطلـق علـى : المـرادف للمنـدوب والمسـتحب ، المقابـل للمكـروه .

وكذلـك قـد تطلـق علـى المقابـل للقـرآن 0 يُقـال : الدليـل مـن الكتـاب كـذا ، ومـن السـنة كـذا .

وقـد تُطلـق فـي مقابلـة البدعـة 0 كقولهـم فـلان علـى سـنة وفـلان علـى بدعـة .

أمـا إذا وردت فـي حديـث ، سـواء بلفـظ السـنة أو الفطـرة ، فـلا تـدل علـى المعنـى الاصطلاحـي ـ عنـد المتأخريـن ـ ولكـن بمعنـى الطريقـة .

التأسيس ... / ص : 130 / بتصرف .

* * * * *

مكانـــة الســنة

اهتمامنـا بالسـنة ليـس اهتمـام دراسـة فحسـب ولكـن اهتمـام اعتقــاد بالدرجــة الأولـى ، اهتمـام

منهـج ، كيـف تتجـه .

فالسـنة ليسـت فـرع مـن فـروع العلـم ، ولكنهـا أصـل هـذا الديـن مـع كتـاب الله تبـارك وتعالـى ،

فـلا تنفـك السـنة عـن القـرآن ، ولا ينفـك القـرآن عـن السـنة .

وكـل مسـلم لا يصـح إسـلامه إلا أن ينتمـيَ إلـى سـنة الرسـول الكريـم ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

فالشـهادتان ! هـل يصـح إسـلام أحـد بشـهادة أن لا إله إلا الله وحدهـا ؟ !

لا ، هنـاك شـهادة قرينــة مـع شـهادة أن لا إله إلا الله ، هـي : " أن محمـدًا رسـولُ الله " ، وهـذا يُلـزم

باتبـاع هـذا الرسـول الأمـي ، وأن يُتخـذ قـدوة كما نـص القـرآن الكريـم ، قـال تعالـى : { لَقَـدْ كَـانَ

لَكُـمْ فِي رَسُـولِ اللهِ أُسْـوَةٌ حَسَـنَةٌ لِّمَـن كَانَ يَرْجُـو اللهَ وَالْيَـوْمَ الآخِـرَ وَذَكَـرَ اللهَ كَثِيـراً } .

سورة الأحزاب / آية : 21 .

شرح صحيح مسلم / شريط رقم : ( 1 ) / الوجه الأول .

o تحذيـــر :

* عـن المِقْـدام بـن معـدي كَـرِبٍ ، عـن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أنـه قـال : ألا إنـي أوتيـت الكتـاب ومثلـه معـه ، ألا يوشـكُ رجـلٌ شـبعان علـى أريكتـه يقـول : عليكـم بهـذا القـرآن ، فمـا وجدتـم فيـه مـن حـلال فأحلُّـوه ، ومـا وجدتـم فيـه مـن حـرام فحرمـوه ، ألا لا يحـل لكـم لحـم الحمـار الأهلـي ، ولا كـلُّ ذي نـابٍ مـن السَّـبُع ، ولا لُقَطـةُ مُعاهِـد إلا أن يسـتغنيَ عنها صاحبُهـا ، ومـن نـزل بقـومٍ فعليهـم أن يَقْـروه ، فـإن لـم يَقْـروه فلـه أن يُعْقِبهـم بمثـل قِـراه " .

سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 34 ) ـ كتاب : السنة / ( 6 ) ـ باب :

لزوم السنة / حديث رقم : 4604 / ص : 831 . صحيح .

* قـال أبـو داود : حدثنـا أحمـد بـن حنبـل وعبـد الله بـن محمـد النفيلـي ، قـالا أخبرنـا سـفيان ، عـن أبـي النضـر ، عـن عُبيـد الله بن أبـي رافـع ، عـن أبيـه ، عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " لا أَلفَيـنَّ أحدكـم متكئًـا على أريكتـه ، يأتيـه الأمـرُ مـن أمـري ، مما أَمـرتُ بـه أو نَهيـتُ

عنـه ، فيقـول : لا نـدري ، مـا وجدنـا فـي كتـاب الله اتبعنـاه ! " .

سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 34 ) ـ أول كتاب السنة /

( 6 ) ـ باب : في لزوم السنة / حديث رقم : 4605 / ص : 831 / صحيح .

قـال تعالـى : { قُـلْ أَطِيعُـواْ اللهَ وَالرَّسُـولَ ... } . سورة آل عمران / آية : 32 .

* عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " تركـتُ فيكـم شـيئين ، لـن تضلـوا بعدهمـا : كتـاب الله ، وسـنتي ، ولـن يتفرقـا حتـى يـردا علـى الحـوض " 0

أخرجه الحاكم . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته ... /

الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 2937 / ص : 566 / صحيح .

فالسـنة كالقـرآن فـي تحليـل الطيبـات ، وتحريـم الخبائـث ، وَرَدّ حـرف صـحَّ عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كَـرَدّ حـرف مـن كـلام الله جـل وعـلا .

التأسيس ... / ص : 130 .

ولمـا كـان لهذيـن المصدريـن ـ الكتـاب والسـنة ـ هـذه المكانـة العاليـة والمقـام الرفيـع ، كـان واجبًـا علـى العقـلاء التحاكـم إليهمـا .

قـال تعالـى : { فَـلاَ وَرَبِّـكَ لاَ يُؤْمِنُـونَ حَتَّـىَ يُحَكِّمُـوكَ فِيمَـا شَـجَرَ بَيْنَهُـمْ ثُـمَّ لاَ يَجِـدُواْ فِـي أَنفُسِـهِمْ حَرَجـاً مِّمَّـا قَضَيْـتَ وَيُسَـلِّمُواْ تَسْـلِيماً } . سورة النساء / آية : 65 .

وقـال تعالـى : { وَمَـا كَـانَ لِمُؤْمِـنٍ وَلاَ مُؤْمِنَـةٍ إِذَا قَضَـى اللهُ وَرَسُـولُهُ أَمْـراً أَن يَكُـونَ لَهُـمُ الْخِيَـرَةُ مِـنْ أَمْرِهِـمْ وَمَـن يَعْـصِ اللهَ وَرَسُـولَهُ فَقَـدْ ضَـلَّ ضَـلاَلاً مُّبِينـاً } .

سورة الأحزاب / آية : 36 .

والعلمـاء قنـوات توصيـل لهـذا النبـع الصافـي ، وفـرق بيـن أن نتخذهـم قنـوات توصلنـا إلـى الكتـاب والسـنة ، وبيـن أن نتخذهـم أربابـًا مـن دون الله .

فـرق بيـن أن نجعـل قـول العالـم كالنـص مـن الكتـاب والسـنة وبيـن أن نقتفـي أثـر الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ونبحـث عـن الحـق مـن خـلال أقـوال العالـم .

شرح صحيح مسلم / شريط رقم : 1 .

وقـد توعـد الله سـبحانه الذيـن يخالفـون سـنة النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فقـال :

{ ... وَمَـا آتَاكُـمُ الرَّسُـولُ فَخُـذُوهُ وَمَـا نَهَاكُـمْ عَنْـهُ فَانتَهُـوا وَاتَّقُـوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَـدِيدُ الْعِقَـابِ }. سورة الحشر / آية : 7 .

فـدل علـى أن مـن خالـف سـنة الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فيمـا أمـر بـه أو نهـى عنـه ؛ أنـه مُعَـرَّض لعقـاب الله عـز وجـل .

وقال تعالـى : { فَـإِن لَّـمْ يَسْـتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَـمْ أَنَّمَـا يَتَّبِعُـونَ أَهْوَاءهُـمْ ... }.

سورة القصص / آية : 50 .

* عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ أن رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال :

" كـل أمتـي يدخلـون الجنـة إلا مـن أبـى " 0 قالـوا : يـا رسـول الله ومـن يأبـى .

قـال : " مـن أطاعنـي دخـل الجنـة ومـن عصانـي فقـد أبـى " .

صحيح البخاري . متون / ( 96 ) ـ كتاب : الاعتصام بالكتاب والسنة / ( 2 ) ـ باب : الاقتداء

بسنن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم / حديث رقم : 7280 / ص : 845 .

فلنحـذر عاقبـة مخالفـة أمـر الله ورسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

قــال الإمـام مسـلم : حدثنــا أبـو بكـر بـن أبـي شَـيْبَةَ ، قـال حدثنــا زيـد بـن الْحُبَــابِ عـن

عِكرمـة ابـن عمَّـار ، قــال حدثنـي إيـاسُ بـنُ سـلمة بـن الأكـوع ؛ أن أبــاه حدثـهُ ؛ أن رجـلاً

أكـل عنـد رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بشـماله ، فقـال ـ صلـى الله عليه وعلى آله وسـلم ـ :

" كُـلْ بيمينـك " . قـال : لا أسـتطيع . قـال : " لا اسـتطعت " . مـا منعـه إلا الْكِبْـرُ 0 قـال : فمـا رفعهـا

إلـى فيـه " .

صحيح مسلم . متون / ( 36 ) ـ كتاب : الأشربة / ( 13 ) ـ باب : آداب

الطعام والشراب وأحكامهما / حديث رقم : 2021 / ص : 528 .

فهـذه عقوبـة عاجلـة ـ والعيـاذ بالله ـ فهـذا دليــل علـى أن مـن خالـف سـنة الرسـول ـ صلى الله عليه

وعلى آله وسلم ـ تكبـرًا أنـه مُعَـرَّض للعقوبـة والعيـاذ بالله .

وعلـى النقيـض الحديـث الآتـي :

* عـن عبـد الله بـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ ؛ أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ رأى خاتمًـا مـن

ذهـب في يـد رجـل 0 فنزعـه فطرحـه وقـال :

" يعمـد أحدكـم إلـى جمـرة مـن نـار فيجعلُهـا فـي يـده " .

فقيـل للرجـل ، بعـد ما ذهـب رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ خـذ خاتمـك انتفـع بـه 0 قـال : لا .

والله ! لا آخـذه أبـدًا وقـد طرحـه رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

صحيح مسلم . متون / ( 37 ) ـ كتاب : اللباس والزينة / ( 11 ) ـ باب : تحريم خاتم

الذهب على الرجال ، ونسخ ... / حديث رقم : 2090 / ص : 547 .

فانظـر الفـرق بيـن الرجليـن فـي الامتثـال .

فالأول يقـول : لا أسـتطيع تكبـرًا ، والعيـاذ بالله .

وهـذا قــال : والله لا آخــذ هـذا الخاتـم وقـد طرحـه رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فهـذا

الإيمـان ، وهـذا الامتثـال العظيـم .

مكانة السنة في الإسلام / الفوزان / ص : 17 / بتصرف .

==============

وصيـــة الرســول

صلى الله عليه وعلى آله وسلم

* عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

" تركـت فيكـم شـيئين ، لـن تضلـوا بعدهمـا : كتـاب الله ، وسـنتي ، ولـن يتفرقـا حتـى يـردا علـيَّ الحـوضَ " .

أخرجه الحاكم . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته ... /

الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 2937 / ص : 566 .

* قـال أبـو داود : حدثنـا أحمـد بـن حنبـل ، قـال : حدثنـا الوليـد بـن مسـلم ، قـال : حدثنـا ثَـور بـن يزيـد ، قـال : حدثنـي خالـد بـن مَعـدان ، قـال : حدثنـي عبـد الرحمـن بـن عمـرو السُّـلَمـي وحُجْـر ابـن حُجْـر ، قـالا : أتينـا العِرْبـاض بـن سـارية ، وهـو ممـن نـزل فيـه :

" وَلاَ عَلَـى الَّذِيـنَ إِذَا مَـا أَتَـوْكَ لِتَحْمِلَهُـم قُلْـتَ لاَ أَجِـدُ مَـا أَحْمِلُكُـم عَلَيْـهِ (1) " .

فسـلَّمنا ، وقلنـا : أتينـاك زائريـن وعائديـن ومقتبسـين .

فقـال العِربـاض :

صلـى بنـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ذات يـوم ، ثـم أقبـل علينـا ، فوعظنـا موعظـةً بليغـة ذرفـت منهـا العيـون ووجِلـت منهـا القلـوب .

قـال قائـل : يـا رسـول الله كـأن هـذه موعظـة مـودع ، فمـاذا تعهـد إلينـا ؟ .

فقـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :

" أوصيكـم بتقـوى الله والسـمع والطاعـة وإن عبـدًا حبشـيًّا ، فإنـه مـن يعـش منكـم بعـدي فسـيرى اختلافـًا كثيـرًا ، فعليكـم بسـنتي وسـنة الخلفـاء الراشـدين المهدييـن ، تمسـكوا بهـا وعَضـوا عليهـا بالنواجِـذ ، وإياكـم ومحدثـات الأمـور ، فـإن كـل محدثـة بدعـة ، وكـل بدعـة ضلالـة " .

سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 34 ) ـ كتاب : السنة /

( 6 ) ـ باب : في لزوم السنة / حديث رقم : 4607 / ص : 832 / صحيح .

***************

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) سـورة التوبـة / آيـة : 92 .

هديــة الشــيخ الألبانــي

رحمه الله

قـال الشـيخ الألبانـي ـ رحمه الله ـ :

... مـن البديهـي بعـد هـذا أن نقـول إن السـنة التـي لهـا هـذه الأهميـة فـي التشـريع ، إنمـا هـي السـنة الثابتـة عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بالطـرق العلميـة والأسـانيد الصحيحـة المعروفـة عنـد أهـل العلـم بالحديـث ورجالـه .

وليسـت هـي التـي فـي بطـون مختلـف الكتـب مـن التفسـير والفقـه والترغيـب والترهيـب والرقائـق والمواعـظ وغيرهـا ، فـإن فيهـا كثيـرًا مـن الأحاديـث الضعيفـة والمنكـرة والموضوعـة وبعضهـا ممـا يتبـرأ منـه الإسـلام ... .

وقبـل أن أنهـي كلمتـي هـذه أرى أنـه لابـد لـي مـن أن ألفـت انتبـاه الإخـوة الحاضريـن إلـى حديـث مشـهور (1) قَلَّمَـا يخلـو منـه كتـاب مـن كتــب أصـول الفقـه أو غيرهـم ، لضعفـه مـن حيـث إسـناده ، ولتعارضـه مـع مـا انتهينـا إليـه فـي هـذه الكلمـة مـن عـدم جـواز التفريـق فـي التشـريع بيـن الكتـاب والسـنة ـ الصحيحـة ـ ، ووجـوب الأخـذ بهمـا معـًا ألا وهـو : حديـث معـاذ .

* عـن أنـاس مـن أهـل حمـص مـن أصحـاب معــاذ بـن جبـل ، أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لمـا أراد أن يبعـث معـاذًا إلى اليمـن قـال :

" كيـف تقضـي إذا عـرض لـك قضـاء ؟ " . قـال : أقضـي بكتـاب الله .

قــال : " فـإن لـم تجــد فـي كتـاب الله ؟ " .

قـال : فبسـنة رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

قـال : " فـإن لـم تجـد فـي سـنة رســول الله ولا فـي كتـاب الله ؟ " . قـال : أجتهـد برأيـي ولا آلـو ، فضـرب رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ صـدره فقـال : " الحمـد لله الـذي وفـق رسـولَ رسـولِ الله لمـا يُرْضـي رسـولَ اللهِ " .

سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 18 ) ـ كتاب : القضاء / ( 11 ) ـ باب :

اجتهاد الرأي في القضاء / حديث رقم : 3592 / ص : 644 / وضعفه الألباني .

--------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) مشهور ---> أي مشهور بالمعنى اللُّغَوِي وليس بالمعنى الاصطلاحي ، والمقصود أنه مشهور على الألسنة و ... .

قـال الشـيخ الألبانـي ـ رحمه الله ـ :

أمـا ضعـف إسـناده : فـلا مجـال لبيانـه الآن .

وقـد بينـتُ ذلـك بيانـًا شـافيًا ربمـا لـم أُسـبق إليـه ، فـي : " سـلسـلة الأحاديـث الضعيفـة والموضوعـة وأثرهـا السـيئ علـى الأمـة " .

وحسـبي الآن أن أذكـر أن أميــر المؤمنيـن فـي الحديـث ، الإمـام البخــاري ـ رحمه الله ـ ، قـال فيـه : ( حديـث منكـر ) .

وبعـد هـذا ، يجـوز لـي أن أشـرع فـي بيـان التعـارض الـذي أشـرتُ إليـه فأقـول :

إن حديـث معـاذ هـذا يضـع للحاكـم منهجـًا فـي الحكـم ، علـى ثـلاث مراحـل ، لا يجـوز أن يبحـث عـن الحكـم فـي الـرأي إلا بعـد أن لا يجـده فـي السـنة ، ولا فـي السـنة إلا بعـد أن لا يجـده فـي القـرآن .

وهو بالنسـبة للـرأي (1) منهـج صحيـح لدى كافـة العلمـاء ، وكذلـك قالـوا : إذا ورد الأثر بَطُـل النظـر .

ولكنـه بالنسـبة للسـنة ليـس صحيحـًا ، لأن السـنة حاكمـة علـى كتـاب الله ومُبَيِّنـة لـه ، فيجـب أن يبحـث عـن الحكـم فـي السـنة ولـو ظـن وجـوده فـي الكتـاب لِمَـا ذكرنـا .

فليسـت السـنة مـع القـرآن ، كالـرأي مـع السـنة ، كـلا ! ثـم كـلا ! 0 بـل يجـب اعتبـار الكتـاب والسـنة مصـدرًا واحـدًا لا فصـل بينهمـا أبـدًا كمـا أشـار إلـى ذلـك قولـه ـ صلـى الله عليـه وعلى آله وسلـم ـ :

* عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " تركـت فيكـم شـيئين ، لـن تضلـوا بعدهمـا : كتـاب الله ، وسـنتي ولـن يتفرقـا حتـى يـردا علـيَّ الحـوضَ " .

أخرجه الحاكم / صحيح 0 صحيح الجامع الصغير وزيادته / الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 2937 / ص : 566 .

* وعـن المِقـدام بـن مَعْدِيكَـرِبٍ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

" ألا إنـي أوتيـت الكتـاب ومثلـه معـه ، ..... " .

سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 34 ) ـ أول كتاب السنة / ( 6 ) ـ باب :

في لزوم السنة / حديث رقم : 4604 / ص : 831 / صحيح .

رسـالة : منزلـة السـنة في الإسـلام / للشـيخ الألبانـي / بتصرف .

****************

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) بالنسبة للرأي منهج صحيح : أي لا يجوز الحكم بالرأي إلا بعد أن لا يجد الحكم في الكتاب ولا في السنة . وهذا منهج صحيح لدى كافة العلماء ، وكذلك قالوا : إذا ورد الأثر ( أي الدليل ) بطل النظر .

س : هـل يؤخـذ بالحديـث الضعيـف فـي فضائـل الأعمـال ؟

ج : يقـول المحـدِّث الشـيخ محمـد ناصـر الديـن الألبانـي فـي مقدمـة كتابـه : " غايـة المـرام فـي تخريـج أحاديـث الحـلال والحـرام " ص : 3 :

" ولئـن كـان بعـض النـاس يتسـاهلون فيذهبـون إلـى القـول بـأن الحديـث الضعيـف يُعمـل بـه فـي فضائـل الأعمـال ـ وهـو قـول مرجـوح عنـدي ، تبعًـا لكثيـر مـن كبـار أئمتـي ـ فـلا أحـد ـ منهـم ـ والحمـد لله يذهـب إلـى جـواز الاحتجـاج بالحديـث الضعيـف فـي الأحكـام الشـرعية ، بـل أجمعـوا علـى أنـه يجـب أن يكـون ـ الحديـث الـذي يحتـج بـه فـي الأحكـام الشـرعية ـ أن يكـون مـن قسـم المقبـول ، وأدنـاه الحسـن لغيـره ..... " . ا . هـ .

ـ وحتـى الذيـن أجـازوا العمـل بالحديـث الضعيـف فـي فضائـل الأعمـال ، وضعـوا شـروطًا قيـدوا بهـا هـذا ـ الجـواز . الطريق إلى الجنة / ص : 8 .

ـ والحقيقـة أن الـذي ينظـر فـي الأحاديـث الصحيحـة الـواردة فـي فضائـل الأعمـال ، يجـد أنهـا تغنـي عـن تلـك الضعيفـة ، ونسـد بذلـك بابـًا فتـح علينـا لسـنا بحاجـة إليـه ، فضـلاً عـن الوقـت الـذي يُضـاع فـي التمييــز ، هـل الحديـث الضعيـف المـروي فـي فضائـل الأعمـال مطابـق للشـروط أم لا .

الطريق إلى الجنة / ص : 9 .

ـ ثـم أن هـذا القـول ـ الـذي هـو : الأخـذ بالحديـث الضعيـف فـي فضائـل الأعمـال ـ يناقـض بعضَـهُ بعضـًا .

فمـن قـال بهـذا القـول ، ناقـض نفسـه عنـد التطبيـق ، وذلـك لعـدم تحديـد معنـى عبـارة " فضائـل الأعمـال " .

فمعنــى يؤخــذ بـه فـي فضائــل الأعمــال :

أنـه يؤخـذ بـه إن كانـت هـذه الأعمـال ثبتـت فضيلتهـا بحديـث صحيـح ، فـإذا جـاء حديـث ضعيـف ، أثبـت نفـس الفضيلـة التـي أثبتهـا الحديـث الصحيـح ، أُخِـذَ بالحديـث الضعيـف للاسـتشـهاد وإثبـات مـا أثبتـه الحديـث الصحيـح .

أمـا إن كانـت لـم تَثْبـت فضيلـة هـذه الأعمـال بحديـث صحيـح ، أي لـم تثبـت فضيلتهـا إلا بالحديـث الضعيـف ، فهـذا تشـريع ، والتشـريع بالحديـث الضعيـف لا يجـوز ولـو فـي أقـل مراتـب التشـريع التـي هـي مراتـب الاسـتحباب .

وَلْنَعْلَـمْ أن :

" الأصــل فـي الحديــث ســوء الظــن " .

أي الـراوي متهـم حتـى تثبـت براءتـه .

فمـا لـم يثبـت ضبطـه ، ومـا لا نعلـم إن كـان راويـه ثقـة أم غيـر ثقـة ، نتوقـف فيـه ، ولا يُقبـل ،

ولا يُحْتَـجُّ بـه حتـى يثبـت ضبطـه .

ولذلـك قـال ابـنُ مهـدي : " خصلتـانِ لا ينبغـي فيهمـا حُسْـنُ الظـن ، ... والحديـث " .

وليـس معنـى سـوء الظـن فـي الحديـث أن نحكـم عليـه بالضعـف ، أو علـى الـراوي أي حكـم دون بحـث وتثبـت ، ولكـن معنـى سـوء الظـن :

التوقـف عـن العمـل والاحتجـاج بهـذا الحديـث ، والتوقـف عـن الحكـم عليـه ، حتـى تثبـت صحتـه .

شرح الموقظة في علم الحديث وجه : ب / شريط رقم : 4 / بتصرف .

* * * * *

مقصـــد بعــض المصطلحــات الحديثيــة

============================

* المــراد بالسَّــبْعَة :

أحمـد ، والبخـاري ، ومسـلم ، وأبـو داود ، والترمـذي ، والنسـائي ، وابـن ماجـه .

* المــراد بالســتة :

أي أصحـاب الكتـب السـتة : وهـم : البخـاري ، ومسـلم ، وأبـو داود ، والترمـذي ، والنسـائي ، وابـن ماجـه .

* المــراد بالخمســة :

أحمـد ، وأبـو داود ، والترمـذي ، والنسـائي ، وابـن ماجـه .

* المــراد بالأربعــة :

أصحـاب السـنن الأربعـة وهـم :

أبـو داود ، والترمـذي ، والنسـائي ، وابـن ماجـه .

* المــراد بمتفــق عليــه :

البخـاري ومسـلم .

o قاعـــدة :

" لا مُشـاحة فـي الاصطـلاح " .

هـذه المقاصـد المذكـورة ، هـي الأصـل ، ولكـن يُرْجَـع لمقدمـة كـل كتـاب ، لمعرفـة مفتـاح الكتـاب ، أي مقاصـد المصطلحـات المسـتخدمة فـي الكتـاب .

* * * * *

رُتــب كتــب الســـنة

أولاً : رُتـب كتـب السـنة مـن حيـث اشـتراط الصحـة :

===================================

صحيـح البخـاري ، ثـم صحيـح مسـلم .

فهمـا أعلـى كتـب السـنة مـن حيـث اشـتراطهما الصحـة .

فهمـا أصـح الكتـب بعـد كتـاب الله عـز وجـل ، وقـد تلقـى العلمـاء كتابيهمـا بالقبـول ، واتفقـوا علـى أنهمـا أصـح الكتـب بعـد القـرآن الكريـم .

* قـال الإمـام النـووي ـ رحمه الله ـ فـي شـرحه لصحيـح مسـلم ( 1 / 14 ) :

" اتفـق العلمـاء رحمهـم الله علـى أن أصـح الكتـب بعـد القـرآن العزيـز : الصحيحـان البخـاري ومسـلم ، وتلقتهمـا الأمـة بالقبـول " . ا . هـ .

إلا أن بعـض العلمـاء انتقـدوا عليهمـا بعـض الأحـرف اليسـيرة كالدارقطنـي ، وأبـي علـي الغسـاني الجيانـي ، وأبـي مسـعود الدمشـقي ، وابـن عمـار الشـهيد .

وتصـدى للجـواب عمـا انتقـد عليهمـا جماعـة مـن العلمـاء ، كالنـووي فـي شـرح صحيـح مسـلم ، والحافـظ ابـن حجـر فـي " هَـدْي السـاري " ، و " فتـح البـاري " .

ومـن المعاصريـن : الشـيخ ربيـع بـن هـادي المدخلـي ، ولـه كتـاب جيـد فـي الـذب عـن " صحيـح مسـلم " سـماه : " بيـن الإماميـن مسـلم والدارقطنـي " .

تيسير علوم الحديث للمبتدئين ... / ص : 21 / بتصرف .

ـ قـال أبـو جعفـر محمـود بـن العقيلـي لمـا ألَّـف البخـاري كتـاب الصحيـح ، عرضـه علـى : أحمـد ابـن حنبـل ويحيـى بـن معيـن ، وعلـيّ بـن المدينـي وغيرهـم ، فاسـتحسـنوه وشـهدوا لـه بالصحـة إلا فـي أربعـة أحاديـث ، قـال العقيلـي ، والقـول فيهـا قـول البخـاري وهـي صحيحـة .

مقدمة فتح الباري ... / ص : 9 .

ثانيًــا : رُتــب كتـب السـنة مـن حيـث كثـرة الصحيـح وقلـة الضعيـف :

================================================

أعلاهـا رتبـة " سـنن النسـائي " ، ثـم " سـنن أبـي داود " ، ثـم " سـنن الترمـذي " ، ثـم " سـنن ابـن ماجـه " .

ثالثًــا : رُتـب كتـب السـنة مـن حيـث الاسـتفادة لطالـب العلـم :

==========================================

" جامـع الترمـذي " ، هـو أعلاهـا رتبـة ، فهـو كتـاب مفيـد جـدًّا للـدارس لمـا اشـتمل عليـه فهـو لا يقتصـر علـى إيـراد الحديـث ، بـل يحكـم عليـه فـي غالـب الأحيـان وإن كـان متسـاهلاً شـيئًا مـا فـي التصحيـح والتحسـين ، إلا إنـه مِمَّـنْ يُعْتمـد عليـه .

وهـو لا يكتفـي بذكـر الأحاديـث والحكـم عليهـا ، بـل يترجـم لهـا تراجـم مفيـدة .

فأصحـاب الكتـب السـتة كلهـم يترجمـون للأحاديـث عـدا الإمـام مسـلم .

معنـى يترجمـون (1) :

ذلـك التبويـب ، أي يقدمـون للبـاب بعنـوان يُفْصِـحُ عـن مقصودهـم ، أي لمـاذا أوردوا هـذه الأحاديـث فـي هـذا الموضـع .

والترمـذي لا يقتصـر علـى الحكـم علـى الأحاديـث ، والترجمـة لهـا ، بـل يذكـر فوائـد تتعلـق بالرجـال ، ويحكـم علـى السـند ، ويذكـر حالـة مـن فيـه .

وينقـل كذلـك أقـوال المشـهورين مـن أهـل العلـم فـي حكمهـم المسـتفاد مـن الحديـث مـن الناحيـة الفقهيـة فـي أغلـب الأحيـان .

شرح الباعث الحثيث ... / شريط رقم : 16 / بتصرف .

( 1 ) لمزيد من المعلومات عن مقاصد مصطلح " تراجم " ، يُرجع إلى بحث " قبسات من علم مصطلح الحديث " / ج : 1 / ص : 45 .

* * * * *

بعــض التحقيقــات لبعــض دواويــن الســنة

===============================

ـ سـنن أبـي داود :

تحقيـق الشـيخ : محمـد ناصـر الديـن الألبانـي .

ـ سـنن النسـائي :

تحقيـق الشـيخ : محمـد ناصـر الديـن الألبانـي .

ـ سـنن الترمـذي :

تحقيـق الشـيخ : محمـد ناصـر الديـن الألبانـي .

ـ سـنن ابـن ماجـه :

تحقيـق الشـيخ : محمـد ناصـر الديـن الألبانـي .

ـ مسـند أحمـد :

المسـند للإمـام أحمـد بـن حنبـل ، تحقيـق الشـيخين : أحمـد محمـد شـاكر ، وحمـزة أحمـد الزيـن .

o تحذيـــر :

ــــــــ

لابـد مـن تحـري التحقيـق قبـل التعامـل مـع سـنة رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ حتـى لا نقـع

تحـت الوعيـد :

* فعـن عامـر بـن الزبيـر ، عـن أبيـه قـال : قلـت للزبيـر ، مـا يمنعـك أن تحـدِّث عـن رسـول الله ـ

صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كمـا يحـدث عنـه أصحابُـك ؟ .

قـال : أمـا والله لقـد كـان لـي منـه وجـهٌ ومنزلـة ، ولكنـي سـمعته يقـول :

" مـن كـذَب علـيَّ متعمـدًا فليتبـوأ مقعـده مـن النـار " .

سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] . تحقيق الشيخ الألباني / ( 19 ) ـ كتاب : العلم / ( 4 ) ـ باب : في التشدد في الكذب

على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم / حديث رقم : 3651 / ص : 657 / صحيح .

* * * * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق