بحث عن:

الثلاثاء، 14 يونيو 2011

السبيل لدراسة فقه إسلامي صحيح 15 ق


خـاتمـــة




ونحمـد الله ثانيًـا علـى الانتهـاء مـن تجميــع شـروح هـذه المنظومـة مـن بطـون كتـب أفاضـل العلمـاء ، ونسـأل المولـى عـز وجـل أن ينفـع بهـا وأن يكتـب لهـا القبـول فـي الدنيـا والآخـرة لكـل مـن أعـان علـى إخراجهـا ، وأن يجعلهـا خالصـة لوجهـه الكريـم وألا يجعـل للخلـق منهـا شـيئًا .

رب اغفـر لـي ولوالـدي وللمؤمنيـن يـوم يقـوم الحسـاب ربنـا هـب لنـا مـن أزواجنـا وذرياتنـا قـرة أعيـن واجعلنـا للمتقيـن إمامًـا ، ربنـا لا تـزغ قلوبنـا بعـد إذ هديتنـا وهـب لنـا مـن لدنـك رحمـة .

وآخـر دعوانـا أن الحمـد لله رب العالميـن وصلـى الله علـى محمـد وعلـى آله وصحبـه الأبـرار وسـلم تسـليمًا كثيـرًا .

هـذه شـــروح اخترتهــا مـن كُتْــبِ أهــل العلــم اقتبسـتها

جزاهــم المولــى عظيــم الأجــر والعفــو مــع

غفرانــه والبــر

تذييـــل

أنـــواع دلالات اللفـــظ

( الاقتضــاء والإشــارة والمفهــوم )

هنـاك دلالـة للفـظ مـن حيـث وضْعُـه ، أي مـا وضعتـه العـرب ليـدل علـى معنـى معيـن ، سـواء أكـان فـي دلالتـه مجمـلاً أو مبيّنًـا ، خاصًّـا أو عامًّـا ، مطلقًـا أو مقيّـدًا ، أمـرًا أو نهيًـا ، إلـى غيـر ذلـك .

فالدلالـة فيـه هـي دلالـة اللفـظ علـى مـا فـي ( داخلـه ) 0 أو كمـا يسـميه بعـض الأصولييـن ( دلالـة العبـارة ) أو ( دلالـة المنطـوق ) .

ـ وبحثُنـا فـي هـذا المقـام منصـبٌّ علـى دلالـة اللفـظ علـى أمـر ( خـارج عنـه ) .

وهـذا القسـم ثلاثـة أنـواع . ونعقـد لكـل منهـا مبحثًـا .

=============

المبحـــث الأول

دلالــة الاقتضــاء

دلالـة الاقتضـاء أن يكـون الكـلام المذكــور لا يصـحُّ ضـرورةً إلا بتقديـر محـذوف ، فذلـك المحـذوف هـو ( المقتضـى ) . ومثالــه :

قـول الله تعالـى : { حُرِّمَـتْ عَلَيْكُـمُ الْمَيْتَـةُ ... } . سورة المائدة / آية : 3 .

فمـن المعلـوم أن التحريـم لا يتعلـق بالأعيـان ، وإنمـا يتعلـق بالأفعـال ذات الصلـة بالأعيـان .

فالتقديـر : " حُـرّمَ عليكـم أكـل الميتـة " فـ ( الأكـل ) الـذي لـم يذكـر ، دلّ عليـه اللفـظ المذكـور بدلالـة الاقتضـاء . وهكـذا كل تحريـمٍ منصـبٍّ فـي اللفـظ علـى ذات 0 والمقتضـى يقـدَّر في كـل مقـامٍ بحسـبه .

ومـن أمثلـــة الاقتضـاء :

قولـه تعالـى : { ... وَمَـن كَـانَ مَرِيضـاً أَوْ عَلَـى سَـفَرٍ فَعِـدَّةٌ مِّـنْ أَيَّـامٍ أُخَـرَ ... } .

سورة البقرة / آية : 185 .

أي : مَـن كـان مريضًـا أو علـى سـفرٍ ( فأفطـرَ ) فعليـه صيـام عـدة مـا أفطـره مـن أيَّـامٍ أُخَـر ، لأنـه إن صـامَ فـي سـفره أو مرضـه فـلا قضـاء عليـه . وقـد ورَد أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كـان يصـوم فـي رمضـان فـي السـفر أحيانًـا .

ومثلـه حديـث ( لا صيـام لمـن لـم يؤرِّضْـهُ (*) مـن الليـل ) (1) ، فلـو صـامَ دون أن ينـوي ، فصـورة الصيـام موجـودة لا يصـح نفيهـا ، فالنفـي إذن منصـبٌّ علـى جهـة معينـةٍ هـي ( الصحـة الشـرعية ) أي : ( لا صيـام " صحيـح " لمـن لـم يبيتـه بالليـل ) ، فالصحـة ، وإن لـم تذكـر فـي اللفـظ ، مدلـول عليهـا بدلالـة الاقتضـاء .

الواضح في أصول الفقه ... / ص : 229 .

==============

المبحـــث الثانــي

دلالــة الإشــارة

قـد يُفْهَـم مـن الكـلام أمـر خـارج لـم يقصـده المتكلـم ، ولا سـيق الكـلام لأجلـه ، ولكـن يتبـعُ مقصـود الكـلام 0 فتسـمى تلـك الدلالـة ( إشـارة ) ، أي يقـال : إن في الكـلام ( إشـارة ) إلـى هـذا المعنـى التابـع .

ومثالــه :

-------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) حديث : " لا صيام ... " سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 7 ) ـ كتاب : الصيام / ( 26 ) ـ باب : ما جاء في فرض الصوم من الليل ... / حديث رقم : 1700 / ص : 297 / صحيح .

( * ) يؤرِّضه : من أرَّضَهُ ، إذا قدره وحزمه ؛ ـ لم يؤرضه ـ أي لم يَنْوِه بالليل . [ كذا في الأصل : " يؤرضه " ، وفي جميع الطبعات

" يفرضه " ] .

حاشية سنن ابن ماجه / ص : 297 .

قولـه تعالـى فـي المعتـدة الرجعيـة :

{ ... وَلاَ يَحِـلُّ لَهُـنَّ أَن يَكْتُمْـنَ مَـا خَلَـقَ اللهَ فِـي أَرْحَامِهِـنَّ ... } . سورة البقرة / آية : 228 .

أي حُـرِّم علـى المطلقـات كتمـان مـا خلـق فـي أرحامهـن مـن حيـض أو حمـل الـذي يتبيـن بـه انقضـاء العـدة . ويسـتدل مـن الآيـة علـى أن " المـرأة مصدقــة إذا أخبـرت أن الحيــض وُجــد أو لـم يوجـد ، ويعمــل بقولهـا فـي ذلـك إذا أمكـن " ، فهـذا المدلـول لـم تصـرح بـه الآيـة ، ولا سـيق الكـلام لأجـل بيانـه ، إذ الكــلام إنمـا سـيق ( لتحريـم الكتمـان ) لا غيـر ، وهـذا أمـر آخـر .

ومثـال الإشـارة أيضًـا :

الاسـتدلال علـى أن ( أقـل مـدة للحمـل سـتة أشـهر ) مـن آيـة :

{ وَالْوَالِـدَاتُ يُرْضِعْـنَ أَوْلاَدَهُـنَّ حَوْلَيْـنِ كَامِلَيْـنِ لِمَـنْ أَرَادَ أَن يُتِـمَّ الرَّضَاعَـةَ ... } .

سورة البقرة / آية : 233 .

وآيــة : { ... وَحَمْلُـهُ وَفِصَالُـهُ ثَلاَثُـونَ شَـهْراً ... } . سورة الأحقاف / آية : 15 .

فـإن أيًّـا مِـن هاتيــن الآيتيــن لـم يُسَـقْ لبيـان ( أقـل مـدة للحمــل ) بـل الأُولـى مسـوقةٌ لبيـان ( أطـول مُـدة للرضاعـة ) ، والثانيـة لبيـان ( مـدة مجمــوع الحمــل والرضاعـة ) ، أمـا ( أقـل مـدة للحمـل ) فَتُفْهَـم مـن مجموعهمـا (1) ، وإنْ كـان الكـلام فيهمـا غيـر مسـوق لأجـل بيانهـا .

ومثـــال ثالــث :

قـول الله تبـارك وتعالـى فـي شـأن قاتـل العمـد :

{ ... فَمَـنْ عُفِـيَ لَـهُ مِـنْ أَخِيـهِ شَـيْءٌ فَاتِّبَـاعٌ بِالْمَعْـرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْـهِ بِإِحْسَـانٍ ... } .

سورة البقرة / آية : 178 .

يـدل بمنطوقـه علـى أن القاتـل إن عفـا الولـيّ عـن قتلـه قصاصًـا ، فوجبـت الديـة فـي مالـه ، أنـه يجـب علـى الولـي أن تكـون مطالبتـه للقاتـل بالمعـروف ، وعلـى القاتـل الأداء بإحسـان . وتـدل الآيـة بإشـارتها على أن القاتـل لا يكـون كافـرًا بالقتـل ، ولا يخـرج مـن الإيمـان ، لأن تسـمية الولـيّ ( أخًـا ) لـه تسـتلزم بقـاءه علـى الإيمـان ، إذ الكافـر لا يكـون أخـًا للمسـلم .

الواضح في أصول الفقه ... / ص : 229 / بتصرف .

--------------------

( 1 ) فالآية الأولى لبيان أطول مدة للرضاعة 24 شهرًا ( حولين كاملين ) .

والآية الثانية لبيان مدة الحمل والرضاعة معًا " ثلاثون شهرًا " . 30 ـ 24 = 6 وهي أقل مدة حمل .

المبحـــث الثالــث

دلالــة المفهــوم

المفهـوم أن يـدل اللفـظ المنطـوق بـه علـى حكـم أمـر مسـكوت عنـه . سُـمِّيَ بذلـك لأنـه يفهـم مـن المنطـوق دون أن يصـرح بـه المتكلـم .

والمفهــوم نوعــان : مفهـوم الموافقـة ، ومفهـوم المخالفـة .

ـ مفهــوم الموافقــة :

--------------

هـو أن يكـون الحكـم المفهـوم مثـل الحكـم المنطـوق ، فـإن كـان الحكـم المنطـوق الوجـوب ، فالحكـم المفهـوم الوجـوب . وإن كـان الحكـم المنطـوق التحريـم ، فالحكـم المفهـوم التحريـم ، وهكـذا .

ومفهــوم الموافقــة نوعــان :

· أولهمـا : ( مفهـومٌ موافِـقٌ أَوْلـى ) ، أي أَولـى بالحكــم مـن المنطـوق ، وهـو أن يُفهـم مـن اللفـظ

حكـم شـيء آخـر لـم يذكـر فـي اللفـظ ، هـو أولـى مِـن المذكـور بالحكـم .

ومثالــه قولـه تعالــى :

{ ... فَـلاَ تَقُـل لَّهُمَـا أُفٍّ ... } . سورة الإسراء / آية : 23 .

فالمنطـوق هـو ( النهـي عـن التأفـف مـن الوالديـن ) . ولكـن يفهـم مـن لفـظ الآيـة حكـم شـيء آخـر غيـر مذكـور ، هـو تحريـم ( ضربهمـا وشـتمهما ) ، فالنهـي عن الضـرب والشـتم لـم يذكـر فـي الآيـة ، ولكـن ملاحظـة سـياق الكـلام ، وأن الغـرض منـه كـان المنـع مـن الإيـذاء ، يسـتفاد منـه أن الضـرب والشـتم مـن الأذى أشـد تحريمًـا مـن قـول أُفٍّ .

وقـد يسـمى هـذا النـوع أيضًـا ( قيـاس الأولـى ) ، أو ( التنبيـه بالأدنـى علـى الأعلـى ) أو ( فَحْـوَى الخطـاب ) .

· وثانيهمـا : ( المفهـوم الموافِـقُ المسـاوي ) ، أي : هـو مسـاوٍ فـي الحكـم للمنطـوق ، ليـس أولـى منـه بالحكـم ولا أدنـى منـه . وقـد يسـمى هـذا النـوع ( لحـن الخطـاب ) أو ( القيـاس فـي معنـى الأصـل ) أو ( القيـاس بِنَفْـي الفـارق ) .

ومثالـه أن الله تعالـى ذكـر فـي القـرآن حـدَّ الأَمَـةِ إذا زَنـت ، وذلـك فـي قولـه تعالـى :

{ ... فَإِذَا أُحْصِـنَّ فَـإِنْ أَتَيْـنَ بِفَاحِشَـةٍ فَعَلَيْهِـنَّ نِصْـفُ مَـا عَلَـى الْمُحْصَنَـاتِ مِـنَ الْعَـذَابِ ... } . سورة النساء / آية : 25 .

فيقـال : العبـدُ مثلهـا ، إذ لا فـرق بينهمـا إلا الذكـورة والأنوثـة ، ولا تؤثـر الذكـورة والأنوثـة فـي مثـل هـذا الحكـم شـيئًا .

وسـمي هـذان النوعـان ( مفهـوم موافقـة ) لاتفـاق الحكـم بيـن منطـوق اللفـظ ومفهومـه ، فكلاهمـا حكمـه التحريـم ، أو كلاهمـا حكمـه الوجـوب ، وهكـذا ، بخـلاف مفهــوم المخالفـة الآتـي ، فإنـه إذا كـان حكـم المنطـوق الوجـوب ، فحكـم المسـكوت عنـه عـدم الوجـوب .

ـ مفهــوم المخالفــة :

---------------

وقـد يسـمى ( دليـل الخطـاب ) . وهـو أنّ يَخُـصّ المتكلـم بالذكــر وصفًـا مـن أوصـاف المحكـوم فيـه ، أو حـالاً مـن أحوالـه . فيسـتدل بـه علـى انتفـاء الحكـم عمـا عـداه . ومثالـه قـول النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " ... وفـي صدقـة الغنـم فـي سـائمتها إذا كـان أربعيـن ، ... " .

سنن النسائي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 23 ) ـ كتاب : الزكاة /

( 5 ) ـ باب : زكاة الإبل / حديث رقم : 2447 / ص : 380 / صحيح .

فوجـوب الزكـاة فـي السـائمة (1) هـو ( منطـوق اللفـظ ) ، ونفـي وجـوب الزكـاة فـي غيـر السـائمة هـو ( مفهـوم اللفـظ ) [ بدليـل الخطـاب ، أو بمفهـوم المخالفـة ] .

قـال الشـيخ صالـح المنجـد :

ـ ... واشـترط جمهـور الفقهـاء لوجـوب الزكـاة فـي بهيمـة الأنعـام أن تكـون سـائمة ، وهـي التـي ترعـى الكـلأ المبـاح أكثـر السـنة ، وأمـا التـي تُعلـف فـلا تجـب فيهـا الزكـاة إلا أن تكـون للتجـارة ، ودليـل اشـتراط السـوم قولـه صلـى الله عليه وعلى آله وسـلم : " وفـي صدقـة الغنـم في سـائمتها ... " .

( انظر المغنى " 2 / 230 ـ 243 ) .

ـ وجـاء فـي " فتـاوى اللجنـة الدائمـة " ( 9 / 202 ) :

وأجمـع العلمـاء علـى وجـوب الزكـاة فـي سـائمة الإبــل والبقـر والغنــم ، إذا بلغـت نصابًـا وأولـه

------------------

( 1 ) السائمة هي التي غذاؤها من الرعي في الأرض المباحة . وضدها المعلوفة ، وهي التي غذاؤها ما يقدم لها من العلف .

فـي الإبـل خمـس ، وأولـه فـي البقـر ثلاثـون ، وأولـه فـي الغنـم أربعـون " . ا . هـ .

ومفهـوم المخالفـة أنـواع ، منـه :

1 ـ مفهــوم الصفــة :

ومثالــه :

حديـث الزكـاة المتقـدم فـي الإبـل السـائمة . فالتقييـد بالسـوم يـدل علـى أن الإبـل المعلوفـة لا زكـاة فيهـا . ومثالـه أيضًـا حديـث " مَـن بـاع نخـلاً قـد أُبِّـرَتْ فثمرهـا للبائـع إلا أن يشـترط المبتـاع " (1) . يـدل التقييـد بمـا بعـد التأبيـر أنـه إن باعهـا قبـل التأبيـر فالثمـرة للمشـتري .

2 ـ مفهــوم الشـرط :

ومثالــه :

قولـه تعالـى : { يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـن آمَنُـوا إِن جَاءَكُـمْ فَاسِـقٌ بِنَبَـإٍ فَتَبَيَّنُـوا ... } .

سورة الحجرات / آية : 6 .

يفهـم منـه أن ( العـدل ) إن جـاء بنبـإ ، يعمـل بخبـره دون حاجـة إلـى تبيُّـن .

3 ـ مفهــوم الغايــة :

نحــو : { ... وَلاَ تَقْرَبُوهُـنَّ حَتَّـىَ يَطْهُـرْنَ ... } . سورة البقرة / آية : 222 .

مفهومـه أنهـن بعـد الطهـر حـلال .

ونحـو : إلـى المرافـق ، مفهومـه أن مـا فـوق المرافـق لا يغسـل فـي الوضـوء .

4 ـ مفهــوم العــدد :

نحـو قـول عائشـة ـ رضي الله عنها ـ : كـان فيما أُنـزل مـن القـرآن عشـر رضعـات معلومـات يُحَرِّمْـنَ ،

ثـم نُسِـخنَ بخمـس معلومـات ... . (2)

يـدل علـى أن مـا كـان أقـل مـن ذلـك لا يحـرِّم .

--------------------------

( 1 ) حديث : " من باع نخلاً ... . رواه البخاري . متون / ( 34 ) ـ كتاب : البيوع / ( 90 ) ـ باب : من باع نخلاً قد أبرت أو

000 / حديث رقم : 2204 / ص : 246 0

( 2 ) حديث : " عشر رضعات ... " صحيح مسلم " متون " / ( 17 ) ـ كتاب : الرضاع / ( 6 ) ـ باب : التحريم بخمس رضعات / حديث رقم : 24 ـ ( 1452 ) / ص : 361 .

5 ـ مفهــوم الحصــر بغيـر إلا :

ومثالــه حديـث : " إنمـا الربـا فـي النسـيئة " (1) .

ومثلـه آيـة : { إِيَّـاكَ نَعْبُـدُ وإِيَّـاكَ نَسْـتَعِينُ } . سورة الفاتحة / آية : 5 .

يـدل بمفهومـه علـى أننـا لا نعبـد غيـرَ الله ولا نسـتعين بغيـرِ الله .

6 ـ مفهــوم الحصــر بالنفـي والإثبـات :

نحـو : ( لا إله إلا الله ) مفهومـه حصـر وإثبـات الألوهيـة لله .

وهـذا النـوع هـو أقـوى أنـواع المفهـوم . بـل إن البعـض يعتبـره منطوقًـا في كـلِّ مـن النفـي والإثبـات . ولذلـك لا يخالِـفُ فيـه مـن ينكـر حجيـة المفهـوم . ويقـول : إن جملـة الحصـر بالنفـي والاسـتثناء تتضمـن حكميـن منطوقيـن ، أحدهمـا نفـي ، وهو ـ فـي مثالنـا ـ أن غيـر الله ليـس إلهًـا . والثانـي إثبـات ، وهـو ـ فـي مثالنـا ـ أنّ الله إله . وكلاهمـا نطـق بـه الموحِّـد .

7 ـ مفهــوم اللقــب :

مفهـوم اللقـب (2) ليـس حجـة علـى الصحيـح ، كمـا لـو قلـت : ( أكـرم بنـي تميـم ) فليـس فيـه دلالـة علـى النهــي عـن إكـرام مـن سـواهم .

ـ شــروط حجيـة مفهـوم المخالفـة :

يشـترط لحجيـة مفهـوم المخالفـة أن لا يكـون لذكـر القيـد فائـدة غيـر الإخـراج . فـإن كـان لـه فائـدة لـم يكـن لـه دلالـة علـى نفـي الحكـم عمـا عـدا المذكـور .

فمثـال مـا لـه فائـدة أخـرى قولـه تعالـى :

{ وَمَـن يَـدْعُ مَـعَ اللهِ إِلَهًـا آخَـرَ لاَ بُرْهَـانَ لَـهُ بِـهِ فَإِنَّمَـا حِسَـابُهُ عِنـدَ رَبِّـهِ ... } .

سورة المؤمنون / آية : 117 .

-------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) حديث : " إنما الربا ... " صحيح مسلم " متون " / ( 22 ) ـ كتاب : المساقاة / ( 18 ) ـ باب : بيع الطعام مثلاً بمثل / حديث

رقم : 102 ـ ( 1596 ) / ص : 408 .

( 2 ) المقصود عند الأصوليين باللقب هنا الاسم ، وخلافه الوصف . والاسم قد يكون اسم ذات . نحو قولك " جاء سعيد " فلا دلالة فيه

على مجيء غيره بنفي ولا لإثبات . وكذلك اسم المعنى نحو قولك " أحب طلب العلم " ليس فيه دلالة على محبتك أو عدم محبتك لطلب

المال أو المجد أو غير ذلك .

فـإن قولـه ( لاَ بُرْهَـانَ لَـهُ بِـهِ ) وصـف كاشـف عـن أن كـل مـا اتُّخِـذَ إلهًـا مـن دون الله فـلا برهـانَ عليـه . هنـا لا يفهـم مـن الآيـة جـواز اتخـاذ إله آخـر ذي برهـان .

ومثالـه أيضًـا قولـه تعالـى :

{ ... وَلاَ تُبَاشِـرُهُنَّ وَأَنتُـمْ عَاكِفُـونَ فِـي المَسَـاجِدِ ... } . سورة البقرة / آية : 187 .

التقييـد بالمسـاجد لا يعنـي جـواز المباشـرة أثنـاء العكـوف فـي غيرهـا ، بـل هـو كاشـف أن الاعتكـاف إنمـا يكـون فـي المسـجد لا غيـر .

الواضح في أصول الفقه ... / 234 / بتصرف .

o تنبيـــه :

ــــــــ

لمزيـد التوسـع راجـع لمباحـث الدلالـة :

1 ـ تفسـير النصـوص . للدكتـور / محمـد أديـب صالـح .

2 ـ المدخـل إلـى علـم أصـول الفقـه . للدكتـور / محمـد معـروف الدواليبـي .

3 ـ بيـان النصـوص التشـريعية . للشـيخ / بـدران أبـو العينيـن .

الواضح في أصول الفقه ... / ص : 235 .

* * * * *

أســئلة للمناقشــة

1 ـ قـول الله تعالـى :

{ الْحِـجُّ أَشْـرٌ مَّعْلُومَـاتٌ ... } . سورة البقرة / آية : 197 .

وقولـه تعالـى :

{ ... وَمَـن كَـانَ مَرِيضـاً أَوْ عَلَـى سَـفَرٍ فَعِـدَّةٌ مِّـنْ أَيَّـامٍ أُخَـرَ ... } . سورة البقرة / آية : 185 .

اذكـر مـا تـدل عليـه هاتـان الآيتـان بالاقتضـاء .

2 ـ فـي الحديـث النهـي عـن التضحيـة بالعـوراء . وذلـك يـدل على النهـي عـن التضحيـة بالعميـاء ، فاذكـر نـوع هـذه الدلالـة .

3 ـ قـال الله تعالـى :

{ ... وَلاَ تُكْرِهُـوا فَتَيَاتِكُـمْ عَلَـى الْبِغَـاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنـاً ... } . سورة النور / آية : 33 .

اشـرح معنـى الآيـة ، واذكـر مفهـوم الشـرط ، وبيّـن هـل يؤخـذ بـه أم لا ، مـع بيـان السـبب .

4 ـ اذكـر مـا يسـتفاد مـن عبـارة النـص ، ومـايسـتفاد مـن إشـارته أو مفهومـه فـي قولـه تعالـى :

{ ... فَالآنَ بَاشِـرُوهُنَّ وَابْتَغُـواْ مَـا كَتَـبَ اللهُ لَكُـمْ وَكُلُـواْ وَاشْـرَبُواْ حَتَّـى يَتَبَيَّـنَ لَكُـمُ الْخَيْـطُ الأَبْيَـضُ مِـنَ الْخَيْـطِ الأَسْـوَدِ مِـنَ الْفَجْـرِ ... } . سورة البقرة / آية : 187 .

وفـي قولـه : { ... وَعلَـى الْمَوْلُـودِ لَـهُ رِزْقُهُـنَّ وَكِسْـوَتُهُنَّ بِالْمَعْـرُوفِ ... } .

سورة البقرة / آية : 233 .

5 ـ إذا تزوجـت المطلقـة ثلاثًـا زوجًـا آخـر هَـدَمَ الـزواجُ الطلقـاتِ الثـلاث ، بحيـث لـو طلقهـا الثانـي أو مـات عنهـا ، وتزوجهـا الأول ، كـان لـه عليهـا ثـلاث طلقـات ، بالإجمـاع . فهـل يهـدم الـزواجُ الطلقتيـن والطلقـة الواحـدة أيضًـا ، أم تعـود علـى مـا بقـي مـن طلاقهـا ؟ راجـع أقـوال الفقهـاء فـي ذلـك وبيِّـن القاعـدة الأصولـة التـي ينبنـي عليهـا القـول فـي هـذه المسـألة .

6ـ اذكـر نـوع دلالـة نـص الحديـث الآتـي علـى الحكـم المذكـور معـه :

" صومـوا لرؤيتـه ، وأفطـروا لرؤيتـه ، فـإنّ غمِـيَ عليكـم الشـهر فعُـدُّوا ثلاثيـن " (1) .

الحكــم : أ ـ وجـوب الصـوم عنـد رؤيـة هـلال رمضـان .

ب ـ دخـول سـائر الأشـهر غيـر رمضـان بالرؤيـة ، وإكمـال عدتهـا عنـد الخفـاء .

7 ـ تُـرَدّ شـهادة المؤمـن الفاسـق ، لفسـقه ، كمـا فـي الآيـة :

{ ... وَأَشْـهِدُوا ذَوَيْ عَـدْلٍ مِّنكُـمْ ... } . سورة الطلاق / آية : 2 .

وهـل تـرد شـهادة الكافـر ؟ بيِّـن وجـه دلالـة هـذه الآيـة علـى هذيـن الحكميـن ، ومـا هـو الاسـم الاصطلاحـي لهـذا النـوع مـن الدلالـة ؟

8 ـ قولـه تعالـى :

{ وَإِذَا ضَرَبْتُـمْ فِـي الأَرْضِ فَلَيْـسَ عَلَيْكُـمْ جُنَـاحٌ أَن تَقْصُـرُواْ مِـنَ الصَّـلاَةِ إِنْ خِفْتُـمْ أَن يَفْتِنَكُـمُ الَّذِيـنَ كَفَـرُواْ ... } . سورة النساء / آية : 101 .

كيـف تـدل الآيـة علـى حكـم القصـر فـي حـال الأمـن .

اذكـر نـوع تلـك الدلالـة ، ثـم بيِّـن حسـب معلوماتـك هـل بقـي حكـم القصـر فـي حـال الأمـن علـى مـا يُفهـم مـن الآيـة نفسـها أم يخضـع لدليـل آخـر ؟ ومـا هـو ؟

الواضح في أصول الفقه ... / ص : 237 .

**************

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) حديث : " صوموا لرؤيته ... " أخرجه مسلم " متون " ( 13 ) ـ كتاب : الصيام / ( 2 ) ـ باب : وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال ... / حديث رقم : 19 ـ ( 1081 ) / ص : 259 .

مراجـــع مبحــث

القواعـــد الفقهيـــة

* شـرح الأصـول مـن علـم الأصـول .

للشـيخ : محمـد صالـح العثيميـن .

* منظومـة القواعـد الفقهيـة للشـيخ / عبـد الرحمـن بـن ناصـر السـعدي بشـرحه .

* منظومـة القواعـد الفقهيـة للشـيخ : عبـد الرحمـن بـن ناصـر السـعدي .

شـرح : د . مصطفـى كرامـة مخـدوم .

* منظومـة القواعـد الفقهيـة للشـيخ : عبـد الرحمـن بـن ناصـر السـعدي .

شـرح : الشـيخ خالـد بـن إبراهيـم الصقعبـي .

* منظومـة القواعـد الفقهيـة للشـيخ : عبـد الرحمـن بـن ناصـر السـعدي .

شـرح : الشـيخ سـعد بـن ناصـر الشـثري .

* منظومـة القواعـد الفقهيـة للشـيخ : عبـد الرحمـن بـن ناصـر السـعدي .

شـرح : الشـيخ عبيـد بـن عبـد الله الجابـري .

* منظومـة القواعـد الفقهيـة للشـيخ : عبـد الرحمـن بـن ناصـر السـعدي .

شـرح : الشـيخ حسـين عبـد العزيـز آل الشـيخ .

* الـدرة المرضيـة شـرح منظومـة القواعـد الفقهيـة .

للعلامـة الشـيخ : عبـد الرحمـن بـن ناصـر السـعدي / تأليـف : جمعـة صالـح محمـد .

* مجموعـة الفوائـد البهيـة علـى منظومـة القواعـد الفقهيـة .

تأليـف : الشـيخ صالـح بـن محمـد بـن حسـن الأسـمري .

اعتنـى بإخراجهـا : متعـب بـن مسـعود الجعيـد .

* القواعـد الفقهيـة المسـتخرجة مـن كتـاب : إعـلام الموقعيـن لابـن القيـم الجوزيـة .

إعـداد : أبـي عبـد الرحمـن عبـد المجيـد جمعـة الجزائـري .

تقديـم : فضيلـة الشـيخ بكـر بـن عبـد الله أبـو زيـد .

* تيسـير العـلام شـرح عمـدة الأحكـام .

تأليـف : عبـد الله بـن عبـد الرحمـن بـن صالـح آل بسًّـام .

* القواعـد والأصـول الجامعـة والفـروق والتقاسـيم البديعـة النافعـة .

تأليـف : الشـيخ عبـد الرحمـن بـن ناصـر السـعدي ـ رحمه الله ـ .

تعليـق : الشـيخ محمـد بـن صالـح العثيميـن .

عنايـة : أيمـن بـن عـارف الدمشـقي ؛ وصبحـي محمـد رمضـان .

* القواعـد الفقهيـة بيـن الأصالـة والتوجيـه .

للدكتـور / محمـد بكـر إسـماعيل .

* القواعـد الفقهيـة .

للشـيخ : محمـد صالـح بـن العثيميـن .

* اللآلـيء والـدرر السـعدية .

للشـيخ : عبـد الرحمـن بـن ناصـر السـعدي .

* كتـب السـنة .

تحقيـق : الشـيخ محمـد ناصـر الديـن الألبانـي ـ رحمه الله تعالى ـ .

* الواضـح فـي أصـول الفقـه للمبتدئيـن مـع أسـئلة للمناقشـة وتمرينـات .

تأليـف : د . محمـد سـليمان عبـد الله الأشـقر .

* * * * *

فهــــرس مبحـــث

القواعـــد الفقهيـــة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق