بحث عن:

السبت، 11 يونيو 2011

السبيل لدراسة فقه إسلامي صحيح 11ق


18 ـ وَتَرْجِــعُ الأَحْكَــامُ لليَقِيــنِ فَـلاَ يُزِيــلُ الشَّــكُّ لليَقِيِـــنِ

هـذه القاعـدة تشـير إلـى قاعـدة فقهيـة كليـة وهـي :

" اليقيـن لا يـزول بالشـك " .

( الأَحْكَــامُ ) : واحدهـا حُكـم وهـو فـي اللغـة : المنـع . تقـول : حكمـتُ الرجـل تحكيمًـا ، إذا منعتـه ممـا أراد ، قالـه الجوهـري فـي " الصِّحَـاح " .

والحكــم فـي الاصطـلاح هــو : إسـناد أمــر إلـى آخــر إيجابًـا أو سـلبًا 0 قالـه الجرجانـي فـي

" التعريفـات " ، ومثالـه فـي الإيجـاب : زيـد قائـم ، حيـث أثبـت القيــام لـزيـد 0 ومثـال السَّـلب : لـم يقـم زيـد ، حيـث نفيـت القيـام عـن زيـد (1) .

وقـد عَرَّفَـه الأصوليـون بأنـه خطــاب الله ـ تعالـى ـ المتعلـق بأفعـال المكلفيـن ؛ اقتضـاءً ـ أي طلبًــا ـ ، أو تخييـرًا ، أو وضعًـا (*) (2) .

( اليَقِيــنِ ) :

لغـة : العلـم وزوال الشـك . كـذا قـال الجوهـري (3) .

وقـال بعـض الأصوليـون : إن اليقيـن فـي اللغـة مأخـوذ مـن الاسـتقرار ، يُقـال : يقـن المـاء ، بمعنـى اسـتقر (4) .

وقيـل هـو الإدراك الجـازم الـذي لا تـردد فيـه (5) .

اصطلاحًـا : هـو حصـول الجـزم أو الظـن الغالـب بوقـوع الشـيء أو عـدم وقوعـه (3) .

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 61 .

( 2 ) الدرة المرضية شرح منظومة القواعد الفقهية / ص : 57 .

( * ) الحكم الوضعي : هو خطاب الشرع بجعل أمرٍ ما علامة على أمر آخر .

والأحكام الوضعية خمسة هي :

السبب ، والشرط ، والمانع ، والصحة ، والفساد . الواضح في ... / ص : 48 .

( 3 ) منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .

( 4 ) منظومة القواعد الفقهية / شرح : سعد بن ناصر الشثري .

( 5 ) منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .

وقيـل : اليقيـن فـي الاصطـلاح : طمأنينـة القلـب ، واسـتقرار العلـم فيـه (1) .

( الشَّــكُ ) :

لغـة : التـردد ؛ وهـو تجويـز أمريـن لا مزيـة لأحدهمـا علـى الآخـر (3) .

وقيــل يـراد بالشــك : التداخـل ؛ وذلك لأن الشـاك يتداخــل عنـده أمـران ، لا يسـتطيع الترجيـح بينهمـا (1) .

وقيـل الشـك هـو : مطلـق التـردد (2) .

اصطلاحًـا : هو اعتـدال النقيضيـن عنـد الإنسـان وتسـاويهما 0 قالـه الراغـب فـي " المفـردات " (4) .

وقيـل : يطلـق علـى مطلـق التـردد ، ويطلـق علـى الاحتمـال المتسـاوي الطرفيـن (2) .

ـ والمعنـى : أن الإنسـان إذا تحقـق مـن وجـود الشـيء ، ثم طـرأ عليـه الشـك فـي زوالـه ، فيرجـع إلـى الأصـل المتيقـنِ ، وهـو بقـاؤه واسـتمرارُه .

منظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : د 0 مصطفى كرامة مخدوم .

ولا تكـاد تلـك القاعـدة تخلـو مـن بـاب مـن أبـواب الفقـه ويـدل علـى صحـة هـذه القاعـدة عـدة أدلـة ترجـع إلـى الخبـر ، والإجمـاع ، والنظـر .

ü فأمـا الخبـر ، مـا رواه مسـلم فـي صحيحـه :

* فعـن سـعيد وعبَّـادِ بـنِ تميـمٍ ، عـن عمـهِ ، شُـكِيَ إلـى النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ الرجـلُ يُخيــلُ إليـه أنـه يجــدُ الشـيءَ فـي الصــلاةِ . قـال : " لا ينصـرف حتـى يسـمع صوتــًا ، أو يجـد

ريحـًا " .

صحيح مسلم . متون / ( 3 ) ـ كتاب : الحيض / ( 26 ) ـ باب : الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم

شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك / حديث رقم : 361 / ص : 93 .

ـ ففـي هـذا الخبـر : الحكـم ببقـاء الطهـارة وإن طـرأ الشـك ، لأن الطهـارة مُتيقَّـن منهـا ، وأمـا إذا

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) منظومة القواعد الفقهية / شرح : سعد بن ناصر الشثري .

( 2 ) منظومة القواعد الفقهية / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .

( 3 ) الدرة المرضية شرح منظومة القواعد الفقهية / ص : 57 .

( 4 ) مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 61 .

تُيقِّـن مـن الحـدث الموجـب نقـض الطهـارة ـ نُقِضَـت الطهـارة ـ .

وهـذا أصـل فـي كـل أمـر قـد ثبـت واسـتقر يقينـًا ، فإنـه لا يرفـع حكمـه بالشـك .

* وعـن أبـي سـعيد الخُـدري ، قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

" إذا شـك أحدكـم فـي صلاتـه فلـم يـدرِ كـم صلـى ؟ ثلاثـًا أم أربعـًا ؟ فليطـرح الشـكَّ ولْيبـنِ علـى مـا اسـتيقنَ ، ثـم يسـجدُ سـجدتين قبـل أن يُسَـلِّم " .

صحيح مسلم . متون / ( 5 ) ـ كتاب : المساجد ومواضع الصلاة / ( 19 ) ـ باب / حديث رقم : 571 / ص :137 .

مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 63 / بتصرف .

ü وأمـا الإجمـاع :

فحكــاه غيـر واحـد كالقرافـي ـ رحمه الله ـ فـي " الفــروق " ، وابـن دقيــق العيــد ـ رحمه الله ـ فـي

" إحكـام الإحكـام " .

مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 64 .

ü وأمـا النظـر :

فـلأن اليقيـن لا يغلبـه الشـك ألْبتـة ، حيـث إنـه قطـع بثبـوت الشـيء فـلا ينهـدم بالشـك .

مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 65 .

o فائـــدة :

ــــــــ

اعلـم وفقـك الله ـ أن قاعـدة : " اليقيـن لا يُـزال بالشـك " لهـا اعتبـار عنـد الاسـتدلال بالأدلـة ؛ إذ الأصـل فـي الألفـاظ أنهـا للحقيقـة ، وفـي الأوامـر أنهـا للوجـوب ، وفـي النواهـي أنهـا للتحريـم .

ولا يُخْــرَج بتلـك الأحكـام عـن أصولهـا الْمُتَيَقَنـة لاسـتدلال أو دليـل مشـكوك فيـه إمـا مـن جهــة

الثبـوت أو الدلالـة .

وقـد نبـه إلـى ذلـك العلائـي ـ رحمه الله ـ فـي كتابــه : " المجمـوع الْمُذْهـب " ، وقـال : " ومـن هـذا

الوجـه يمكـن رجـوع غالـب مسـائل الفقـه إلـى هـذه القاعـدة إمـا بنفسـها أو بدليلهـا " .

ومـن ثَـم يتبيـن أن القاعـدة الكليـة : " اليقيـن لا يـزال بالشـك " ، لهـا مـوردان (1) :

--------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) موردان : أي تطبق وتصب على شيئين .

الأول : الأدلـة الشـرعية ، عنـد إعمـال قاعـدة : " اسـتصحاب الأصـل " ، لأن الأصـل لـه حكـم اليقيـن .

الثانــي : أفعـال المكلَّـف ، عنـد اشـتباه أسـباب الحكـم عليـه 0 وهـذا المـورد هـو المقصـود أصالـةً مـن القاعـدة ، قالـه ابـن القيـم ـ رحمه الله ـ فـي : " بدائـع الفوائـد " .

وهـذا كلـه عندمـا يكـون للمشـكوك فيـه حـال قبـل الشـك ، فَتُسـتصحَب ولا ينتقـل عنهـا إلا بيقيـن ، وهـذا جـزم بـه الجمهـور ، ونـص عليـه ابـن القيـم فـي كتابـه السـابق .

قـال ابـن القيـم : فـي " بدائـع الفوائـد " : " ينبغـي أن يُعلـم أنـه ليـس فـي الشـريعة شـيء مشـكوك فيـه ألْبتـة ، وإنمـا يعـرض الشـك للمكلَّـف " . ا . هـ .

مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 66 .

أمثــلة تطبيقيــة علـى القاعـدة :

* إذا أكل الصائـم شـاكًّا في طلـوع الفجـر ، صح صومـه ، لأن الأصـل بقـاء الليـل حتى يتيقـن الفجـر .

أمـا إذا أكـل شـاكًّا فـي غـروب الشـمس ، لـم يصـح صومـه ، لأن الأصـل بقـاء النهـار ، فـلا يجـوز أن يأكـل مع الشـك ، وعليـه القضـاء ما لـم يعلـم أنـه أكـل بعـد الغـروب فـلا قضـاء عليـه حينئـذ .

* مـن شـك فـي حصـول الرضـاع بينـه وبيـن امـرأة أجنبيـة ، فيبـنِ علـى الأصـل المتيقَّـنِ ، وهـو كونُهـا أجنبيـة عنـه .

* مـن شـك فـي طـلاق امرأتـه ، فإنـه يبنـي علـى الأصـل المتيقـن ، وهـو بقـاء الزوجيـة .

منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .

* مـن أتـم صلاتَـهُ وفـرغ منهـا ، ثـم شـك فـي زيـادة أو نقـص ، فهـذا الشـك لا يؤثـر ، فصلاتـه

تامـة لأن الأصـل التمـام ، ثـم طـرأ شـك ، فـلا يُعـوَّل عليـه لكـن مـن شـك أثنــاء الصـلاة فهـذا لـه حكـم آخـر مفصـل بكتـب الفقـه .

منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : عبيد الجابري / بتصرف .

ـ ضابــط القاعــدة :

هـذا الحكـم وهـو الرجـوع إلـى اليقيـن وتقديمـه علـى الشـك ، صحيـحٌ متجـهٌ إن كـان المعـارِضُ للأصـل المتيقَّـنِ ، هـو الشـك ، بمعنـى " الاحتمـال المتسـاوي الطرفيـن " ، فَيُرَجَّـحُ احتمـال البقـاء علـى احتمـال الـزوال .

وأمـا إن كـان المعـارِضُ للأصـلِ المتيقَّـنِ هـو الظـن ، بمعنـى " الاحتمـال الراجـح " ، فيجـري فيـه

الخـلافُ المعـروف فـي تعـارض الأصـل والغالـب .

والأقـرب ترجيــح الغالـب بدليـل وجـوب العمــل بالنيـة الظنيـة ، كشـهادة الرجليـن مـع أن الأصــل

بـراءة الذمـم .

وبدليـل عمـل النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بخبـر المـرأة ... فـي الرضـاع مـع كونـه خبـر واحـدٍ لا يفيـد إلا الظـن ، فتـرك بـه الأصـل ، وهـو عـدم الرضـاع .

والأصـل والغالـب إن تعارضـا فقـدِّم الغالـبَ وهـو المرتضـى .

وهـذا مـن بـاب ترجيـح القيـاس علـى التمسـك بالبـراءة الأصليـة ، كمـا هـو مذهـب الجمهـور ؛ لأن الظـن المسـتفاد مـن القيـاس الصحيــح أقــوى مـن الظــن المسـتفاد مـن الاسـتصحاب ـ أي اسـتصحاب البـراءة الأصليـة ـ ، والحكـمُ المسْـتَصحَبُ ، وإن كـان يقينًـا فـي أصلـه إلا أنـه ظنـيٌّ مـن جهـة بقائـه واسـتمراره ، فرجعـت المسـألةُ إلـى تعـارض الظنـون .

وإن كانـت هنـاك فـروع مسـتثناةٌ مـن القاعـدةِ ، تُذْكَــرُ فـي المطـوَّلات ، ( كقواعــد ) ابـن رجــب ،

( وأشـباه ) السـيوطي .

منظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .

صحيح فقه السنة / ج : 2 / ص : 105 .

ـ قواعـد متفرعـة عـن هـذه القاعـدة :

* مـا ثبـت بيقيـن لا يرتفـع إلا بيقيـن .

* الأصـل بقـاء مـا كـان علـى مـا كـان .

والمعنـى : أن مـا ثبـت علـى حـال فـي الزمـن الماضـي ثبوتًـا أو نفيًّـا ، فإنـه علـى حالـه ولا يتغيـر مـا لـم يوجـد دليـل يغيـره ، لأن الاسـتصحاب فـي اللغـة : الملازمـة وعـدم المفارقـة .

* الأصـل بـراءة الذمـة :

وهـذا مأخــوذ مـن قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " البينــة علـى المدعـي ، واليميـن علـى المدعـى عليـه " .

سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 13 ) ـ كتاب : الأحكام عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ /

( 12 ) ـ باب : ما جاء في أن البينة على المدَّعِي واليمين على المدَّعَى عليه / حديث رقم : 1341 / ص : 316 / صحيح .

والمعنـى : القاعـدة المسـتمرة أن الإنسـان بـريء الذمـة مـن وجـود شـيء أو لزومـه ، وكونـه مشـغول الذمـة هـذا خـلاف الأصـل ، لأن المـرء يولـد خاليًـا مـن كـل ديـن أو التـزام أو مسـئولية ، وكـل شـغل لذمتـه بشـيء مـن الحقـوق إنمـا يطـرأ بأسـباب عارضـة بعـد الـولادة ، والأصـل فـي الأمـور العارضـة العـدم .

* الأصـل إضافـة الحـادث إلـى أقـرب أوقاتـه :

فلـو أن إنسـانًا اسـتيقظ مـن النــوم لمـا أراد أن يصلـي الظهــر وجـد فـي ثيابــه أثــر مَنِـيّ ـ

( للاحتـلام ) ـ فأشـكل عليـه هـل هـذا من نومـه بعـد صـلاة الفجـر فتكـون صـلاة الفجـر صحيحـة ؟ أم أنـه مـن الليـل فيلزمـه الاغتسـال ثـم إعـادة صـلاة الفجـر ؟ . نقـول : إذا لـم يتأكـد ولـم تقـم قرائـن ، فالأصـل إضافـة الحـال إلـى أقـرب أوقاتـه ، وعلـى هـذا نحكـم بأنـه مـن نومـه بعـد صـلاة الفجـر ، وبِنَـاءً علـى ذلـك نحكـم بصحـة صـلاة الفجـر .

منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .

19 ـ والأَصْـلُ فِـي مِيَاهِنَـا الطَّهَـارَةُ والأَرْضِ والثِّيَــابِ والحجــارة

( الأَصْـلُ ) : يُطلـق علـى معـانٍ متعـددة ، كالدليـلِ ، والراجـح ، والقاعـدة المسـتمرة ، والحالـة الأولـى المسـتصحَبةِ ، والمـراد هنـا الأخيـرُ .

لمـا كانـت الأحكــام ترجــع إلـى أصولهـا حتـى يتيقـن زوال الأصــل كمـا سـبق بيانـه ، لـذا احتيـج إلـى معرفـة أصــول أشـياء إذا شـك فيهـا رجــع إلـى أصولهـا ، وهـي أصـول تابعـة لقاعـدة ( اليقيـن لا يـزول بالشـك ) وتُمثـل جانـب اليقيــن منهـا ـ أي مـن القاعــدة ـ لـذا ذكرهـا

الناظـم عقــب هـذه القاعـدة .

منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .

الأربعـ

وذكـر المؤلـف فـي هـذه القاعـدة مجموعـة أصـول تحـت أصـل : ( الأصـل فـي الأعيـان أو فـي الأشـياء الطهـارة ) :

فقـال : والأصـل فـي مياهنـا الطهـارة والأرض والنبــات والحجـارة ، وذِكــر هـذه الأشـياء

ة لا

يـراد بـه التخصيـص والحصـر ، بـل المـراد التمثيـل ، وإلا فالأصـل فـي سـائر الأشـياء الطهـارة حتـى

يَثبـت خـلاف ذلـك بالدليـل أو القرينـة .

منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .

فالميـاه كلهـا : البحـار ، والأنهـار ، والآبـار ، والعيـون ، وجميـع مـا تحتـوي عليـه الأرض مـن :

التـراب ، والأحجـار ، والسـباخ (1) ، والرمـال ، والمعـادن ، والأشـجار ، وجميـع أصنـاف الملابـس ، كلهـا طاهـرة ، حتـى يتيقـن زوال أصلهـا بِطُـرُوء النجاسـة عليهـا .

ويخـرج مـن الملابـس المصنـوع مـن غيـر طاهـر ، كجلـود السـباع والكـلاب والخنازيـر .

رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 22 / بتصرف .

وهـذه القاعـدة مرتبـة علـى القاعـدة السـابقة ، ولكـن مـن تأمـل مـا ذكرنـاه سـابقًا مـن الفـرق بيـن القاعـدة الفقهيـة والضابـط الفقهـي ، يجـد أن هـذه القاعـدة أقـرب إلـى الضابـط الفقهـي منهـا إلـى القاعـدة الفقهيـة ، فهـي ضابـط فقهـي وليسـت قاعـدة فقهيـة .

معنــى ذلـك : أنـه لمـا تأصـل فـي الشـريعة أن الميــاه والثيـاب والأرض والحجــارة الأصـل فيهـا الطهــارة ، كـأن هـذا التأصيـل يـدل علـى أنـه هـو المتيقـن ، وعـدم طهــارة هـذه الأشـياء شـكٌّ يحتـاج إلـى دليـل ، فـلا يُصـار إليـه حتـى يأتـي دليـل يـدل علـى خـلاف الأصـل .

ففقـه هـذا الضابـط يسـد بـاب الوسـوسـة الـذي أُبتلـي بهـا كثيـر مـن النـاس ، فالأصـل فـي المـاء والأرض والثيـاب والحجـارة ؛ الطهـارة .

فبعـض النـاس يبنـي عبادتـه علـى أوهـام ويقـول هـذا مـن بـاب الاحتيـاط فـي العبـادة ، فنقـول : إن الأصـل فـي المـاء ـ مثـلاً ـ الطهـارة مـا لـم يتبيـن للإنسـان النجاسـة بقرينـة .

منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .

o أدلــة طهــارة هـذه المذكــورات :



* الأصـل فـي الميـاه الطهـارة لقولـه تعالـى :

{ ... وَأَنزَلْنَـا مِـنَ السَّـمَاءِ مَـاءً طَهُـوراً } . سورة الفرقان / آية : 48 .

* ..... سـمع أبـا هريـرة ـ رضي الله عنه ـ يقـول : جـاء رجـل إلـى رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فقـال : يـا رسـول الله ! إنَّـا نركـب البحــر ، ونحمـل معنـا القليـل مـن المـاء ، فـإن توضأنـا بـه عطشـنا ، أفنتوضـأ بمـاء البحـر ؟ . فقـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " هـو الطهـور مـاؤه ،

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) السباخ : هو رَوْث مأكول اللحم .

الحِـلّ ميتتـه " .

سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 1 ) ـ كتاب :

الطهارة / ( 38 ) ـ باب : الوضوء بماء البحر / حديث رقم : 386 / ص : 85 / صحيح .

فالمـاء مثـلاً الـذي لا نعلـم فيـه دليــلاً علـى طهارتـه ، ولا علـى نجاسـته ، فإننـا نحكـم بقاعــدة الأصـل .

* والأصـل كذلـك طهـارة الأرض لقولـه تعالـى :

{ ... فَلَـمْ تَجِـدُواْ مَـاءً فَتَيَمَّمُـواْ صَعِيـداً طَيِّبـاً ... } . سورة النساء / آية : 43 .

قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " فُضِّلْـتُ بأربـعٍ : جُعِلـتُ أنـا وأمتـي فـي الصـلاةِ كمـا تَصُـفُّ الملائكـةُ ، وجُعــل الصعيـدُ لـي وَضــوءًا وجُعِلَـتْ لـيَ الأرضُ مسـجدًا وطَهــورًا ، وأُحلَّـت لـيَ الغنائـم " .

رواه الطبراني عن أبي الدرداء . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ... /

الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 4219 / ص : 777 .

* والأصـل كذلـك طهـارة الحجـارة :

فعـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ قالـت : إن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " إذا ذهـب أحدكـم إلـى الغائـط فليذهـب معه بثلاثـة أحجـار يسـتطب ، فإنهـا تُجـزئ عنـه " .

سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 1 ) ـ كتاب : الطهارة / ( 21 ) ـ

باب : الاستنجاء بالأحجار / حديث رقم : 40 / ص : 13 / حسن .

ـي

ـ فالأصـل فـي هـذه الأشـياء الطهـارة فـلا يقـول قائـل : مـا دليلـك علـى طهـارة هـذا المـاء ، أو طهـارة هـذه الأرض ؟ .

فالأصـل فـي كـل هـذا الطهـارة . ولاً نخـرُج عـن الأصـل إلا بنـص أو بينـة 0 فـلا يقـول قائـل : هـذا المـاء مـا أدراك لعـل أحـد قـد بـال فيـه ، أو لعـل كلـب وَلَـغَ فيـه ، لعـل لعـل ... لا يصلـح ، بـل لعــل هـذه محتاجــة بينـة ، فأنـت مطالــب بإثبــات مـا ادعيتـه ببينــة وإلا فاسـتصحاب البــراءة الأصليـة (1) ، فالأصـل فـي كـل حـادثٍ عدمـه حتـى يتحقـق 0

منظومة القواعد الفقهية / شرح : سعد بن ناصر الشثري / بتصرف .

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) سبق الكلام عن البراءة الأصلية في : المبحث الثالث / المصدر السابع : الاستصحاب / ص : 108 .

20 ـ والأَصْـلُ فِـي الأَبْضَـاعِ واللحـومِ والنَّفْــسِ والأمـــوالِ للمَعْصُــومِ

21 ـ تَحْريمُهـا حَتـى يَجِـيءَ الحِــلُّ فَافْهَــمْ هَـــدَاكَ اللهُ مـا يُمَّـــلُّ

ـ هـذه القاعـدة عكـس القاعـدة السـابقة ، فالقاعـدة السـابقة ذُكـر ـ فيهـا ـ أن الأصـل فـي الميـاه والأرض والثيـاب والحجـارة ؛ الطهـارة حتـى يج

ء التحريـم ، أمـا هـذه فقـد ذكـر أن الأصـل فـي هـذه الأشـياء التحريـم حتـى يجـيء الحِـل .

بمعنـى أن المتيقــن أن هـذه الأشـياء محرمـة فـلا يجــوز اسـتعمالها حتـى يجـيء دليـل ناقـض يبيـح هـذه الأشـياء .

منظومة القواعد الفقهية / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .

فكمـا أن الأصـل فـي بعـض الأشـياء الحِـلّ ، كذلـك الأصــل فـي بعـض الأشـياء الأخـرى التحريـم . لـذا ذكـر المؤلـف فـي هذيـن البيتيـن أشـياء الأصـل فيهـا التحريـم حتـى يُتَيقـن الحِـلّ .

( الأبضــاع ) : جمـعٌ ، مفـرده بُضـعٌ ، ويُطلـق علـى الفــرج والجمـاع والتزويـج ، والمـراد هنـا : الأول ، وقيـل : الثانـي ، وبينهمـا تـلازم .

( الأمـوال ) : جمـعُ مـالٍ ، وهـو كـل ما يُنتفـعُ به ، سُـمِّي مـالاً ؛ لأن النفـوس تميـل إليـه طبعًـا (1) .

( المعصـوم ) : هـو المسـلمُ والذِّمـيُّ ، أُطلـق عليهمـا لفـظ ( المعصـوم ) لعصمـة دمهمـا ، وأموالهمـا شـرعًا ، وفـي هـذا التعبيـر إشـارة علـى أن منـاط الحكـم (2) هـو العِصْمَـةُ .

( مـا يُمَـلّ ) : أي : مـا يُملـى عليـك .

منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .

ـ ضابـط تطبيقــي :

مـن ضوابـط هـذه القاعـدة : إذا امتـزج ( أو اجتمـع ) التحليـل بالتحريـم ـ فـي هـذه المذكـورات ومـا كـان أصلـه التحريـم ـ غُلِّـب جانـب التحريـم علـى التحليـل فـإذا اختلطـت محرَّمـة بنسـب أو رضـاع بنسـوة محصـورات ، حـرم عليـه نكـاح إحداهـن مـادام لـم يتيقـن أيتهـن المحرَّمـة .

الدرة المرضية شرح منظومة ... / ص : 64 / بتصرف .

ـ فالأصـل فـي الأَبْضَـاع الحُرمـة ، فمـن اسـتباح بُضـع امـرأة فعليـه أن يخرجـه مـن هـذا الأصـل

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) طبعًا : أي بطبعها .

( 2 ) مناط الحكم : أي عِلة الحكم .

بيقيـن ، فالأصـل أنهـا حـرام عليـه حتـى يثبـت لـه بيقيـن أنهـا حِـل لـه ، وذلـك بأحـد سـببين : إمـا بالـزواج الصحيـح ( أي زواج لا يشـوبه أي مبطـلات مثـل الرضاعـة أو الانشـغال بـزوج آخــر ، ... ) ، وإمـا أن تكـون مِلْـك يمينـه بيقيـن ( مثــلاً لا يكـون وطأهـا أبيـه ... ) . فيكـون الأصــل هنـا فـي حقـه حِـل الـوطء لتوفـر أسـباب الحِـلّ بيقيـن ، وتصبـح القاعـدة حِـل الـوطء فـي أي وقـت ولا يحـرم ذلـك إلا بسـبب متيقـن لإخراجـه مـن هـذا الأصـل 0 فعندمـا يعـرض عـارض كالحيـض ، نقـول هـذا خـارج عـن الأصـل ، فيحـرم الـوطء ، وإذا زال العـارض عُدنـا إلـى الأصـل وهـو الحِـلّ .

دليــل ذلــك : قولـه تعالـى :

{ وَالَّذِيـنَ هُـمْ لِفُرُوجِهِـمْ حَافِظُــونَ * إِلاَّ عَلَـى أَزْوَاجِهِــمْ أوْ مَـا مَلَكَـتْ أَيْمَانُهُـمْ فَإِنَّهُـمْ غَيْـرُ مَلُومِيـنَ * فَمَـنِ ابْتَغَـى وَرَاء ذَلِـكَ فَأُوْلَئِـكَ هُـمُ الْعَـادُونَ } . سورة المؤمنون / آية : 5 ـ 7 .

ـ وكذلـك الأصـل فـي اللحـوم التحريـم : فالأصـل فـي الحيـوان المطعـوم التحريـم ، إلا مـا ذكـاه المسـلم أو الكتابـي ، فالأصـل فيما يذبحـه المسـلم أو الكتابـي الحِـل حتـى يثبـت خـلاف ذلـك بيقيـن .

قـال تعالـى : { ... وَطَعَـامُ الَّذِيـنَ أُوتُـواْ الْكِتَـابَ حِـلٌّ لَّكُـمْ وَطَعَامُكُـمْ حِـلُّ لَّهُـمْ ... } .

سورة المائدة / آية : 5 .

ولكـن مـن يعتقـد أنـه لا يحـل إلا اللحـم الـذي يذبحـه بيـده أو بيـد مـن يعـرف عقيدتـه وصلاحـه مـن المسـلمين ، فهـذا لا يصـح .

فمـا ذبحـه غيـر المسـلم أو غيـر الكتابـي فهـو محـرم ، ومـا صُعِـق ، أو خُنـق ، أو ... ، فهـو محـرم حتـى لـو كـان هـذا فعـل مسـلم أو كتابـي .

حُكـم اللحـوم المسـتوردة : إذا كانـت مـن بـلاد الكفـار والمجـوس ، فالأصـل فيهـا الحرمـة 0 أمـا إذا

كانـت مـن بـلاد المسـلمين أو أهـل الكتـاب ( اليهـود والنصـارى ) ويعـرف عنهـم أنهـم يذبحونهـا بالطريقـة الشـرعية ، فالأصـل فيهـا الحِـلّ ، أمـا إذا عُـرف عنهـم أنهـم يخنقونهـا ، أو يصعقونهـا أو أي طريقـة أخـرى غيـر الذبـح الشـرعي ، إذن فهـي غيـر مذكـاة ، وحكمهـا الحُرمـة علـى المسـلمين بشـرط أن يكـون هنـاك يقيـن وليـس مجـرد شـك فـي أنهـا غيـر مذكـاة .

شرح القواعد الفقهية ।

س : إذا شـك فـي توفـر شـروط الإباحـة فـي ذبيحـة المسـلم كالتسـمية 0 مـا حكـم الأكـل منهـا ؟ ! .

الجـــواب : لا يعتبـر ولا يُلتفَـت إلـى الشـك فـي وجـود الشـرط ، وإن كـان الأصـل فـي الشـروط عـدم وجودِهـا ، إلا أن هـذا الأصـلَ عارَضـه أصـلٌ آخـر ، وهـو كـون الأصـل فـي أفعـال المسـلمين

الصحـة ، ووقوعهـا علـى الوجـه الشـرعيِّ .

بالإضافـة إلـى معارضـة الغالـب ، وهـو وجـود الشـرط صحيحًـا .

* عـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ أن قومًـا قالـوا للنبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إن قومًـا يأتونـا باللحـم لا نـدري أَذُكِـرَ اسـمُ اللهِ عليـه أم لا ؟ . قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :

" سَـمُّـوا عليـه أنتـم وكلـوه " . قالـت : وكانـوا حديثـي عهـدٍ بالكفـر .

صحيح البخاري . متون / ( 72 ) ـ كتاب : الذبائح والصيد / ( 21 ) ـ باب : ذبيحة

الأعرابِ ونحوِهم / حديث رقم : 5507 / ص : 663 .

ويُسـتثنى مـن ذلـك بـاب الصيـد ، فـإذا وقــع الشـكُّ فـي الْمُبِيـح وهـو توفــر الشـروط ، فـلا يحــل الأكـل منـه .

* فعـن الشَّـعْبِي قـال : سـمعتُ عَـدي بـن حاتـم ـ رضي الله عنه ـ قـال : سـألتُ رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عـن المِعْـرَاض فقـال : " إذا أصبـتَ بحّـدِّه فكُـلْ ، فـإذا أصـابَ بِعَرْضِـهِ فَقَتَـلَ فإنـه وَقِيـذٌ فـلا تأكـل " . فقلـتُ : أُرْسِـلُ كلبـي ، قـال : " إذا أرسـلتَ كلبَـكَ وسـميتَ فكُـلْ " . قُلـتُ : فـإن أكَـلَ قـال : " فـلا تأكـل فإنـه لـم يُمْسِـكْ عليـكَ إنمـا أمسـكَ علـى نفسِـهِ " . قلـت أُرسِـلُ كلبـي فأجـدُ معـه كلبًـا آخَـرَ ، قـال : " لا تأكـل فإنـك إنمـا سـميتَ علـى كلبـك ولـم تُسـمّ علـى آخـر " .

صحيح البخاري . متون / ( 72 ) ـ كتاب : الذبائح والصيد / ( 2 ) ـ باب : صيد المِعْرَاضِ / حديث رقم : 5476 / ص : 660 .

فمنـع صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم الأكـل عنـد وجـود الشـكِّ فـي قاتلـه .

وعـن عـدِيّ بـنِ حاتـمٍ قـال : سـألتُ رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عـن الصيـد ؟ قـال : " إذا رميـتَ سـهمَكَ فَاذكـر اسـم اللهِ ، فـإن وجدْتَـهُ قـد قَتَـلَ فكُـلْ ، إلا أن تجِـدَهُ قـد وقـع في مـاءٍ ، فإنـك

لا تـدري ، المـاءُ قتلَـهُ أو سـهمُكَ " .

صحيح مسلم . متون / ( 34 ) ـ كتاب : الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان / ( 1 ) ـ باب : الصيد

بالكلاب المعلَّمة / حديث رقم : 7 ـ ( 1929 ) / ص : 505 .

فمنـع صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم الأكـل مـع الشـكِّ فـي شـرطه ، فلـو كـان الأصـل الإباحـة لمـا منـع مـن ذلـك .

وعلـى هـذا لـو ضـرب الإنسـان صيـدًا وأصـاب جناحـه ثـم وجـده قـد سـقط فـي مـاء ومـات ، الآن مـوت هـذا الصيـد محتمـل أنـه مِـن رميـه ، ويحتمـل أنـه قـد مـات غرقًـا ، فـلا يحـل ، لأنـه اجتمـع فيـه جانـب حظـر وجانـب إباحـة ، فيقـدم جانـب الحظـر . فعلـى هـذا اجتمـع سـبب مبيـح

وسـبب محـرِم ، فيقـدم السـبب المحـرم .

منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .

ـ وكذلـك الأصـل في المعصـوم ـ وهـو : المسـلم ، أو المعاهـد : ـ تحريـم دمـه ، ومالـه ، وعرضـه ،

فـلا تبـاح إلا بحـق ، فـإذا زال الأصـل ـ : إمـا بِـرِدَّةِ المسـلم ، أو زِنَـا المُحْصَـن ، أو قتـل نفـس ، أو نقـض المعاهـد العهـد ـ حـل : لأولـي الأمـر والحكـام قتلـه .

ومـن فـروع هـذه القاعـدة ، مـا اسـتدل بـه عمـر بـن الخطـاب علـى أبـي بكـر الصديـق حيـن أراد أبـو بكـر قتـل مانعـي الزكـاة .

فقـال لـه عمـر كيـف تسـتبيح قتالهـم ؟ ـ فعمـر هنـا مسـتند علـى أن الأصـل فـي قتالهـم الحرمـة .

فاحتـاج أبـو بكـر إلـى نـص لإخـراج هـؤلاء عـن البـراءة الأصليـة ليقاتلهـم ، فقـال أبـو بكـر : والله لـو منعـوني عقـالاً (1) أو عناقًـا (2) كانـوا يؤدونـه لرسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لقاتلتهـم علـى منعـه ، والـزكاة قرينـة الصـلاة فـي كتـاب الله ، وهـي حـق المـال .

* فعـن أبـي هريـرة ، قـال : لمـا توفـي رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ واسْـتُخْلِفَ أبـو بكـر بعـده ، وكفـر مـن كفـر مـن العـرب ، قـال عمـر بـن الخطـاب لأبـي بكـر : كيـف تقاتـل النـاس وقد قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " أُمـرتُ أن أقاتـل النـاسَ حتـى يقولـوا : لا إله إلا الله ، فمـن قـال : لا إله إلا الله فقـد عَصَـمَ منـي مالَـهُ ونفسَـهُ إلا بحقـه ، وحسـابه علـى الله ؟ " .

فقـال أبـو بكـر : والله ! لأقاتلـنَّ مـن فـرَّق بيـن الصـلاة والـزكاة ، فـإن الـزكاة حـقُّ المـالِ ، والله ! لـو منعونـي عِقـالاً كانـوا يؤدونـه إلـى رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لقاتلتُهـم علـى منعـه .

فقـال عمـر بـن الخطـاب : فـوالله ! مـا هـو إلا أن رأيـتُ الله عـز وجـل قـد شـرح صـدر أبـي بكـر للقتـال ، فعلمـتُ أنـه الحـق .

صحيح مسلم . متون / ( 1 ) ـ كتاب : الإيمان / ( 8 ) ـ باب : الأمر بقتال الناس حتى يقولوا :

لا إله إلا الله محمد رسول الله ، و ... / حديث رقم : 32 ـ ( 20 ) / ص : 20 .

وكذلـك إذا جنـى الإنسـان جنايـة توجـب قطـع عضـو ، أو توجـب عقوبـة أو مـالاً : حـل منـه بقـدر مـا يقابـل تلـك الجنايـة ، فـإذا سـرق مسـلم فوجـب قطـع يـده ، فتقطـع يـده بنـص يخرجـه عـن

-----------------------------------------------------------------------------

( 1 ) عقالاً : هو الحبل الذي يعقل به البعير .

( 2 ) عناقًا : أي الأنثى من أولاد المعز أو الغنم .

الأصـل وهـو قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم ( إلا بحقهـا ) ، فهـو هنـا غيـر معصـوم لأنـه فعـل مـا يسـتباح بـه عصمتـه التـي كانـت ، وهـي البـراءة الأصليـة فـإذا أقيـم عليـه الحـد عـادت إليـه البـراءة الأصليـة مـرة أخـرى ، فهـو يحــل منـه بقــدر ما يقابــل تلـك الجنايـة فقـط ، فـلا يحـل منـه سـوى قطـع يـده فقـط .

وكـذا إذا اسـتدان وأبـى الوفـاء . فيؤخـذ مـن مالـه بقـدر ذلـك الحـق ، سـواء كـان الدِّيْـن لله ، أو لخلقـه .

وأمـا اللحـوم ؛ فقـد سـبق تفصيـل ذلـك .

وأمـا النفـس والمـال للمعصـوم :

* عـن ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ خطب النـاس يـوم النحـر فقـال : " يـا أيهـا النـاسُ أيُّ يـومٍ هـذا ؟ " . قالـوا : يـومٌ حـرام . قـال : " فـأيُّ بلـدٍ هـذا ؟ " . قالـوا : بلـدٌ حـرام . قـال : " فـأيُّ شـهرٍ هـذا ؟ " . قالـوا : شـهرٌ حـرامٌ . قـال : " فـإن دماءكـم وأموالكـم وأعراضكـم عليكـم حـرامٌ كحرمـة يومكـم هـذا فـي بلدكـم هـذا فـي شـهركم هـذا " فأعادهـا مِـرَارًا ثـم رفـع رأسـه فقـال : " اللهـم هـل بلغـت ؟ " .

قـال ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ : فوالـذي نفسـي بيـده إنهـا لوصيتُـهُ إلـى أمتـه : " فليبلـغ الشـاهدُ

الغائـبَ ، لا تَرجِعـوا بعـدي كفـارًا يضـربُ بعضكـم رِقـاب بعـض " .

صحيح البخاري . متون / ( 25 ) ـ كتاب : الحَج / ( 132 ) ـ باب : الخطبة

أيام منى / حديث رقم : 1739 / ص : 196 .

22 ـ والأَصْـلُ فـي عَادَاتِنَـا الإِباحَــةْ حَتــى يَجِـيءَ صَــارِفُ الإِباحَـــةْ

23 ـ وَلَيْـسَ مَشْـرُوعًا مِـنَ الأُمــورْ غَيــرُ الــذي فِـي شَـرْعِنَا مَذْكُــورْ

وهـذان الأصـلان ذكرهمـا شـيخ الإسـلام رحمه الله فـي كتبـه ، وذكـر أن الأصـل الـذي بنـى عليـه الإمـام أحمـد مذهبـه : أن العـادات الأصـل فيهـا الإباحـة ، فـلا يحــرم منهـا إلا مـا ورد تحريمـه ، وأن الأصـل فـي العبـادات أنـه لا يشـرع منهـا إلا مـا شـرعه الله ورسـوله .

( عَادَاتِنَـا ) : مأخـوذ مـن العَـوْد أو المعـاودة ، وهـي تكـرار الشـيء .

واختلفـت عبـارات الفقهـاء فـي حـد العـادة وتعريفهـا ، ومـن ذلـك :

أنهـا مـا اسـتقر فـي الأنفـس السـليمة والطبائـع المسـتقيمة مـن المعامـلات ، قالـه ابـن حجـر ـ رحمه الله ـ فـي الفتـح .

ومـن ثَـمَّ يتبيـن أن العـادات ترجـع إلـى جنـس المعامـلات ، وهـي نوعـان : معاملـة مـع النفـس ، ومعاملـة مـع الخلـق .

( صـارف الإباحـة ) : أي الصـارف ـ مـن الحرمـة إلـى الإباحـة ـ بدليـل شـرعي .

مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 75 / بتصرف .

قـال الشـيخ ... السـعدي فـي رسـالته / ص : 24 :

فالعـادات هـي ما اعتـاد النـاس مـن : المآكـل ، والمشـارب ، وأصنـاف الملابـس ، والذهـاب ، والمجـيء ، والكـلام ، وسـائر التصرفـات المعتـادة . ا . هـ .

واعلـم ـ رحمـك الله ـ أن الناظـم ـ رحمه الله ـ عنـى بالبيتيـن السـابقين قاعدتيـن كليتيـن :

* فأمـا القاعـدة الأولـى : فهـي : " الأصـل فـي العـادات والمعامـلات الإباحـة والحِـل .

ودل علـى صحـة ذلـك :

قولـه تعالـى : { هُـوَ الّـَذِي خَلَـقَ لَكُـم مَّـا فِـي الأَرْضِ جَمِيعـاً ... } . سورة البقرة / آية : 29 .

فهـذا يـدل علـى أنـه خلـق لنـا مـا فـي الأرض جميعـه ، لننتَفـع بـه علـى أَيّ وجـه مـن وجـوه الانتفـاع .

وقولـه تعالـى : { قُـلْ مَـنْ حَـرَّمَ زِينَـةَ اللهِ الَّتِـيَ أَخْـرَجَ لِعِبَـادِهِ وَالْطَّيِّبَـاتِ مِـنَ الـرِّزْقِ ... } .

سورة الأعراف / آية : 32 .

فأنكـر سـبحانه علـى مـن حـرم شـيئًا مـن الزينـة والطيبـات دون بُرهـانٍ منـه سـبحانه .

ولقولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم " أنتـم أعلـم بأمـر دنياكـم " .

* فعـن أنـس ، أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مـر بقـوم يلقِّحـون ، فقـال : " لو لـم تفعلـوا لصلُـحَ ، قـال : فخـرج شـيصًا ، فمـر بهـم صلـى الله عليـه وعلى آله وسـلم فقـال : " ما لنخلكـم ؟ " . قالـوا : قلـت كـذا وكـذا .

قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " أنتـم أعلـم بأمـر دنياكـم " .

صحيح مسلم . متون / ( 43 ) ـ كتاب : الفضائل / ( 38 ) ـ باب : وجوب

امتثال ما قاله شرعًا ، ... / حديث رقم : 141 ـ ( 2363 ) / ص : 607 .

ووجـه الدلالـة : أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ردّ الأمـر فـي التعامـل فـي الزراعـة ـ وهـي مـن أمـور الدنيـا ـ إلـى الخلـق ، وجعلـه ليـس مـن جنـس الشـرع الـذي يتوقـف فيـه حتـى يأتـي الأمـر مـن الـرب سـبحانه .

واتفـق العلمـاء علـى هـذا الأصـل ، فحكـاه غيـر واحـد ، كالنــووي فـي " المجمـوع " ، والموفـق فـي

" المغنـي " .

وليعلـم أن المعامـلات والعـادات باقيـة علـى الأصــل مـا لـم تخالـف أصـلاً شـرعيًا ، أو يأتـي الصـارف الشـرعي لذلـك ، ومن ذلـك : " شـرب الخمـر " ، فهـو مـن جنـس العـادات التـي حرمهـا الـرب سـبحانه .

مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 76 .

ـ وعلـى هـذه القاعـدة ، لـو رأيـت رجـلاً يفعـل شـيئًا ـ [ مـن المعامـلات والعـادات ] (1) ـ فقلـت لـه : هـذا حـرام . فسـيقول لـك : أيـن الدليـل علـى تحريـم هـذا الشـيء ؟ . فحينئـذ أنـت المطالـب بالدليـل علـى تحريـم هـذا الشـيء .

القواعد الفقهية / العثيمين / ص : 31 .

ـ فالأصــل فـي العـادات والمعامـلات الإباحـة ، فـلا يحْــرُمُ منهـا شـيء إلا مـا دل عليـه الدليـل مـن الكتـاب أو السـنة أو الإجمـاع أو القيـاس الصحيـح .

وكـل مـن حـرم شـيئًا مـن ذلـك طولـب بالدليـل السَّـالم مـن المعـارضِ الراجـح ، ولا يُطالَـبُ المبيـحُ

بالدليـل ، لأنـه مسـتمسـك بالأصـل .

منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .

لأن الأصـل فـي عاداتنـا الإباحـة حتـى يجـيء صـارف الإباحـة .

فالأصــل فـي العبـادات المنـع والتوقـف حتـى يُعْلَـم دليــل ، فـلا عبـادة إلا بدليـل . فلابـد أن نعبـد الله علـى بصيـرة 0 قـال تعالـى :

{ قُـلْ هَـذِهِ سَـبِيلِي أَدْعُـوا إِلَـى اللهِ عَلَـى بَصِيـرَةٍ أَنَـا وَمَـنِ اتَّبَعَنِـي ... } .

سورة يوسف / آية : 108 .

* وأمـا القاعـدة الثانيـة : فهـي : أن الأصـل فـي العبـادات الحظـر والمنـع .

--------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) ما بين المعكوفتين [ ] ---> تصرف .

ومعنـى ذلـك هـو أن لا يعتقــد النـاس فـي شـيء أو فـي فعــلٍ أو قــولٍ أنـه عبـادة ، حتـى يأتـي خطـاب الشـارع بذلـك .

· قـال شـيخ الإسـلام ابـن تيميـة فـي مجمـوع الفتـاوى ( 31 / 35 ) :

" بـاب العبـادات والديانـات والتقربـات متلقـاة عـن الله ورسـوله ، فليـس لأحـدٍ أن يجعـلَ شـيئًا عبـادة أو قربـةً ؛ إلا بدليـل شـرعي " . ا . هـ .

ـ وعلـى هـذا جـرى السـلف الصالـح ـ رضي الله عنهم ـ مـن الصحابـة والتابعيـن :

* فعـن نافـعٍ أن رجـلاً عطـسَ إلى جنـب ابـن عمـرَ ، فقـال : الحمـد لله ، والسـلامُ علـى رسـول الله ،

قـال ابـن عمـر : وأنـا أقـول الحمـد لله والسـلام علـى رسـول الله ، وليـس هكـذا علمنـا رسـولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، علمنـا أن نقـول : " الحمـد لله علـى كـل حـال " .

سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / كتاب : الأدب عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم /

( 2 ) ـ باب : ما يقول العاطس إذا عطس / حديث رقم : 2738 / ص : 616 / حسن .

* وعـن سـعيد بـن المسـيِّب : أنـه رأى رجـلاً يصلـي بعـد طلـوع الفجـر أكثـر مـن ركعتيـن ، يكثـر فيهمـا الركـوع والسـجود ، فنهـاه ، فقـال : يـا أبـا محمـد ! يُعذبُنـي الله علـى الصـلاة ؟ ! . قـال لا ، ولكـن يُعذبُـك علـى خـلاف السـنة .

رواه البيهقي في السنن الكبرى ، وصحح سنده : الشيخ علي حسن عبد الحميد في : عِلم أصول البدع / ص : 71 .

فالله خلـق الخلـق لعبادتـه قـال تعالـى :

{ وَمَـا خَلَقْـتُ الْجِـنَّ وَالإِنـسَ إِلاَّ لِيَعْبُـدُونِ } . سورة الذاريات / آية : 56 .

وَبَيَّـنَ سـبحانه فـي كتابــه ، وعلى لسـان رسـوله العبـادات التـي يُعْبَـدُ بهـا ، وأَمـر بإخلاصهـا لـه ، فمـن تقـرب بهـا لله مخلصـًا ، فعملـه مقبـول ، ومـن تقـرب لله بغيرهـا ، فعملـه مـردود ، كمـا قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :

" مَـنْ عَمِـلَ عَمَـلاً لَيْـسَ عَلَيْـهِ أَمرُنـا فَهُـوَ رَدٌّ " .

صحيح مسلم . متون / ( 30 ) ـ كتاب : الأقضية / ( 8 ) ـ باب : نقض الأحكام

الباطلة ورد محدثات الأمور / حديث رقم : 18 ـ ( 1718 ) / ص : 448 .

وصاحبـه (1) داخـل فـي قولـه تعالـى :

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) صاحبه : أي صاحب العمل الذي ليس عليه أمرنا .

{ أَمْ لَهُـمْ شُـرَكَاء شَـرَعُوا لَهُـم مِّـنَ الدِّيـنِ مَـا لَـمْ يَـأْذَن بِـهِ اللهُ ... } .

سورة الشورى / آية : 21 .

وبيـان هـذا الحديـث : أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قيـد قبـول العبـادة بأخذهـا عنـه ، وصدورهـا منـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم ، فاعتبـار غيـر مـا أتـى بـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم مـن العبـادات ، اعتبـار مـردود علـى صاحبـه .

مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 77 / بتصرف .

فهـذا الأصـل ينفعـك فيمـا إذا رأيـت مـن يتعبـد عبـادة ، فأنكـرت عليـه . فقـال : أيـن الدليـل علـى إنكـارك ؟ . قـل : أيـن الدليـل علـى فعلـك ؟ .

[ فالـذي يقـوم بالعبـادة هـو المطالَـب بالدليـل على عبادتـه ] (1) .

القواعد الفقهية / العثيمين / ص : 33 / بتصرف .

فـلا يجـوز للإنسـان أن يتعبـد لله عـز وجـل بعبـادة ، إلا إذا ورد دليـل مـن الشـارع بكـون تلـك العبـادة مشـروعة ، ولا يجـوز لنـا أن نختـرع عبـادات جديـدة ونتعبـد الله ـ عـز وجـل ـ بهـا ، سـواء عبــادة

جديـدة فـي أصلهـا ، ليسـت مشـروعة ، أو نبتـدع صفــة فـي العبــادة ليسـت واردة فـي الشـرع ،

أو نخصـص العبـادة بزمـان أو مكـان . وأدلـة ذلـك : قولـه تعالـى :

{ قُـلْ إِن كُنتُـمْ تُحِبُّـونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِـي يُحْبِبْكُـمُ اللهُ ... } . سورة آل عمران / آية : 31 .

{ ... وَاتَّبِعُـوهُ لَعَلَّكُـمْ تَهْتَـدُونَ } . سورة الأعراف / آية : 158 .

وقولـه تعالـى :

{ لَقَـدْ كَـانَ لَكُـمْ فِـي رَسُـولِ اللهِ أُسْـوَةٌ حَسَـنَةٌ ... } . سورة الأحزاب / آية : 21 .

وقولـه تعالـى :

{ أَمْ لَهُـمْ شُـرَكَاء شَـرَعُوا لَهُـم مِّـنَ الدِّيـنِ مَـا لَـمْ يَـأْذَن بِـهِ اللهُ ... } .

سورة الشورى / آية : 21 .

وقولـه تعالـى :

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) ما بين المعكوفتين [ ] ---> تصرف .

فهـذه القاعـدة قاعـدة عظيمـة ، تحصـل بهـا حمايـة الشـريعة مـن التحريـف والتبديـل .

منظومة القواعد ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري .

=================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق