بحث عن:

الثلاثاء، 14 يونيو 2011

السبيل لدراسة فقه إسلامي صحيح 14ق


37 ـ ومَـنْ أَتـى بِمـا عَلَيْـهِ مِـِنْ عَمَـلْ قَـدِ اســتَحَقَّ مَالَـهُ عَلـى العَمَــلْ

( اســتَحَقَّ ) : أي اسـتوجب ، وصـار أحـق مـن غيـره .

والمعنـى : أن الشـخص إذا أدَّى العمـل الواجـب عليـه ، وأتمـه وذلـك باجتمـاع كـل شـروطه وانتفـاء كـل موانعـه ، فإنـه يسـتحق الأجـر الـذي جُعـل لـه . والعكـس بالعكـس .

شرح منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .

ـ ومعنـى هـذا البيـت هـو الـذي أراده الفقهـاء بقولهـم :

[ إذا أدى مـا عليـه وَجَـبَ لـه مـا جُعـل لـه ] . وهـذا شـامل الأعمـال والأعـواض (1) .

والمـراد أن الإنسـان إذا طُلـب منـه عمـل معيـن ، وَرُتـب علـى هـذا العمـل جـزاءً معينًـا ، فإنـه إذا أتـى بهـذا العمـل ـ تامًّـا ـ وجـب لـه مـا رُتـب علـى هـذا العمـل .

منظومة القواعد ... / شرح : د . خالد بن إبراهيم الصقعبي / ص : 93 .

وهـذه القاعـدة كمـا تنطبـق علـى المعامـلات تنطبـق أيضًـا علـى العبـادات فـي الدنيـا والآخـرة . ولذلـك عنـد التمعـن والتأمـل فـي كتـاب الله وسـنة رسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ نجـد أن الثـواب المطلـق للعمـل الصالـح صورتـان :

------------------------------------------------------------------------------ ( 1 ) الأعواض : أي الأجور . مثل أجور الموظفين مقابل أعمال معينة .

الصـورة الأولـى : مـا للعبـد فـي الدنيـا .

الصـورة الثانيـة : مـا يكـون للعبـد فـي الآخـرة .

فالجـزاء قـد يدركـه الإنسـان فـي دنيـاه بمـا يحصـل للإنسـان مـن انشـراح الصـدر وسـعة الـرزق ونحـو ذلـك . بـل لا يقتصـر الأمـر علـى الدنيـا فـإن الإثابـة في الدنيـا هـي عاجـل بشـرى المؤمـن ، وإلا فالأجـر الحقيقـي والكسـب العظيـم هـو مـا يحصـل للإنسـان فـي الآخـرة

وأجـر الدنيـا كمـا فـي قولـه تعالـى :

{ مَـنْ عَمِـلَ صَالِحـاً مِّـن ذَكَـرٍ أَوْ أُنثَـى وَهُـوَ مُؤْمِـنٌ فَلَنُحْيِيَنَّـهُ حَيَـاةً طَيِّبَـةً ... } .

سورة النحل / آية : 97 .

وقولـه تعالـى :

{ الَّذِيـنَ آمَنُـواْ وَلَـمْ يَلْبِسُـواْ إِيمَانَهُـم بِظُلْـمٍ أُوْلَئِـكَ لَهُـمُ الأَمْـنُ وَهُـم مُّهْتَـدُونَ } .

سورة الأنعام / آية : 82 .

وكمـا أن الله تعالـى وعـد بالمثوبـة لمـن أتـى بالعمـل الصالـح ، كذلـك رتـب علـى الْمُحَـرَّم عقوبـة فـي الدنيـا وعقوبـة فـي الآخـرة .

قـال تعالـى :

{ وَمَـنْ أَعْـرَضَ عَـن ذِكْـرِي فَـإِنَّ لَـهُ مَعِيشَـةً ضَنكـاً وَنَحْشُـرُهُ

يَـوْمَ الْقِيَامَـةِ أَعْمَـى } سورة طه / آية : 124 .

وقولـه تعالـى :

{ فَوَيْـلٌ لِّلْمُصَلِّيـنَ * الَّذِيـنَ هُـمْ عَـن صَلاَتِهِـمْ سَـاهُونَ } .

سورة الماعون / آية : 4 ، 5 .

فمـن تطبيقـات هـذه القاعـدة :

أن رواتـب الموظفيـن لا يسـتحقها الموظـف كاملـة إلا إذا أدى العمـل كامـلاً ، فـإن أخـلَّ بشـيء منـه ، فإنـه لا يسـتحق مقابـل مـا حَصَـل مـن الخلـل . ومـع الأسـف ـ الآن ـ كثيـر مـن الموظفيـن لا يقومـون بمـا يجـب عليهـم إمـا فـي الزمـن وإمـا فـي العمـل .

إمـا فـي " الزمـن " : بـأن لا يحضـروا إلا بعـد بـدء الـدوام بمـا لا يُتسـامح فيـه . أو يخرجـوا قبـل انتهـاء الـدوام ـ أي قبـل انتهـاء وقـت العمـل ـ .

وإمـا فـي " العمـل " : بـأن تجـد الإنسـان علـى كرسـيه ، لكـن لا يعطـي المراجعيـن ـ الجمهـور مـن

النـاس الذيـن يتعاملـون ولهـم مصالـح ... ـ اهتمامًـا ، ولا يعتنـي بهـم . معـه جريـدة يقرأهـا أو لـه صاحـب يخاطبـه فـي الهاتـف أو عنـده ولا يبالـي ، هـؤلاء لا يسـتحقون الراتـب كامـلاً ، ولا يسـتحقون مـن الراتـب إلا بمقـدار مـا أدوا مـن العمـل ، وعلـى هـذا فيكـون مـا يأكلونـه ويشـربونه مـن هـذا الراتـب الـذي لا يسـتحقونه يكـون ـ والعيـاذ بالله ـ حرامًـا يحاسـبون عليـه يـوم القيامـة . وقـد اشـتهر عنـد بعـض النـاس أن مـال الحكومـة مبـاح ، قالـوا : لأنـه مـا لـه مالـك معيـن . فيُقـال : إن مـال الحكومـة هـو بيـت المـال الـذي يسـتحقه جميـع النـاس ، فأنـت إذ بخسـته فقـد بخسـت كـلَّ النـاس الذيـن يسـتحقون مـن بيـت المـال .

القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة / ص : 175 / بتصرف .

هـذا فيمـا يتعلـق ببـاب العبـادات .

أمـا فيمـا يتعلـق بالمعامـلات : فـإن الإنسـان إذا عقـد عقـدًا علـى عمـلٍ مـن الأعمـال ، فـإذا وَفَّـى بمـا تعاقـدا عليـه ، فإنـه يكـون مسـتحقًا لمـا ينبنـي عليـه مـن آثـار هـذا العقـد . فالأجيـر (1) مثـلاً إذا اسـتؤجر لعمـل معيـن ، إن أتـم عملـه اسـتحق العـوض الـذي اتفقـا عليـه ، وإن لـم يـوف بمـا تعاقـدا عليـه فإنـه لا يسـتحق شـيئًا .

شرح منظومة القواعد الفقهية / د . خالد بن إبراهيم الصقعبي .

ـ وهـذه القاعــدة عليهـا جمهــور الفقهـاء ، قالـه الموفـق فـي : " المغنـي " ، والنـووي فـي :

" المجمـوع " ، وفـي بعـض فروعهـا تفصيـل عندهـم ـ أي ـ عنـد الفقهـاء ـ .

مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 110 .

* ويُلْحَـقُ بهـذه القاعـدة ، قواعـد أخـرى منهـا :

1 ـ " المؤتمـن غيـر ضامـن مـا لـم يُفـرِّط " .

المؤتمـن : هـو مـن اشـتُهِرَ بالأمانـة بيـن النـاس ، فاسـتودعوه ما يخشـون عليـه من الضيـاع أو التلـف .

وهـو غيـر ضامـن ـ أي ليـس عليـه عِـوَض ـ لِمَـا أؤتُمِـنَ عليـه إذا ضـاع منـه أو تلـف عنـده ،

----------------------------------------------

( 1 ) الفرق بين الإجارة والْجَعالة ؟ !

الجعالة : عقد جائز لا يختص بشخص معين بل هي عامة ، مثل أن يقول : مَنْ بنى لي هذا الجدار ، فله كذا أو من ردَّ لُقطتي فله كذا هذه الجَعالة .

والإجارة عكسها كما هو معروف ، وموضح أعلاه . القواعد والأصول الجامعة ... / ص : 175 .

أو نقـص شـيء منـه إلا إذا ثبـت تفريطـه فـي حفظـه ، أو تعـدى عليـه باسـتعماله ، ... ، وإن أودعـه عنـد غيـره مـن الأُمنـاء لخوفـه عليـه ، أو لضعفـه عـن حفظـه ، أو لسـفره ، ثـم تَلَـف عنـد هـذا الأميـن ، فـلا يضمنـه هـو ولا مـن أودعـه عنـده ، علـى الصحيـح مـن أقـوال الفقهـاء واسـتدلال الجمهـور علـى صحـة هـذه القاعـدة بمـا رواه الدارقطنـي ، عـن عمـرو بـن شـعيب عـن أبيـه عـن جـده أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال :

" لا ضمـان علـى مؤتمـن " .

وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ... / الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 7518 / ص : 1250 .

ـ وَفِعْـل السـلف دال علـى ذلـك :

فقـد اسـتودع عـروة بـن الزبيـر أبـا بكـر بـن عبـد الرحمـن بـن الحـارث بـن هشـام مـالاً مـن مـال مصعـب ، قـال : فأصيـب المـال عنـد أبـي بكـر ، أو بعضـه ، فأرسـل إليـه عـروة : أن لا ضمـان عليـك إنمـا أنـت مؤتمـن ، فقـال أبـو بكـر : قـد علمـتُ أن لا ضمـان علـي ، ولكـن لـم تكـن لتحـدث قريشًـا أن أمانتـي قـد خربـت ، ثـم بـاع مـالاً لـه فقضـاه .

هـذا الأثـر رواه ابـن سـعد فـي الطبقـات الكبـرى (5 / 208 ) ... ونصـه : (عـن ابـن سـعد قـال : أخبرنـا عبـد الملـك بـن عمـر أبـو عامـر العقـدي قـال : حدثنـا عبـد الله بـن جعفـر عـن عثمـان بن محمـد أن عـروة اسـتودع أبـا بكـر بـن عبـد الرحمـن بـن الحـارث بـن هشـام مـالاً مـن مـال بنـي مصعـب ، قـال : فأصيـب ذلـك المـال عنـد أبـي بكـر أو بعضـه ، قـال : فأرسـل إليـه عـروة أن لا ضمـان عليـك إنمـا أنـت مؤتمـن ، فقـال أبـو بكـر: قـد علمـت أنـه لا ضمـان علـيّ ولكـن لـم تكـن لتحـدث قريشـاً أن أمانتـي خربـت . قـال : فبـاع مـالاً لـه فقضـاه ) .

فهـذا الأثـر لـم أقــف علـى شـيء يـدل علـى أنـه أثـر صحيــح أم لا ، ولكـن راويـه وهـو ( ابـن سـعد ) قـال عنـه الخطيـب البغـدادي ( محمـد بـن سـعد عندنـا مـن أهـل العدالـة وحديثـه يـدل علـى صدقـه ، فإنـه يتحـرى فـي كثيـر مـن رواياتـه ) ، وقـال عنـه ابـن خلكـان ( كـان صدوقــاً ثقـة ) ، وقـال ابـن حجـر ( أحـد الحفـاظ الكبـار الثقـات المتحريـن ( .
وقـد وصفـوه بالفضـل والفهـم والنبـل . والله تعالـى أعلـم ، وصلـى الله وسـلم علـى نبينـا محمـد .
قالـه : الشـيخ أ . د / عبـد الله محمـد أحمـد الطيـار .

قـال ابـن رشـد فـي بدايـة المجتهـد ( ج : 2 / ص : 311 ) ـ بعـد أن أورد طرفًـا مـن مسـائل الوديعـة ـ :

" وبالجملـة فالفقهـاء يـرون بأجمعهـم أن لا ضمـان علـى صاحـب الوديعـة إلا أن يتعـدى " .

ـ والأُمنـاء لـو ضَمَّنَهـم الشـرع مـا ضـاع أو تَلَـف منهـم مـن غيـر تفريـط لوقـع الظلـم عليهـم ،

ولكـان لهـم الحـق فـي رفـض كـل وديعـة يريـد أن يسـتودعها عندهـم مُـودِع .

ـ مناظـــرة :

اسـتدل مـن قـال إنهـم يضمـون علـى كـل حـال ، سـواء بتفريـط أم مـن غيـر تفريـط ، بعمـوم قولـه تعالـى :

{ ... فَـإِنْ أَمِـنَ بَعْضُكُـم بَعْضـاً فَلْيُـؤَدِّ الَّـذِي اؤْتُمِـنَ أَمَانَتَـهُ ... } .

سورة البقرة / آية : 283 .

وقولـه تعالـى :

{ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُـمْ أَن تُـؤدُّواْ الأَمَانَـاتِ إِلَـى أَهْلِهَـا ... } . سورة النساء / آية : 58 .

ولكـن يُـرَدّ علـى هـذا :

بـأن العمـوم فـي الآيتيـن مخصـوص ـ أي يخصـص ـ بمـا قـد ذكرنـا . " والعـام يُخصـص : بأدنـى قرينـة " كمـا يقـول الأصوليـون .

القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 218 .

o تعقيـــب :

مـن كـان المـال بيـده بغيـر حـق فإنـه ضامـن لمـا فـي يـده ، سـواء تَلَـفَ بتعـدٍّ أو تفريـط ، أو لا ، لأن يـد الظالـم يـدٌ متعديـةٌ .

ويدخــل فـي هـذا : الغاصـب والخائـن فـي أمانتــه ، ومَـن عنـده عيـنٌ لغيـره فَطُلِـبَ منـه الـرد لمالكهـا ، أو لوكيلـه ، فامتنـع لغيـر عُـذر ، ـ فـإن تَلَفَـتْ عنـده ـ فإنـه ضامـن مطلقًـا .

وكذلـك مَـن عنـده لُقَطـةٌ فسـكت عليهـا ، ولـم يعرفْهـا بغيـر عُـذر .

ومـن حصـلَ فـي دارِه أو يـده مـالُ غيـره بغيـر إذنـه فلـم يـردَّه ولـم يُخبِــرْ بـه صاحبَـه لغيـر عـذر ، ومـا أشـبه هـؤلاء فكلهـم ضامنـون ، إذا تَلَـفَ مـا عندهـم .

القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة / ص : 98 .

2 ـ وممـا يُلحـق بهـذه القاعـدة أيضًـا :

" مـا ترتـب علـى المـأذون فيـه فهـو غيـر مضمـون والعكـس بالعكـس " .

ومـن أمثلـة هـذه القاعـدة :

إذا قطـع مكلـفٌ يـد معصـوم النفـس فـأدى ذلـك القطــع إلـى إتـلاف نفسـه ـ أي موتـه ـ أو بعـض

أعضائـه مثـل الشـلل ، فهـل تضمـن تلـك السـراية أم لا ؟

الجـــواب :

إن كـان القطـع قصاصـًا أو حـدًّا ، فـإن سـرايته هـدْرٌ ـ أي لا ضمـان فيهـا ـ ، وإن كـان القطـع جنايـة ـ أي قطـع اليـد نتيجـة مشـاجرة أو ... وكـان قصـده قطـع اليـد فقـط ـ ضُمِنَـت السـراية تبعـًا للجنايـة .

ومـن ذلـك لـو وَضَـع حجـرًا فـي الطريـق ، أو حفـر بئـرًا فيـه ، ثـم تلـف بـه إنسـان أو حيـوان ، فـإن كـان الحفـر ونحـوه مأذونـًا لـه فيـه ، بـأن كـان لنفـع المسـلمين وحفـره فـي مكـان آمـن وليـس فـي طريـق النـاس ، ... .

لـم يضمـن مـا تلـف بـه .

* فعـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ عـن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أنـه قـال : " العَجْمـاءُ جَرْحُهـا جُبـارٌ ، والبئـرُ جُبـارٌ ، والمعـدَنُ جُبـارٌ ، وفـي الرِّكـاز الخُمُـسُ " .

صحيح مسلم . متون / ( 29 ) ـ كتاب : الحدود / ( 11 ) ـ باب : جرح العجماء

والمعدن والبئر جبار / حديث رقم : 45 ـ ( 1710 ) / ص : 445 .

العجمـاء ---> البهيمـة . جرحهـا : أي جنايـة البهيمـة نهـارًا سـواء كانـت علـى النفـوس أم الأمـوال فيمـا فعلتـه مـن تلقـاء نفسـها هـدر لا ضمـان فيـه ، إلا إذا كـان معهـا الراكـب أو السـائق أو القائـد ، وداسـت شـيئًا للغيـر ، أو جرحـت إنسـانًا ، ففـي هـذه الحالـة يعتبـر ضامنـًا ، وكذلـك لـو أطلقهـا بقـرب مـا تتلفـة عـادة فهـو ضامـن .

القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 216 / بتصرف .

جُبـــار ---> أي هـدر لا ضمـان فيـه .

وإن كـان متعديًـا فيـه ـ أي حفـره للتخريـب أو ... ، ضَمـن .

38 ـ وَكُـلُّ حُكْــمٍ دَائِـرٌ مـعْ عِلَّتِـهْ وَهِـيَ التـي قَـدْ أَوْجَبَــتْ لِشِـرْعَتِهْ

( العلـة ) : لغـة : مـا يتغيــر بـه حـال المحــل ، ومنـه سُمـي المـرض علـة ؛ لأنـه بحلولـه يتغيــر حـال الشـخص مـن القـوة إلـى الضعـف .

وفـي الاصطـلاح : الوصـف الظاهـر المنضبـط الـذي عُلِّـق عليـه الحُكـم ، وذلـك كالإسـكار فـي

الخمـر ، والسـرقة فـي القطـع .

أمـا الحِكْمَـة : فهـي : المصلحـة المقصـودة مـن تشـريع الحكـم ، كحفـظ العقـل فـي تحريـم الخمـر ، وحفـظ المـال فـي إيجـاب الحـدِّ علـى السـارق ، ودفـع المشـقة فـي جــواز القصـر والجمـع للمسـافر .

وبـذا يتضـح الفـرق بيـن العلـة ، والحِكمـة .

( لشـرعته ) : أي لتشـريع الحكـم .

والمعنـى : أن الحكـم يـدور مـع علتـه وجـودًا وعدمًـا ، فـإذا وجِـدَت العلـةُ وُجِـدَ الحكـمُ ، وإذا انتفـت العلـة انتفـى الحكـم .

[ مثالـه : حِـل الميتـة ، مـا علتـه ؟ . الضـرورة ، فـإذا عُدمـت الضـرورة عُـدم هـذا الحِـلّ . كذلـك التيمـم علتـه فَقْـد المـاء أو العجـز عـن اسـتعماله ؛ فـإذا وُجـدت هـذه العلـة وجـد التيمـم ، وإذا انعدمـت عُدِمـت مشـروعية التيمـم ، وعـاد للوضـوء ] .

والأصـل فـي الأحكـام التعليــل ، بمعنـى أن تكـون لهـا علـل معروفـة ، ولكـن بعـض الأحكـام لـم يُـدْرِك العلمـاءُ العلـة فيهـا ، وتسـمى أحكامًـا تعبُّديـةً ـ مثـل تقبيـل الحجـر الأسـود .

* فعـن عمـر ـ رضي الله عنه ـ أنـه جــاء إلـى الحَجَـرِ (1) فقبلـه فقـال : إنـي أعلـمُ أنـك حجــر لا تنفـع ولا تضـر ، ولـولا أنـي رأيـتُ رسـولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يُقبلـك مـا قَبَّلتـك .

سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 5 ) ـ أول كتاب : المناسك / ( 47 ) ـ باب :

في تقبيل الحجر / حديث رقم : 1873 / ص : 325 / صحيح .

( 1 ) الحجـر ---> أي الحجـر الأسـود ، وتقبيلـه مـن مناسـك الحـج والعمـرة .

ـ والشـرع قـد ينـص علـى العلـة أحيانًـا ، كمـا جـاء فـي الحديـث عـن الهِـرة :

( إنهـا ليسـت بنَجـسٍ ، إنهـا مـن الطوافيـن عليكـم والطوافـات ) (1) .

فعلَّـل الحكـم بطهارتهـا بكثـرة طوافِهـا وتردّدِهـا علـى النـاس .

ـ وقـد تكــون العلــة غيـر منصـوص عليهـا صراحـةً ، ولكـن يسـتنبطها العلمــاء تبعًـا للقواعــد

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) سيأتي عما قليل تخريج وتحقيق ذلك وتفصيله .

الموضوعـة لذلـك ، كمـا فـي عِلـةِ جريـان الربـا فـي الأصنـاف السـتة .

منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .

منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : الشيخ عبيد الجابري .

مســـألة :

هنـاك بعـض الألفـاظ إذا جـاءت فـي الكتـاب والسـنة دلـت علـى أن مـا بعدهـا علـة . مـن ذلـك :

* لفظـة " كـي " كمـا فـي قولـه تعالـى :

{ ... كَـيْ تَقَـرَّ عَيْنُهَـا وَلاَ تَحْـزَنَ ... } . سورة القصص / آية : 13 .

* ومثالهـــا مـن السـنة :

* عـن نُبيشـة ، قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

" إنَّـا كنَّـا نهيناكـم عـن لحومهـا أن تأكلوهـا فـوق ثـلاثٍ ، لكـي تَسَـعَكُم ، فقـد جـاء اللهُ بالسَّـعَةِ ، فكلـوا وادَّخـروا وأتَجِـرُوا (*) ، ألا وإنَّ هـذه الأيـام أيـامُ أكـلٍ وشُـربٍ وذِكـرِ الله عـز وجـل " .

سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 10 ) ـ أول كتاب : الضحايا / ( 10 ) ـ باب :

[ في ] حبس لحوم الأضاحي / حديث رقم : 2813 / ص : 499 / صحيح .

( * ) وأتجـروا ---> افتعـل مـن الأجـر الـذي هـو الثـواب .

وفـي نسـخة : واتَّجِـرُوا (1) ---> افتعـل مـن التجـارة ـ التجـارة مـع الله وليـس البيـع والشـراء ، لأنـه يحـرم بيـع شـيء مـن الأضحيـة .

مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 112 / بتصرف .

* ومـن ذلـك " النـون المشـددة " ، هـذه تفيـد التعليـل كمـا فـي قـول النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " إِنَّهـا ليسـت بنجـس ، إنَّهـا مـن الطوافيـن عليكـم والطوافـات " .

* كذلـك " لام التعليـل " كمـا فـي قولـه تعالـى :

{ كِتَـابٌ أَنزَلْنَـاهُ إِلَيْـكَ مُبَـارَكٌ لِّيَدَّبَّـرُوا آيَاتِـهِ وَلِيَتَذَكَّـرَ أُوْلُـوا الأَلْبَـابِ } . سورة ص / آية : 29 .

* ومـن ذلـك " البـاء " كمـا فـي قولـه تعالـى :

{ فَبِظُلْـمٍ مِّـنَ الَّذِيـنَ هَـادُواْ حَرَّمْنَـا عَلَيْهِـمْ طَيِّبَـاتٍ أُحِلَّـتْ لَهُـمْ ... } . سورة النساء / آية : 160 .

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) حاشية سنن أبي داود / تحقيق الشيخ الألباني / حديث رقم : 2813 / ص : 499 .

وغيـر ذلـك مـن الألفـاظ التـي إذا جـاءت فـي الكتـاب أو السـنة دلـت علـى التعليـل .

منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .

وهـذه القاعـدة المشـار إليهـا هـي قاعـدة أغلبيـة لا مُطَّـرِدة .

وقـد اتفــق عليهـا الفقهــاء ، قالـه ابـن النجــار فـي : " شــرح مختصــر التحريـر " ، وبنحـوه قـال الشـاطبي فـي : " الموافقـات " .

مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 112 .

* وإنمـا قيـل أن هـذه القاعـدة هـي قاعـدة أغلبيـة لا مُطَّـرِدَة ، لأن لهـا اسـتثناءات ، وهـي ترجـع إلـى مجموعـة أمـور

أولها:

مـا كـان لـه ـ يعنـي الحكــم ـ أكثـر مـن عِلـة ؛ فـإن انتفــاء بعـض تلـك العلـل لا يوجـب انتفـاء الحكـم ، كالحـدث ببـول وغائـط ، فإنـه يوجـب عـدم الصـلاة حتـى يرتفـع الحـدث ، فلـو انتفـت عِلـة البـول ، فـلا يعنـي ذلـك جـواز مباشـرة الصـلاة وصحتهـا ؛ لأنـه قـد يوجـد علـة أخـرى ـ مثـل الغائـط ـ تمنـع مـن الصـلاة .

وثانيهــا :

هـو الحكـم الـذي بقـي مـع انتفـاء علتـه .

ومثالــه : الرَّمَـل ـ عنـد طـواف القـدوم ـ ، فـإن علتـه إظهـار النشـاط للكفـار ، وأن حُمَّـى يثـرب لـم تُصِـب النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وأصحابـه ، غيـر أن هـذه العلـة انتفـت وبقـي الحكـم ، ويـدل عليـه فعـل النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ للرَّمَـل فـي حجـة الـوداع .

وثالثهـــا :

مـا كـان الحكـم مبنيًّـا علـى علـة ظنيـة .

ومثالـه : الرخـص المتعلقــة بالسـفر ؛ لأنـه مظنــة المشـقة ، فـإن أحكـام الرخـص تسـتمر ولـو لـم توجـد تلـك العلـة ، وهـي المشـقة لكونهـا ظنيـة ، قالـه شـيخ الإسـلام ـ رحمه الله ـ فـي " مجمـوع الفتـاوى " .

مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 113 .

ويدخـل تحـت هـذه القاعـدة مسـائل كثيـرة ، منهـا :

* أن المشـقة عُلِّـق عليهـا أحكـام كثيـرة مـن التخفيفـات بـ : الصـلاة والزكـاة ، والصـوم ، والحـج ،

والعمـرة ، ونحوهـا مـن الأحكـام ، إذا وجـدت المشـقة : حصلـت التخفيفـات المرتبـة عليهـا ، وإذا عُدِمَـت المشـقة عُدِمَـت هـذه الأحكـام ، وتفصيـل المشـقة معـروف فـي كتـب الفقـه .

* ومـن ذلـك :

التكليـف ، وهـو : البـلوغ ، والعقـل : علِّـق عليـه أمـور كثيـرة مـن : الوجـوب فـي العبـادات ، وصحـة العقـود فـي المعامـلات ، ووجـوب القَـوْد (1) فـي الجنايـات ، ووجـوب الحـدود ، والعقوبـات كلهـا معلقـة بالتكليـف : تثبـت بوجــوده ، وتنتفـي بعدمـه ، وكذلـك التمييـز ، والعقــل . والإسـلام : شـرط لصحـة جميـع العبـادات ، لا تصـح إلا بهـا ، بـل جميـع شـروط الأحكـام داخلـة تحـت هـذا الأصـل .

رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 42 .

o تعقيـــب :

ليـس معنـى هـذه القاعـدة أن كـل حكـم لابـد لـه مـن عِلـة ، بـل هنـاك بعـض الأحكـام التـي لا يُعلـم لهـا عِلـة ـ فـلا يفهـم العلمـاء لهـا حكمـة بينـة ـ ، ويسـمونها الأحكـام التعبديـة ، أي : علينـا أن نتعبـد بـه ، وإن لـم نفهـم حكمتـه .

فنحـن نؤمـن ويجـب أن نؤمـن بأنـه مـا مـن شـيء شـرعه الله إلا ولـه حِكمــة ، إن حـرَّم شـيئًا فلـه حكمـة وإن لـم نعلمهـا ، وإن أوجـب شـيئًا فلـه حكمـة وإن لـم نعلـم الحكمـة ؛ لأنـه سـبحانه وتعالـى لا يخلـق شـيئًا عبثًـا ولا لعبًـا ولا لهـوًا ولا باطـلاً ، وإنمـا يشـرع الأشـياء لحكمـة ، لكـن لقصـور عقولنـا قـد لا نفهـم هـذه الحكمـة ، وعـدم فهمنـا لا يعنـي انتفاءهـا .

القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة / للسعدي / تعليق : العثيمين / ص : 199 .

* عـن عابـس بـن ربيعـةَ ، قـال : رأيـتُ عمـر بـن الخطـاب يُقَبِّـلُ الحجـرَ ، ويقـول : إنـي أقبلـك وأعلـم أنـك حجـرٌ ، ولـولا أنـي رأيـتُ رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقبلـكَ لـم أُقبلـك .

سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 7 ) ـ كتاب : الحج عن رسول الله ـ صلى الله عليه

وعلى آله وسلم ـ / ( 37 ) ـ باب : ما جاء في تقبيلَ الحجر / حديث رقم : 860 / ص : 209 / صحيح .

=============

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) القَوَدُ : أي : القِصاص . ( المعجم الوجيز / ص : 519 ) .

39 ـ وَكُــلُّ شَــرْطٍ لاَزمٌ لِلعَاقِـــدِ فـي البَيْــعِ وَالنِّكــاحِ والمَقَاصِــدِ

40 ـ إِلاَّ شُــرُوطًا حَلَّلَــت مُحرَّمـًا أو عَكْسَـــهُ فَبَاطِـــلاَتٌ فَاْعلَمَــا

( للعاقـد ) : اسـم فاعـل مـن العقـد .

والعقـد لغـة : الجمـع بيـن أطـراف الشـيء 0 ويسـتعمل فـي :

الأجسـام : كعقـد الحبـل .

وفـي المعنـي : كعقـد النكـاح وعقـد البيـع . ومنـه قولـه تعالـى :

{ ... وَلاَ تَعْزِمُـواْ عُقْـدَةَ النِّكَـاحِ حَتَّـىَ ... } . سورة البقرة / آية : 235 .

وقولـه تعالـى : { ... أَوْفُـواْ بِالْعُقُـودِ ... } . سورة المائدة / آية : 1 .

والمـراد بالعقـود كـل مـا يُتفـقُ عليـه مـن الأفعـال .

منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .

العاقـد : هـو مـن يصـح منـه الإيجـاب والقبـول ، وهـو كـل بالـغ عاقـل رشـيد .

منظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : الشيخ عبيد الجابري / ص : 44 .

( البيـع) : هـو إعطـاءُ المثَمَّـنِ وأخـذُ الثَّمَـنِ ، والشـراء ؛ هـو إعطـاء الثَّمـنِ وأخـذُ المثَمَّـنِ ، وقـد يُطلـق أحدهمـا علـى الآخـر ، ولكـن الأصـل هـو الأول .

( النكـاح ) : هـو فـي الأصـل العقـد ، ويُطلـق علـى الجمـاع كنايـةً .

والنكـاح شـرعًا : عقـد علـى اسـتباحة البُضْـع " قصـدًا " " بوجـهٍ شـرعيٍّ " .

وقولهـم " قصـدًا " ؛ لإخـراج اسـتباحة البُضـعِ بملـك اليميـن ، فـإن المقصـود الأصلـي هـو مِلـك الرقبـة ـ وليـس النكـاح ـ .

وقولهـم " بوجـه شـرعي " ؛ لإخـراج الزنـا الحاصـل باتفـاق الطرفيـن .

والمعنـى : أن الأصـل فـي الشـروط والعقـود اللـزوم ، فكـل شـرطٍ وعقـدٍ فيـه مصلحـةٌ للطرفيـن أو لأحدهمـا ، فإنـه يكـون صحيحًـا ، ويَلـزَمُ الطرفيـن الوفـاء بـه مـا لـم يكـن مخالفًـا للشـرع بتحليـل الحـرام أو تحريـم الحـلال ، فإنـه يُحكـم عليـه بالبُطْـلانِ .

منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .

وهـذا في جميـع المعامـلات من بيـع وإجـارة والعقـود الأخـرى كالشـركات والنكـاح والوقـف والوصايـا . منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : عبيد الجابري / ص : 44 .

وهـذا أصـل كبيـر وقاعـدة كليـة فـي الشـروط الصحيحـة والشـروط الباطلـة .

رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 43 .

وحاصـل كـلام الناظـم ـ رحمه الله ـ يرجـع إلـى قاعدتيـن ذكرهمـا الفقهـاء :

الأولـــى : " أن الشـرط لازم فـي العقـد " .

الثانيـــة : " أن كـل شـرط باطـل لا يصـح " .

وهاتـان القاعدتـان مبنيتـان علـى حديثيـن همـا :

ـ فأمـا الأول :

* عـن ابـن عبـاس قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " كـل شـرطٍ ليـس فـي كتـاب الله تعالـى فهـو باطـل ، وإن كـان مائـة شـرط " .

رواه البزار والطبراني . صحيح الجامع ... / الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 4530 / ص : 833 .

قـول الرســول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ [ كـل شـرطٍ ليـس فـي كتــاب الله تعالـى فهـو باطــل ،

" وإن كـان مائـة شـرطٍ " ليـس معنـاه أن كل شـرط ليـس موجـودًا في كتـاب الله فهـو باطـل ، وإنمـا المقصـود كـل شـرط يخالـف ما نـص عليـه كتـاب الله ، ومنـافٍ لـه ، ومعـارض لـه ، فهـو باطـل ] .

فليـس لأحـد أن يقـول مثـلاً : هـذا الشـرط باطـل ، لأنـه ليـس فـي كتـاب الله ، أي لـم يُنَـص عليـه فـي كتـاب الله . لا : أنـت عليـك أن تثبـت أن هنـاك فـي كتـاب الله مـا يَـرُدّ هـذا الشـرط أو يُعارضـه أو ينافيـه .

شرح القواعد الفقهية

ـ وأمـا الثانــي :

* عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " المسـلمون علـى شـروطهم " .

رواه أبو داود . وصححه الألباني في : الإرواء ( 1303 ) ، وفي صحيح الجامع

الصغير وزيادته / الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 6714 / ص : 1138 .

* وعـن رافـع بـن خديـج قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " المسـلمون عنـد شـروطهم فيمـا أُحِـلَّ " .

رواه الطبراني . صحيح الجامع ... / الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 6715 / ص : 1138 .

* وعـن أنـس قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " المسـلمون عنـد شـروطهم ، مـا

وافـق الحـق مـن ذلـك " . رواه الحاكم .

صحيح الجامع ... / الهجائي / ج : 2 / حديث رقم : 6716 / ص : 1138 .

وأهـم الشـروط التـي يلـزم الوفـاء بهـا شـروط النكـاح كمـا قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :

* " إن أحـقَّ الشـروط أن توفـوا بـه ، مـا اسـتحللتم بـه الفـروج " .

رواه أحمد . عن عقبة بن عامر . وصححه الشيخ الألباني في : صحيح الجامع ... /

الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 1547 / ص : 322 .

أنــواع الشـروط مـن حيـث الصحـة والبطـلان :

الشـروط فـي جميـع العقـود نوعـان : صحيحـة ، وفاسـدة ।

* فأمـا الصحيحـة : فهـي كـل شـرط اشـترطه المتعاقـدان ، لهمـا أو لأحدهمـا فيـه مصلحـة ، وليـس فيـه محـذور مـن الشـارع ، ويدخـل فـي هـذا جميـع الشـروط فـي البيـع ، والشـروط فـي الإجـارة والجَعَالـة ، والشـروط فـي الرهـون والضمانـات ، والشـروط فـي النكـاح وغيرهـا مـن الشـروط علـى اختــلاف أنواعهـا ، فإنهـا شـروط لازمــة للمتعاقِدَيْـن ، إذا لـم يــف أحدهمـا بمـا عليـه منهـا كـان

للآخـر الفسـخ .

والشـرط إمـا لفظـيٌّ ، وإمـا عرفـي ، وإمـا شـرْعيٌ .

ـ الشـرط اللفظـي : هـو مـا اتفـق عليـه لفظـًا .

ـ الشـرط العرفـي : مـا سُـكِت عنـه ، فيسـري مـا تعـارف عليـه النـاس . مثـل : إذا اشـترك شـخصان ، أحدهمـا بـرأس المـال ، والثانـي بـإدارة الأعمـال ( أي بالجهـد ) ، فالعُـرْف تقسـيم الأربــاح بنسـبة 2 : 3 لصاحـب رأس المـال ، 1 : 3 للآخـر .

ـ الشـرط الشـرعي : هـو مـا فيـه نـص مـن الشـرع . مثـل شـروط الإرث ( مـوت المـوَرِّث ، وتحقـق حيـاة الـوارث حيـن وفـاة المـوَرِّث ) .

· وأمـا الشـروط الفاسـدة : فهـي التـي تضمنـت : تحليـل حـرام أو تحريـم حـلال .

والشـروط التـي هـذا شـأنها ـ أعنـي إباحـة الحـرام أو تحريـم الحـلال ـ هـذه فاسـدة ، ثـم منهـا مـا يُفسـد العقـد ، ومنهـا مـا يَفْسَـد بنفسـه مـع صحـة العقـد . إذًا الشـروط الفاسـدة قسـمان :

القسـم الأول : مـا يفسـد العقـد مـع فسـاده ।

وذلـك إذا كـان شـرط البائـع أو المشـتري أو أحدهمـا يعطــل ركنًـا مـن أركـان العقـد فإنـه يبطــل

العقـد بالكليـة ، كمـا لـو اشـترط عليـه أن يبيعـه مجهـولاً يُعلـم .

أو اشـترط البائـع علـى المشـتري فـي عقـد البيـع أن لا يتملَّـك السـلعة ، وإنمـا كـان ذلـك الشـرط الباطـل مبطـلاً للعقـد ، لأنـه يناقـض ركنـه ومقصـده الـذي لأجلـه شُـرع العقـد .

القسـم الثانـي : مـا يفسـد الشـرط فـي نفسـه ويبقـى العقـد صحيحًـا :

إذا كـان الشـرط لا يبطـل العقـد صـح العقـد وبطـل الشـرط ؛ فلـو قـال لـك شـخص : بعتُـكَ ـ هـذا البيـت ـ علـى أن لا تؤجـره ، ولا تبيعـه ، ولا تسـكن الطابـق العلـوي منه ، قـل : جـزاك الله خيـرًا قبلـت ، فهـذا شـرط فاسـد مـع صحـة العقـد ، لأنـه ليـس لـه منـع المشـتري ، لأنـه باعـه إيـاه ، فليـس لـه سـلطان عليـه بعـد البيـع .

والغريـب أن هـذا سـائر عنـد بعـض التجـار ، يبيعهـم سـلعة معينـة ويشـترط ألا يزيـدوا كـذا ، خذهـا

منـه وبـع كمـا شـئت أنقـص أو زد لا يملـك هـذا .

منظومة القواعد ... / شرح : د . عبيد الجابري / بتصرف .

منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .

س : " العقـد شـريعة المتعاقديـن " ، هـل هـذه القاعـدة صحيحـة ؟

ج : " العقـد شـريعة المتعاقديـن " يلتفـت فيهـا أو يلحـظ عليهـا مـن جانبيـن :

الجانـب الأول :

أنـه ليسـت هـذه القاعـدة مطلقـة ، بـل لابـد مـن تقييدهـا بعـدد مـن القيـود منهـا :

أن يكـون ذلـك العقـد غيـر مخالـف لشـيء مـن الديـن .

الثانـي : اسـتعمال لفظـة " شـريعة " فإنـه المـراد بالشـريعة :

الأمـر الواسـع والأحكـام العامـة ؛ لذلـك يقـال مثـلاً لمـورد المـاء الكبيـر ، الـذي يـرد عليـه جميـع النـاس فـي محـل واحـد فـي لغـة العـرب : " شـريعة " .

فإطـلاق لفـظ " الشـريعة " علـى العقـود هـذا لا يصـح مـن جهـة مخالفتـه للمعنـى اللغـوي ، وكذلـك مـن جهـة مخالفتـه للمعنـى الشـرعي ، فـإن لفظـة " شـريعة " يـراد أن تكـون منسـوبة للشـارع ، والعقـود منسـوبة للمتعاقديـن وليسـت للشـارع .

منظومة القواعد ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري .

o تعقيـــب :

الأصـل فـي الشـروط والعقـود اللـزوم ، فكـل شـرط وعقـد فيـه مصلحـة للطرفيـن أو لأحدهمـا ، فإنـه

يكـون صحيحًـا ، ويَلْـزمُ الطرفيـن الوفـاء بـه ، مـا لـم يكـن مخالفًـا للشـرع بتحليـل الحـرام أو تحريـم الحـلال ، فإنـه يُحكـم عليـه بالبطـلان .

منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .

=============

41 ـ تُسْـتَعْمَلُ القُرْعَـةُ عِنْـدَ المُبهَـمِ مِـنَ الحُقُــوقِ أَو لَـدَى التَّزاحُـــمِ

( القُرْعَـةُ ) :

ترجـع إلـى مـادة ( قَـرَعَ ) ، ولهـا معـانٍ مذكـورة فـي كتــب المعجمـات ، " كالصِّحَـاح " للجوهـري ، و " القامـوس " للفيـروز آبـادي .

معناهـا فـي اللغــة : السـهم والنصيـب ، والاقتـراع والاسـتهام : يُقـال : تقـارع القـومُ ، واقترعـوا أي

ضربـوا القِـدَاح ونحوهـا لتعييـن الحـق أو صاحبـه .

فالمقصـود هنـا : هـي صفـة معروفـة تسـتعمل عنـد إرادة اختيـار شـيء دون قصـد التعييـن الْمُسْـبَق ، قالـه القرافـي فـي : " الفـروق " .

مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 116 / بتصرف .

والقواعد الفقهية بين الأصالة ... / ص : 292 .

وقيـل : يـراد بالقرعـة : ضـرب السـهام ، بحيـث يُجعـل أحـد تلـك السـهام مميـزًا بعلامـة أو بنحوهـا ، فمـن خرجـت لـه القرعـة أو ذلـك السـهم المميـز ، اسـتحق مـا جعـل علـى القرعـة .

منظومة القواعد ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري .

( المُبهَـمِ ) : اسـم مفعـول مـن الإبهـام ، وهو ضـد التعييـن للشـيء . فهـو المجهـول غيـر المعيـن .

( الحُقُــوقِ ) : جمـع حـق ، والمـراد بـه عنـد الفقهـاء : كـل ما يثبـتُ للشـخصِ مـن منافـع ومميـزاتٍ ، وقـد يكـونُ مجـرد أمـر اعتبـاريٍّ كحـق الطـلاق والولايـة .

منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .

( التَّزاحُـــمِ ) : مـن الازدحـام ، وهـو ضـد السَّعَـة ، وفيـه معنـى التضايـق والتحاشـر .

مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 116 .

والقرعـة تسـعمل إذا جُهـل المسْـتَحِق لحـق مـن الحقـوق ، ولا مِزْيَـة لأحدهمـا علـى الآخـر ، أو حصـل

التزاحـم فـي أمـر مـن الأمـور ولا مرجـح لأحدهمـا .

o فـائـــدة :

القرعـة تسـتخدم عنـد الإبهـام فـي حقـوق الخلـق ، أمـا عنـد الإبهـام فـي حقـوق الله فإنـه لا يشـرع اسـتعمال القرعـة ، مثـل : مـن نسـى صـلاة مـن صلـوات أمـس ، فـلا يقـال اسـتعمل القرعـة بيـن هـذه الصلـوات ، لأصلـي الصــلاة الفائتـة ـ لإبهامهـا لديـه ، لا يجــوز هـذا وإنمـا يقــال : يجـب عليـك أن تصلـي الخمـس صلـوات جميعًـا ، لأن الصـلاة المبهمـة سـتكون واحـدة منهـن .

شرح منظومة / ... / سعد بن ناصر الشثري .

والمقصـود مـن كـلام الناظـم ـ رحمه الله ـ ، هـو أن القرعـة تسـعمل فـي حالتيـن اثنتيـن :

الأولـــى :

عنـد انبهـام شـيءٍ مـن الحقـوق .

ومثالهـا : إذا طلـق الـزوج زوجـة مبهمـة ولـه زوجـات ، فإنـه يقـرع بينهـن .

الثانيـــة :

عنـد تزاحـم بعـض المكلفيـن علـى شـيء .

ومثالهـا : إذا تزاحـم اثنـان علـى الأذان أو الإقامـة . فإنـه يُقـرَع بينهمـا .

وشـرط القرعـة هنا أن يسـتويا ، بحيـث لا يكـون لأحدهمـا فضـلٌ علـى الآخـر مـن الجهـة الشـرعية . وهـذا قطـع بـه جمهـور الفقهـاء .

مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 116 .

وتحـت هـذه القاعـدة دلائـل كثيـرة ، منهـا : إذا تَشَـاحّ اثنـان فـي الأذان ، أو الإقامـة ، أو الإمامـة فـي

الصـلاة ، أو صـلاة الجنـازة ، وليـس أحدُهمـا أولـى مـن الآخـر ، فإنـه يقـرع بينهمـا .

وكذلـك إذا تنـازع اثنـان لقطـة ، أو لُقَيطـًا ، أو مكانـًا ، ونحـوه ، ولا مُرجِّـح لأحدهمـا علـى الآخـر ،

فإنهـا تسـتعمل القرعـة .

رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 44 .

حكـم القرعـة :

القرعـة مشـروعة باتفـاق الفقهـاء ، ودليـل مشـروعيتها مـن الكتـاب والسـنة .

ـ فقـد ذُكـرت " القرعـة " فـي القـرآن الكريـم بموضعيـن :

§ قـال تعالـى : { ... وَمَـا كُنـتَ لَدَيْهِـمْ إِذْ يُلْقُـون أَقْلاَمَهُــمْ أَيُّهُـمْ يَكْفُــلُ مَرْيَـمَ وَمَـا كُنــتَ لَدَيْهِـمْ إِذْ يَخْتَصِمُـونَ } . سورة آل عمران / آية : 44 .

" يُلْقُـونَ أَقْلاَمَهُـمْ " ---> ألقـوا أقلامهـم اقتراعًـا 0 قيـل فـي صفـة القرعـة التـي اقترعوهـا :

فاقترعـوا وجعلـوا أقلامهـم فـي المـاء الجـاري ، علـى أن مـن وقـف قلمـه ولـم يجـر مـع المـاء فهـو صاحبهـا ـ أي هـو الـذي يكفـل مريـم ـ ، فجـرت أقلامهـم ووقـف قلـم زكريـا .

نفحة العبير من زُبدة التفسير / ص : 135 / بتصرف .

§ وقـال تعالـى : { إِذْ أَبَـقَ (1) إِلَـى الْفُلْـكِ الْمَشْـحُونِ * فَسَـاهَمَ فَكَـانَ مِـنْ الْمُدْحَضِيـن (2) } .

سورة الصافات / آية : 140 ، 141 .

" فَسَـاهَمَ " ---> أي ضربـت القرعـة بيـن الراكبيـن ليلقـوا بعضهـم فـي البحـر خوفًـا مـن غـرق السـفينة ـ لثقـل وزنهـا ـ . نفحة العبير من زُبدة التفسير / ص : 1096 .

هـذا فـي شـرع مـن قبلنـا وجـاء فـي سـنة نبينـا مـا يؤيـده ليكـون مـن شـرعنا أيضًـا 0

ـ ففـي السـنة ذُكـرت القرعـة فـي سـتة مواضـع ، منهـا :

* عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عَـرَضَ علـى قـوم اليميـن

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) أبق ---> أي هرب من قومه لما ضاق صدره لعدم استجابتهم لدعوته ، فوجد سفينة مبحرة فركب فيها وكانت حمولتها أكبر من طاقتها فوقفت في عرض البحر ... فرأى رُبَّان السفينة أنه لابد من تقليل الشحنة وإلا غرق الجميع .

( 2 ) من المدحضين : أي المغلوبين في القرعة ، فرموه في البحر فالتقمه الحوت .

أيسر التفاسير ... / ص : 1094 / بتصرف .

فأسـرعوا ، فأمـر أن يُسْـهَمَ بينهـم فـي اليميـن أيهـم يحلـف .

صحيح البخاري . متون / ( 52 ) ـ كتاب : الشهادات / ( 24 ) ـ باب : إذا

تسارَعَ قومٌ في اليمين / حديث رقم : 2674 / ص : 310 .

وقيـل صـورة الاشـتراك فـي اليميـن :

أن يتنـازع اثنـان عينًـا ليسـت فـي يـد واحـد منهمـا ، ولا بَيِّنَـة لواحـد منهمـا ، فيقـرع بينهمـا ، فمـن خرجـت لـه القرعـة ؛ حلـف واسـتحقها .

فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 5 / ( 52 ) ـ كتاب : الشهادات / ( 24 ) ـ باب :

إذا تسارع قوم في اليمين / شرح حديث رقم : 2674 / ص : 338 .

* عـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ قالـت : كـان رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إذا أراد سـفرًا أقْـرع بيـن نسـائه فأيتهـن خـرج سـهمُها خـرج بهـا معـه ، وكـان يقسـم لكـل امـرأةٍ منهـن يومهـا وليلتهـا غيـر أن سـودةَ بنـت زمْعَـةَ وهبـت يومهـا وليلتهـا لعائشـة زوج النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ تبتغـي بذلـك رضـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .

صحيح البخاري . متون / ( 51 ) ـ كتاب : الهبة وفضلها والتحريض عليها / ( 15 ) ـ باب : هبة المرأة

لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج ... / حديث رقم : 2593 / ص: 298 .

* عـن أبـي صالـح عـن أبـي هريـرة أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " لـو يعلـم النـاس مـا فـي النـداء والصـف الأول ثـم لـم يجـدوا إلا أن يسـتهموا عليـه لاسـتهموا ولـو يعلمـون مـا فـي التهجيـر لاسـتبقوا إليـه ، ولـو يعلمـون مـا فـي العتمـةِ والصبـحِ لأتوهمـا ولـو حبـوًا " .

صحيح البخاري . متون / ( 10 ) ـ كتاب : الأذان / ( 9 ) ـ باب : الاستهام في الأذان / حديث رقم : 615 / ص : 76 .

ـ الحِكمـة فـي مشـروعية القرعـة :

تطبيـب القلـوب ، وإزاحـة تهمـة الميـل إلى أحد المتنازعيـن ، وإزالـة الحيـرة عند التسـاوي والإبهـام .

القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 292 / بتصرف .

القواعد والأصول الجامعة ... / ص : 128 / بتصرف .

وقيـل أيضًـا : المقصـود مـن القرعـة فـض المنازعـة ، وسـد بـاب العـداوةِ بالرجـوع إلـى قـدر الله واختيـاره ، ومعلـوم أن أصـل العـداوة هـو التزاحـم علـى غـرض واحـد .

منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .

ـ حظـــر :

لا تجـري القرعـة في شـيء تَعَيَّـن فيه المصلحـة أو الحـق ، لأن فـي القرعـة حينئـذ ضياعًـا لذلـك الحـق وتلـك المصلحـة .

فـإذا عُلـم اشـتراك شـخصين فـي عيـن أو دَيْـن ، وأرادا القرعـة لمـن يكـون لـه الشـيء ، فـإن هـذا مـن الميسـر ـ والمقامـرة ـ (1) .

لأنـه يكـون أحدهمـا غـارم والثانـي غانـم . مثـلاً : كـل منهمـا مشـترك فـي هـذه العيـن ، يعنـي بينهمـا سـيارة ، فقـال أحدهمـا للآخـر : نقـرع أينـا تكـون لـه السـيارة كاملـة . هـذا حــرام ، هـذا مـن الميسـر .

كذلـك إذا كـان بينهمـا شـيء مناصفـة ، ثـم قسـماه أثلاثًــا وجعـلا ثلثيـن جانبًـا وثلثًـا جانبًـا ، وقـالا : نقـرع ـ ليحظـى أحدهمـا بالثلثيـن والآخـر بالثلـث دون مرجحـات ـ هـذا لا يجـوز لأنـه ميسـر . فلابـد مـن التسـاوي .

القواعد والأصول الجامعة ... / ص : 130 / بتصرف .

القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 293 .

==============

42 ـ وإِنْ تَسَـاوى العَمَـلانِ اجْتَمَعَـا وَفُعِـــلَ أَحَدُهُمَــــا فَاسْـــتَمِعَا

هـذه قاعـدة يقـال لهـا : " قاعـدة التداخـل " ।

قـال ابـن رجـب الحنبلـي ـ رحمه الله ـ فـي كتابـه الجليـل ( تقريـر القواعـد وتحريـر الفوائـد ... ) :

إذا اجتمعـت عبادتـان مـن جنـس ـ واحـد ـ فـي وقـت واحـدٍ ليسـت إحداهمـا مفعولـة علـى جهـةِ القضـاء ، ولا علـى طريـق التبعيـة للأخـرى فـي الوقــت ، تداخلـت أفعالُهمـا ، واكْتُفِـيَ فيهمـا بفعـلٍ واحـدٍ . ا . هـ .

أقسـام تداخـل العبـادات :

أ ـ قسـم لا يصـح فيـه تداخـل العبـادات :

وهـو فيمـا إذا كانـت العبـادات مقصـودة بنفسـها ، أو تابعــة لغيرهـا ، [ أو إذا كانـت إحداهمـا

-----------------------------------------------------------------------------

( 1 ) هذا بخلاف إذا عُلم اشتراك شخصين في عين أو أي حق ، ثم تنازل أو وهب أحدهما حقه للآخر بالتراضي أو بنفس راضية ، هذا لا شيء فيه شرعًا .

مفعولـة علـى وجـه القضـاء ] .

مثـــال ذلــك :

إنسـان فاتتـه سـنة الفجـر طلعـت الشـمس ، وجـاء وقـت صـلاة الضحـى ، فهنـا لا تجـزئ سـنة الفجـر عـن صـلاة الضحـى ، ولا الضحـى عـن سـنة الفجـر ، ولا الجمـع بينهمـا أيضًـا ، لأن سـنة الفجـر مسـتقلة ، وسـنة الضحـى مسـتقلة ، فـلا تجـزئ إحداهمـا عـن الأخـرى .

كذلـك إذا كانـت الأخـرى تابعـة لما قبلهـا ، فإنها لا تتداخـل ، فلـو قـال إنسـان : أنا أريـد أن أنـوي بصـلاة الفجـر صـلاة الفريضـة والراتبـة ، قلنـا : لا يصـح هـذا ، لأن الراتبـة تابعـة للصـلاة فلا تجـزئ عنهـا .

مجموع فناوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين / ج : 20 / كتاب : الصيام .

تقرير القواعد وتحرير الفوائد / لابن رجب .

ب ـ قسـم يصـح فيـه تداخـل العبـادات :

إذا اجتمـع عمـلان مـن جنـس واحـدٍ وكانـت صورتهمـا متفقـة تداخـلا واكتفـي بأحدهمـا عـن الآخـر ، وهـذا علـى ضربيـن :

الضـرب الأول : أن يحصــل لـه بالفعــل الواحـد العبادتـان ( جميعًـا ) ويُشْـتَرطُ أن ينويهُمـا جميعًـا علـى المشـهور .

ومـن أمثلـــة ذلــك :

ـ مـن كـان عادمًـا للمـاء فتيمـم تيممًـا واحـدًا ينـوي بـه الحدثيـن أجـزأه عنهمـا بغيـر خـلاف .

الضـرب الثانـي : أن يحصـل لـه أحـدُ العبادتيـن بنيتهـا ، وتسـقط عنـه الأخـرى .

ومـن أمثلــة ذلــك :

ـ إذا دخـل المسـجد وقـد أقيمـت الصـلاة فصلـى معهـم ، سـقطت عنـه التحيـة .

ـ إذا قَـدِمَ المعتمـر مكـة ، وطـاف للعمـرة ، سـقط عنـه طـواف القـدوم .

منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .

ضوابـط هـذه القاعـدة :

ممـا سـبق تتلخـص ضوابـط هـذه القاعـدة ـ " قاعـدة التداخـل " ـ فـي :

يجـوز تداخـل العبـادات التـي تتوفـر فيهـا الشـروط الآتيـة :

1 ـ إذا كـان المقصـود ـ مـن العبادتيـن ـ واحـدًا ، وهـو أن يأتـي بهـا للعبـادة بقطـع النظـر عـن كونهـا مسـتقلة أو لعبـادة أخـرى .

2 ـ أنهمـا مـن جنـس واحـد .

3ـ أن إحداهمـا ليسـت تابعـة للأخـرى [ ولا مفعولـة علـى جهـة القضـاء ] . فـإن كانـت تابعـة للأخـرى فإنهـا لا تجـزئ عنهـا ، كسـنة الفجـر مثـلاً مـع صـلاة الفجـر ، فـلا تجـزئ صـلاة الفجـر عـن سـنة الفجـر ، لأن السـنة تابعـة لهـا .

القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة / ص : 168 / بتصرف .

ـ ومـن أمثلـة ذلـك :

· إنسـان دخـل المسـجد بعـد أن أُذِّن للظهـر ، وكـان قـد توضـأ قريبًـا ، فهنـا هـو مطالَـب : بسـنة الوضـوء ، وبتحيـة المسـجد ، وبراتبـة الظهـر القبليـة .

فهـل إذا صلـى ركعتيـن تجـزئ عـن الجميـع ؟ .

الجــواب : نعــم ؛ لأن المقصـود واحـد وهـو أن يأتـي بركعتيـن بعـد الوضـوء ، وأن يأتـي بركعتيـن عنـد دخـول المسـجد ، وأن يأتـي بالراتبـة .

وهنـا نقــول : إمـا أن ينـوي هـذه العبــادات جميعًـا فيحصــل لـه ثـواب الجميــع ، وإمـا أن ينـوي واحـدة منهـن فهـذه تُنظـر ؛ إن نـوى الراتبـة أجـزأت عـن الباقـي أي أجـزأت عـن تحيـة المسـجد وسـنة الوضـوء . وإن نـوى سـنة الوضـوء أجـزأت عـن سـنة الوضـوء وعـن تحيـة المسـجد لأنـه حصـل المقصـود ، لكـن لا تجـزئ عـن الراتبـة ، لأن المقصـود هنـا وجـود ركعتيـن قبـل الصـلاة مسـتقلتين .

وأمـا صــلاة الاسـتخارة : فهـذا فيـه احتمــال أن تكـون صـلاة الاسـتخارة مقصـودة بذاتهـا ، فيصلـي لأجـل الاسـتخارة ركعتيـن ، ويقـول بعدهمـا دعـاء الاسـتخارة । ويُحتمـل أن تكـون داخلـة فـي هـذا فيكـون هـذا الرجـل الـذي دخـل المسـجد بعـد الوضـوء ، يكـون مطالبًـا بسـنة الوضـوء ؛ وسـنة دخـول المسـجد ؛ والراتبـة ؛ والاسـتخارة ، فينـوي بذلـك أربـع نوافـل , وقـد يتأيـد دخـول صـلاة الاسـتخارة فـي ذلـك بقـول النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " إذا هَـمَّ أحدكـم بالأمـر فليركـع ركعتيـن مـن غيـر الفريضـة ... " . الحديـث .

سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 5 ) ـ كتاب : إقامة الصلاة والسنة فيها /

( 188 ) ـ باب : ما جاء في صلاة الاستخارة / حديث رقم : 1383 / ص : 245 / صحيح .

فإنـه يَصْـدُق علـى هـذا أنـه صلـى ركعتيـن مـن غيـر الفريضـة .

قـال الشـيخ الألبانـي فـي لقاءاتـه مـع بعـض طلبتـه :

تحيـة المسـجد يختلـف حكمهـا ، فهـي ليسـت جمـع عبادتيـن بنيتيـن ، فتحيـة المسـجد مقرونـة بعلـة عـدم الجلـوس إلا بعـد الصــلاة فهـذا الـذي صلـى فـرض الفجــر ـ بمجــرد دخولـه المسـجد ، ولـم يصـلِّ تحيـة المسـجد ـ هـذا صَـدَقَ عليـه أنـه جلـس بعـد الصـلاة . فهـذه مسـألة تختلـف عما سـبق ، فقـد قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :

" إذا دخـل أحدُكـم المسـجد فـلا يجلـس حتـى يصلـي ركعتيـن " .

فليـس المطلـوب حتمًـا ركعتيـن مخصوصتيـن لتحيـة المسـجد .

لـذا مـن كـان يـرى وجـوب تحيــة المسـجد ، ورغـم ذلـك صلـى الفجـر أو أي صـلاة بمجـرد دخـول المسـجد دون أن يصلـي تحيــة المسـجد ، فهـذا يجـزئ وليـس فـي هـذه الصـورة نقـض لمـا سـبق وهـو أن الواجـب لا يغنـي عـن الواجـب . ا . هـ . بتصرف .

· مـن حَلَـفَ عِـدة أيمـان علـى شـيءٍ واحـد وحَنَـثَ فيـه عـدة مـرات قبـل أداء كفـارة اليميـن ، أجزأتـه كفـارة واحـدة عـن الجميـع . فـإن كـان الحَلِـفُ علـى شـيئين فأكثـر وحنـثَ فـي الجميـع ، فـإن الكفـارة تتعـدد بتعـدد المحلـوف عليـه .

وكذلـك إذا كانـت الكفـارات متباينـةٌ مقاصدُهـا ، ككفـارة ظِهـار ، ويميـن بالله ، أو للـوطء فـي نهـار رمضـان وجـب عليـه كفـارات لكـل واحـدةٍ منهـا إذا حنـث .

ولـو تعـدد المحلـوف عليـه واتحـد الحَلِـف ، يعنـي قـال : والله لا أكلـم فلانًـا ولا ألبـس هذا الثـوب ولا أخـرج إلى السـوق ، بيميـن واحـدة ، مـاذا يلزمـه ؟ . يلزمـه كفـارة واحـدة وذلـك لأن اليميـن واحـدة فـلا توجـب أكثـر من كفـارة ، وإن تعـدد المحلـوف عليـه ، فتعـدد الـذوات هنا كتعـدد الصفـات لا تتعـدد بهـا الكفـارة .

القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة / للسعدي / تعليق العثيمين / ص : 170 .

ـ ولـو تَعَـدَّدَ السـهو فـي الصـلاة ، لـم يتعـدد السـجود بـل يكفـي سـجود واحـد للسـهو مهمـا تعـددت بالزيـادة أو بالنقصـان .

القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 135 .

· وكذلـك لـو زنـى بكـر أكثـر مـن مـرة ، يكفـي أن يُقـام عليـه حـد واحـد [ وهـو الجلـد ... ] ، فـإن زنـى بعـد الحـد أُقيـم عليـه حـد آخـر لعـدم اجتماعهمـا .

· ولـو جامـع الرجـل امرأتـه فـي نهــار رمضـان أكثـر مـن مـرة ، لـم تلزمـه إلا كفـارة واحــدة ،

بخـلاف لـو جامـع فـي يـوم آخـر فإنـه تلزمـه كفارتـان ، ولـو جامـع فـي اليـوم الثالـث تلزمـه ثـلاث كفـارات وهكـذا علـى الأصـح مـن أقـوال الفقهـاء ؛ لأن كـل يـوم مـن شـهر رمضـان لـه حرمتـه .

القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 135 .

o تحذيـــر :

لا ينبغـي التوسـع فـي تطبيـق هـذه القاعـدة أو غيرهـا دون الرجـوع لأهـل العلـم .

===============

43 ـ وَكُـلُّ مَشْــغُولٍ فَـلاَ يُشَــغَّلُ مِثَالُـــهُ المَرْهُـــونُ والمُسَـــبّلُ

هـذا معنـى قـول الفقهـاء [ المشـغول لا يشـغل ] وذلـك أن الشـيءَ إذا اشـتغل بشـيءٍ لـم يشـغل بغيـره حتـى يفـرغ مـن هـذا المشـغول بـه ، وذلـك كالرهـن .

وحاصـل كـلام الناظــم ـ رحمه الله ـ أنـه أشـار إلـى قاعــدة اتفـق عليهـا أولـو النظـر والفقـه [ وذلـك باسـتقراء الأحكـام الجزئيـة الدالـة عليهـا (1) ] ، وهـي : أن المشـغول لا يُشـغل .

مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 119 .

( المَشْــغُول ) : ضـد الفـارغ .

( المرهـون ) : مـن الرهـن ، وهـو : توثيـق ديـن بعيـنٍ .

وقـال ابـن سِـيدَه : " الرهـن هـو إيـداع شـيء عنـد إنسـان لإرجـاع حـقٍ لـه " .

المسـبَّل : اسـم مفعـول مـن السـبيل ، والمقصـود مـا جُعـل فـي سـبيل الله تعالـى ، كالوقـف وهـو تحبيـس الأصـل ، وتسـبيل الثمـرة .

والمعنـى أن كـل مشـغول بحـق ، لا يُشغـل بحـق آخـر حتـى يَفْـرُغَ الأول منـه .

منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) ما بين المعكوفتين [ ] تصرف .

بالاسـتقراء جمـع العلمـاء أحكـام جزئيـة نتـج عنهـا هـذه القاعـدة .

وهـذه الأحكـام الجزئيـة علـى سـبيل المثـال وليـس الحصـر هـي :

ـ زوجـة الغيـر ومعتدتـه محرمـة علـى جميـع الرجـال عـدا زوجهـا ، لأنهـا مشـغولة بـه بمقتضـى عقـد الـزواج . فـلا تُشـغَّل بغيـره حتـى تفـرغ مـن هـذا المشـغول بـه 0 لقولـه تعالـى :

{ وَالْمُحْصَنَـاتُ مِـنَ النِّسَـاء إِلاَّ مَـا مَلَكَـتْ أَيْمَانُكُـمْ ... } .

سورة النساء / آية : 23 .

أي حرمـت عليكـم المحصنـات مـن النسـاء ، أي المتزوجـات منهـن ، إلا المسـبيات ، فـإن المسـبية تحـل لسـابيها بعـد الاسـتبراء (1) ، وإن كانـت متزوجـة .

الوجيز في فقه السنة ... / ص : 295 / بتصرف .

ـ لا يحـل لمسـلم أن يخطـب علـى خطبـة أخيـه . ولا أن يبيـع علـى بيعـة أخيـه .

... ابـن عمـر ـ رضي الله عنهما ـ كـان يقـول : نهـى النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أن يبيـعَ بعضكـم علـى بيـع بعـض ، ولا يخطـبَ الرجـل علـى خطبـة أخيـه حتـى يتـرك الخاطـبُ قبلـه أو يـأذنَ لـه الخاطـبُ .

صحيح البخاري . متون / ( 67 ) ـ كتاب : النكاح / ( 45 ) ـ باب :

لا يخطب على خِطبة أخيه ... / حديث رقم : 5142 / ص : 623 .

ـ ومثالـــه : المرهـون لا يُبـاع ولا يوهـب ولا يرهـن حتـى ينفـك الرهـن أو يـأذن الراهـن .

والـدار المؤجـرة لا تؤجـر حتـى تفـرغ المـدة .

وكذلـك المسـبل : وهـو اسـم مفعـول مـن السـبيل ، والمقصـود مـا جُعـل فـي سـبيل الله ـ تعالـى ـ كالوقـف .

فالـذي وضـع فـي سـبيل الله تعالـى كالوقـف لا يُبـاع ، لأنـه مشـغول بالوقـف .

فكـل مشـغول بحـق لا يُشْـغَل بآخـر حتـى يفـرغ الحـق منـه .

مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 21 / بتصرف .

================

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) بعد الاستبراء : أي بعد استبراء الرحم بمرور وقت معروف لمعرفة خلو الرحم من الحمل .

44 ـ وَمَـنْ يُـؤَدِّ عَـنْ أَخِيـهِ وَاجِبـًا لَــهُ الرُّجُــوعُ : إِنْ نَـوَى يُطالِبَــا

المقصـود مـن كـلام الناظـم ـ رحمه الله ـ : أن المـؤدِّي لواجـب مالـي فـي ذمـة مكَلَّـف ـ [ وبـرأت بهـذا الأداء ذمـة المكلَّـف ] (1) ـ ، يجـوز لـه ـ [ أي المـؤدِّي ] (1) ـ أن يرجـع إلـى الشـخص المـؤَدَّى عنـه ، ليأخـذ المـال الـذي أدَّى بـه عنـه ، ولذلـك شـرط ؛ وهـو نيتـه أن يطالبـه بذلـك عنـد الأداء عنـه ، أمـا إذا نـوى عـدم المطالبـة واتُّفِـقَ علـى ذلـك ؛ فـلا يجـوز له مطالبتـه ، وأجـره علـى الله .

مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 120 .

هـذه القاعـدة معقـودة لمـن يـؤدي عـن غيـره واجبًـا مـن الواجبـات ممـا تصـح النيابـة فيـه ، أمـا الـذي لا تصـح النيابـة فيـه كالصــلاة مثـلاً فهـذه لا تدخـل فـي هـذه القاعـدة أصـلاً وأمـا مـا تصـح

النيابـة فيـه فهـذا لا يخلـوا مـن أمريـن :

الأول : مـا يشـترط (2) لـه النيــة ـ [ لإبـراء الذمـة ] ـ ، كالزكــوات والكفـارات ونحوهـا (3) ، فهـذه

ليـس لـه أن يـؤدي عـن غيـره إلا بإذنـه ، لأن هـذا الأداء لا يبـرئ عنـه لاحتياجـه لنيتـه ولـو أداهـا عنـه بـلا إذنـه فإنـه لا يحـق لـه الرجـوع إليـه .

الثانــي : مـا لا يشـترط لـه النيـة ـ [ لإبـراء الذمـة ] ـ مثـل ديـون الآدمييـن مـن القـرض ، وأثمـان السـلع ، والنفقـات ، ... .

منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي / ص : 103 .

فمـن أدى عـن غيـره واجبًـا (4) فلـه ثـلاث حـالات :

الأولـى : أن ينـوي الرجـوع ـ إلـى المـؤدَّى عنـه ـ .

الثانيـة : أن ينـوي التبـرع .

الثالثـة : ألاَّ ينـوي شـيئًا ، أي أدى الواجـب عـن غيـره بقطـع النظـر عـن كونـه

يريـد الرجـوع أو لا

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) ما بين المعكوفتين [ ... ] تصرف .

( 2 ) أي يشترط مع النيابة نية صاحب الواجب الأصلي .

( 3 ) ومما يدخل في هذا القسم : الحج عن الغير ، فإذا كان الإنسان عاجزًا عن الحج ، فلا يجوز أن تحج عنه إذا لم يأذن لك طالما عقله معه .

شرح منظومة ... / سعد بن ناصر الشثري .

( 4 ) واجبًا مما لايشترط فيه نية المؤدَى عنه .

يريـد .

س : فيرجـع فـي حـال واحـدة ، متـى ؟ ! .

ج : إذا نـوى الرجـوع ـ إلـى المـؤدى عنـه ـ رجـع إليـه وطالبـه بمـا أداه عنـه ، ويلـزم المـؤدَّى عنـه السـداد .

فأمـا إذا لـم ينـو الرجـوع فإنـه لا يرجـع . وكذلـك إذا لـم يكـن فـي قلبـه نيـة الرجـوع ولا عدمـه ، فإنـه لا يرجـع ، أي لا يحـق لـه الرجـوع .

س : مـا هـو الوقـت المعتبـر للنيـة ؟ !

والوقـت المعتبــر للنيـة هـو وقـت الأداء ، فـإن نـوى التبـرُّع عنـد ـ الوقـت المعتبــر للنيــة ـ ثـم

نـوى المطالبـة بعـده ، فـلا يسـتحق شـيئًا ، لأن السـاقط لا يعـود .

منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .

* وهـذه المسـائل فـي : الديـون التـي لا تحتـاج إلـى نيـة المديـن لتبـرأ ذمتـه منهـا .

ويدخـل تحـت هـذا جميـع ديـون الآدمييـن ، مـن : القـرض ، وأثمـان السـلع ، والنفقـات الواجبـة للزوجـات ؛ والمماليـك ؛ والأقـارب ، ويدخـل فـي هـذا قضـاءُ الضامـن والكفيـل مـا علـى المضمـون عنـه والمكفـول لـه ، ولـو لـم يـأذن فـي الضمـان ولا فـي الكفالـة ، ولا الأداء .

فلـو أن إنسـانًا عليـه دَيـن خمسـون ألفًـا فأديتهـا عنـه ـ والنيـة الرجـوع إلـى المـؤدَّى عنـه عنـد اسـتطاعته ـ ، ثـم بعـد مـدة قلـت يـا فـلان وسـع الله عليـك أعطنـي مـا أديـت عنـك ، يقـول : لا أنـا مـا قلـت لـك ـ أدي عنـي ـ فهـذا ليـس لـه حـق ولا يُقبـل اعتراضـه وعليـه الأداء .

وأمـا إن نـوى بالسـداد عنـه المديـن الهبـة ، فإنـه لا يحـق لـه الرجـوع (1) .

* فعـن ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ قـال : قـال النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " العائـدُ فـي هِبتِـهِ كالكلـب يقـيء ثـم يعـود فـي قيئـه " .

فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 5 / ( 51 ) ـ كتاب : الهبة / ( 14 ) ـ

باب : هبة الرجل لامرأته والمراة لزوجها / حديث رقم : 3589 / ص : 256 .

------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) ... أما إذا نوى التبرع ، أو لم ينو شيئًا لم يرجع ، لأنه ـ أي : المدين ـ لم يوكله ، ولم يأذن له ، وأجره على الله .

منظومة ... / تحقيق : د . مصطفى كرامة مخدوم .

* أمـا الديـون التـي تحتـاج إلـى نيـة لتبـرأ نيـة المديـن منهـا ، كالزكـاة والكفـارة والنـذر وغيرهـا فمـن أداهـا عـن غيـره دون إذن وتوكيـل ، لـم يرجـع إلـى مـن أداهـا عنـه ، لأن الأداء لا يفيــد ولا يبـرئ ذمـة مـن أدى عنـه ، لأنـه يحتــاج إلـى نيـة المديـن ، وهـو القصــد المقتـرِن فَدَفْـع الزكـاة يحتـاج إلـى نيـة مـن المزكـي ، لـذا إذا أداهـا عنـه غيـره فإنهـا لا تصـح .

القواعد والأصول الجامعة و ... / ص : 148 .

ورسالة القواعد الفقهية ... / ص : 47 .

وممـا اسـتدل بـه علـى أن مـن أدى عـن غيـره ، واجبًـا ـ دون إذنـه ـ ، يرجـع إليـه ببدلـه :

وهـذا هـو الصحيـح ، ولهـذا قـال الشـيخ : ( إن نـوى يطالبـا (1) ) يعنـي إذا نـوى المطالبـة ولـم ينـو الهبـة .

45 ـ والـوَازِعُ الطَّبْعِـي عَـنِ العِصْيَـانِ كَالــوَازِعِ الشَّــرْعِي بِـلاَ نُكْــرَانِ

قولـه : ( الـوازع ) : اسـم فاعـل مـن : وَزَعَ يَـزَعُ وزوعًـا ، وهـو بمعنـى الـردع . والـوازع عـن الشـيء هـو الموجـب لتركـه . [ وقيـل : الـوازع هـو المانـع وزنًـا ومعنـىً . نقـول وزعتُـه عـن الأمـرِ ، أي : منعتُـهُ وكفَفْتُـه عنـه ، ومنـه قولـه تعالـى :

{ وَحُشِـرَ لِسُـلَيْمَانَ جُنُـودُهُ مِـنَ الْجِـنِّ وَالإِنـسِ وَالطَّيْـرِ فَهُـمْ يُوزَعُـونَ } .

سورة النمل / آية : 17 .

يُوزَعُـونَ : أي : يُمْنَعـون ويُحْبَـسُ أوَّلُهـم علـى آخرهـم .

[ وقيـل : يسـاقون ويُـرَد أولهـم إلـى آخرهـم ليسـيروا فـي نظـام ] .

[ أيسر التفاسير ... / ص : 905 ] .

ويُقـال فـي الأمثـال : [ لابـد للسـلطان مـن وَزَعـةٍ ؛ أي رجـال يمنعـون شـر النـاس عنـه ] .

قولـه ( الطبعـي ) : المنسـوب إلـى الطبـع ، وهـو الجِبلّـةُ التـي خُلِـقَ الإنسـانُ عليهـا ، ويقـال لهـا : الطبيعـة ، والغريـزة والفطـرة .

وقولـه ( عـن العصيـان ) : العصيـان الخـروج عـن الطاعـة ، وأصلـه أن يتمنـع بعصـاه ، كمـا قـال الراغـب .

--------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) ألف يطالبا ليست للمثنى ولكنها لضبط وزن البيت .

قولـه ( بـلا نكـران ) : يعنـي بـلا فـارق .

منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .

منظومة القواعد ... / شرح : خالد بن إبراهيم الصقعبي .

ـ والمقصـود مـن كـلام الناظـم :

أن الـوازع ، والـرادع الطبعـي عـن العصيـان ، أي الـذي فـي طبيعـة البشـر وفطرهـم ، كالـوازع ، والـرادع الشـرعي عـن العصيـان بـلا فـارق 0 والـوازع عـن المعاصـي والمحرمـات نوعـان :

الأول : وازع طبعــي ، وهـو مـا جعلــه النـاس فـي طبائـع النـاس مـن روادع تردعهـم عـن بعـض

المحرمـات والمناهـي ، كأكــل ذوات السـموم والنجاسـات ، ... . [ فالطبـع يـردع عـن فعـل ذلـك ، كيـف ذلـك ؟ لأنـه لـم تجـر العـادة باشـتهائه ، فهـل مـن طبـع النفـس أنهـا تشـتهي أكـل النجاسـات ... ، أم مـن طبعهـا النفـرة منـه ؟ النفـوس تنفـر منـه فـي العـادة .

أمـا لـو وُجــد شـخص مـن طبعـه أكــل النجاسـات أو شـربها ، هـذا شـاذ لا يُقـاس عليـه ، هـذا إمـا لسـفاهة فـي عقلـه أو لخلـل أو لسـبب مـن الأسـباب ] . لـذا لـم يُرَتَّـب علـى اقتـراف المناهـي والمحرمـات التـي فيهـا وازع طبعـي لـم يرتَّـب عليهـا حـدود وعقوبـات دنيويـة من كفـارات ونحوهـا . [ وإنمـا فيـه التعزيـر كسـائر المعاصـي التـي لم يرتـب عليهـا عقوبـة ـ دنيويـة ـ (1) ] .

ـ الثانـي : وازع شـرعي ، وهـي مطلـق العقوبـات الشـرعية ، كالكفـارات والحـدود ، وغالبًـا أن الوازع الشـرعي يُسـتعمَل فيما تتـوق إليـه الأنفـس من المناهـي والمحرمـات ، لما يصاحبهـا من شـهوة ولـذة .

مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 121 .

منظومة القواعد ... / شرح : عبيد عبد الله الجابري .

يُسـتفاد مـن هـذه القاعـدة فـي شـيئين :

الشـيء الأول : الترجيـح بين الأقـوال إذا وقـع الخـلاف فـي فعـل ، هـل ترتـب عليـه العقوبـة أو لا تُرتـب ؟ .

ننظــر هـل فـي جبلـة الإنسـان مـا يردعـه عـن هـذا الفعـل أو لا ، فـإن كـان فـي جبلـة الإنسـان

مـا يردعـه عـن ذلـك الفعـل ، فإننـا نقـول : لعـل الأرجـح إذا لـم نجـد مرجحًـا آخـر ، عـدم إيقـاع

--------------------------------------------------------------------------------

( 1 ) [ ... ] : هذا مصدره : شرح منظومة القواعد ... / د . مصطفى كرامة مخدوم .

: شرح منظومة القواعد ... / خالد بن إبراهيم الصقعبي .

العقوبـة عليـه ، إذا كـان فـي وازع الإنسـان الجِبِلّـي مـا يردعـه عـن ذلـك الفعـل .

الشـيء الثانـي : تفيدنـا فـي مسـائل القيـاس ، إذا جاءنـا فعـل مـن الأفعـال فيـه وازع جِبِلِّـي ، وليـس فيـه وازع شـرعي ، فإننـا لا نثبـت العقوبـة قياسـًا علـى بقيـة مسـائل الشـرع ، ومـا فعـل فيـه المكلَّـف فعـلاً لا يوجـد وازع جِبلـي عنـه ، فإننـا نوقـع فيـه العقوبـة التقديريـة ؛ إلحاقًـا لهـذه المسـألة ببقيـة مسـائل الشـرع .

مثـــال ذلــك :

مثـلاً لـو جاءنـا إنسـان وجنـى جنايـة فـي الشـبكة الآليـة : بـأن يكـون تكلـم بالغيبـة فـي غيـره ، أو تسـبب فـي تعطيـل أجهــزة غيـره ، فمثـل هـذا الفعــل أذيـة ، ولا يوجـد فـي الشـرع نـص علـى عقوبـة فاعـل هـذا الفعـل .

وهـل هنـاك فـي الجبلـة ما يمنـع هـذا الفعـل ؟ نقـول : ليـس هنـاك وازع جبلـي يمنـع منه ويردعـه عنـه ، فتلحـق العقوبـة التعذيريـة بفاعـل هـذا الفعـل ممـا يردعـه وأمثالـه عـن مثـل هـذا الفعـل ، ويختلـف باختـلاف الأحـوال ، يتنـوع الفعـل وتتنـوع الأذيـة الحاصلـة منـه ، فلكـل تعذيـر يناسـبه .

منظومة القواعد ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري / ص : 146 .

46 ـ وَالحَمّــدُ للهِ عَلَـى التَّمـــامِ فِـي البِــدْءِ وَالخِتَــامِ والـــدَّوامِ

47 ـ ثُـمَّ الصَّـلاةُ مَـعْ سَـلاَمٍ شَـائِعِ عَلَــى النَّبــيِّ وَصَحْبِــهِ وَالَّتابِــعِ

( َالحَمّــدُ للهِ ) : الثنـاء علـى الله .

( عَلَـى التَّمـــامِ ) : علـى التوفيـق لإتمـام هـذا النظـم .

( فِـي البِــدْءِ ) : أي فـي بـدء النظـم حيـث حمـد الله فـي بدايـة النظـم بقولـه :

" الحمـــدُ للهِ العلـيّ الأَرفــقِِ ... " .

( وَالخِتَــامِ ) : أي وفـي ختـام النظــم ، حيـث حمـد الله فـي ختامـه بهـذا البيـت " الحمــد لله علـى التمـام فـي البـدء والختـام والـدوام " .

( والـــدَّوامِ ) : أي الحمـد لله علـى سـبيل الـدوام أي الاسـتمرار .

( ثُـمَّ الصَّـلاةُ مَـعْ سَـلاَمٍ ) : أي هـذا الحمـد مصحوبًـا بالصـلاة والسـلام علـى النبـي ـ صلى الله عليه

وعلى آله وسلم ـ .

الصـلاة أتـت بمعنـى الدعـاء فـي القـرآن والسـنة :

قـال تعالـى : { خُـذْ مِـنْ أَمْوَالِهِـمْ صَدَقَـةً تُطَهِّرُهُـمْ وَتُزَكِّيهِـم بِهَـا وَصَـلِّ (1) عَلَيْهِـمْ إِنَّ صَلاَتَـكَ سَـكَنٌ لَّهُـمْ وَاللهُ سَـمِيعٌ عَلِيـمٌ } . سورة التوبة / آية : 103 .

( 1 ) صـلِّ عليهـم : أي ادعُ لهـم . تفسير السعدي للآية / ص : 366 .

* وعـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :

" إذا دُعـي أحدكـم إلـى طعـام فليُجـب ، فـإن كـان صائمًـا فليُصـل " ، يعنـي الدعـاء .

سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 6 ) ـ كتاب : الصوم ... / ( 64 ) ـ باب :

ما جاء في إجابة الصائم الدعوة / حديث رقم : 780 / ص : 192 / صحيح .

( شَـائِعِ ) : أي ذائـع الصيـت مذكـور فـي كـل زمـان ومكـان .

( وَصَحْبِــهِ وَالَّتابِــعِ ) : ثـم ثنـى بذلـك علـى الصحـب ، والتابعيـن لسـنة النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي كـل زمـان ومكـان منـذ بعثتـه ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إلـى قيـام السـاعة ، نسـأل الله تعالـى أن نكـون منهـم .

والمعنـى : أن الناظـم يحمـد الله الـذي وفقـه لإتمـام هـذا النظـم ، وهـو يحمـده فـي البـدء ، وفـي الختـام ، بـل علـى الـدوام ، فهـو يحمـد الله علـى كـل حـال ، وهـذا هـو شـأن الشـاكر لله تعالـى المثنـي عليـه ، فهـو دائـم التعلـق بالله عـز وجـل ، لأن اسـتدامة الحمـد مـن أسـباب الزيـادة لفضـل الله وكرمـه .

والحمـد لله فـي بـاب النعـم مطلـوب فـي كـل نعمـة ، فكيـف والله تعالـى مَـنَّ علـى عبـده هـذا بطلـب العلـم فهـي أعظـم النعـم ، لمـا يترتـب علـى طلـب العلـم مـن مصالـح دنيويـة وأخرويـة ، والحمـد يعظـم حينمـا تكـون النعمـة نعمـة العلـم لأنهـا مـن أعظـم النعـم وأشـرفها ومـا نـال الإنسـان نعمـة بعـد الإيمـان بأفضـل منهـا .

ثـم ختـم الناظـم ـ رحمه الله ـ هـذه المنظومـة بالصـلاة والسـلام الشـائع الذائـع فـي كـل مكـان وزمـان علـى النبـي صلـى الله عليـه وعلـى صحبـه والتابعيـن لسـنته فـي كـل زمـان ومكـان منـذ بعثتـه إلـى قيـام السـاعة .

منظومة القواعد ... / شرح : خالد الصقعبي .

منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق