بحث عن:

الأحد، 29 مايو 2011






تسوقي بلا خسائر


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

لا شك أن السوق تجمع مشروع أقيم لرعاية مصالح العباد من البيع والشراء وقضاء الحوائج المتعلقة بهما، ولا شك أيضًا أنه لا يخلو من الفتن والمغريات.. والملهيات والشطحات.. لأنه مضمار السباق على الدنيا.. ولذلك كان أبغض الأماكن إلى الله في الأرض، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها». [1]، ولئن كان هذا الحديث للأسواق عامة فهو ولا شك للأسواق المختلطة من باب أولى؛ لما فيها من المنكرات والفتن؛ فهي أماكن تجمع شياطين الإنس والجن، وهي مواطن ارتياد الذئاب البشرية ومرتع خصب لضعاف النفوس الذين لا هم لهم سوى إيقاع نساء المسلمين في شرك الرذيلة، والتعرض لهن بجميع الأساليب الشيطانية واللا أخلاقية.


إن المرأة تخرج من بيتها إلى الأسواق بدينها وعفافها وحيائها ولا تعرف حين ترجع ماذا سقط منه، وماذا بقي منه؟

إنها تخرج إلى مكان يعج بالفتن ويموج بالمحن، والشيطان ناصب رايته فيه.

أختي المسلمة:

ومن هنا كان التسوق المحمود هو ما روعيت فيه الآداب الشرعية الواجبة على المرأة خارج بيتها، ولئن كان مطلوبًا منك الحرص على تلك الآداب عمومًا، إلا أنها في الأسواق تكون أشد طلبًا من غيرها من الأماكن لا سيما أسواق هذا العصر! فإذا كان ولابد من الذهاب إلى الأسواق لحاجة ملحة وضرورة قاطعة فلا بأس بذلك إن شاء الله؛ على أن يكون خروجكِ مشروطًا بجملة من الآداب منها:



1- ضرورة الاستئذان من ولي أمرك عند الخروج سواء والديك أو زوجك أو أخوك أو من يقوم مقامهما.



2- احرصي جدًا على أن يصحبك أحد محارمك إلى السوق إما زوجك أو أخوك أو غيرهما من المحارم وعوديهم على ذلك تقديرًا لك وحفاظًا عليك من الذئاب البشرية وضعاف النفوس المتربصين بالنساء سوءًا وإن تعذر خروج أحد محارمك معك فليكن معك امرأة أخرى تجنبًا للخلوة مع البائعين وابتعادًا عن الفتنة والافتتان، وحاولي جهدك أن لا تذهبي وحدك أبدًا، حتى ولو اضطررت إلى تأجيل بعض احتياجاتك لوقت آخر؛ فإن ذلك أحفظ لك وأصون لدينك وعرضك، وإن كان أحد محارمك كالزوج أو الأخ أو الأب أو غيرهما له معرفة بالأسواق يستطيع شراء ما تحتاجين ويكفيك هم الخروج فاحمدي الله على ذلك والزمي بيتك، إلا في حاجة خاصة تستلزم خروجك لها.


3- احذري الركوب مع السائق وحدك سواء سائق العائلة أو غيره فإن ذلك من الخلوة المحرمة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما». (2)
إلا أن يكون معك امرأة أخرى ولم يكن هناك ريبة.


4- تجنبي التبرج والسفور والخروج بملابس جميلة فاتنة واحذري النقاب؛ فإنه فتنة، وأي فتنة، وإن كان ولا بد منه فليكن ضيقاً جدًا وعلى قدر العينين فقط، ولا يكن واسعًا يظهر الخدود وما حول العينين، ويفضل أن يكون عليه غطاء خفيف لا يُرفع إلا عند الحاجة إلى النظر إلى السلعة التي تريدين رؤيتها وفحصها.
(طبعا يقصد من ترتدي نقاب واسع يكشف العينين والخدين فيكون فتنة بذاته)


5- لا تتعطري أبدًا وأنت ذاهبة إلى أماكن فيها رجال سواء الأسواق أو غيرها ولا تلبسي ملابس يكون فيها بقايا من روائح عطور أو بخور؛ فإن ذلك حرام لا يجوز، وورد فيه وعيد شديد؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية)(3)



6- تجنبي الخضوع بالقول وترقيق الكلام مع البائع وغيره: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا)(5)


وتجنبي أيضًا النقاش الزائد الذي لا صلة له بالبيع والشراء، وتكلمي مع البائع بإيجاز وبما يكفي لحاجتك فقط، ولا تطيلي المفاضلة بالسعر وتستجدي البائع وتتودي إليه بكلام طويل من أجل تخفيض بضع دريهمات لا تستحق كل هذا التودد والتذلل.
أصون عرضي بمالي لا أدنسه


لا بارك الله بعد العرض بالمال

وليكن كلامك مع البائع ظاهره الجد؛ لئلا يعطي ذلك مجالاً له أن يتجاوز حدود البيع والشراء.
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة

والأذن تعشق قبل العين أحيانًا




7- حددي ما تريدين شراءه قبل أن تخرجي إلى السوق واحرصي على شراء حوائجك التي تريدينها مرة واحدة لئلا تضطرين إلى العودة إلى السوق مرة أخرى في وقت قريب.



8- تفقدي حجابك وأنت تسيرين في السوق وتنتقلي بين المحلات أو وأنت تتفقدين السلع؛ لئلا يظهر شيئًا من وجهك أو عنقك أو شعرك أو ذراعيك؛ فإن بعض الناس تغفل عن ذلك كثيرًا ولا تتنبه له فيظهر شيئًا من جسمها للرجال وهي لا تدري، واحرصي على عدم فتح العباءة وإصلاحها أمام الباعة أو المارة فيظهر بعض جسمك وأنت لا تشعرين.



9- احذري الاقتراب من الرجال داخل المحلات ولا تدخلي محلاً تكوني أنت الزبونة الوحيدة فيه؛ فإن ذلك أبعد عن الفتنة وأحفظ لدينك وعرضكِ.

10- لا تُلقي بالاً لمن يلقي إليك كلمة إعجاب أو مدح أو نكتة، وسارعي إلى إبلاغ رجال الهيئة بالسوق، أو ارفعي صوتك عليه منكرة عمله هذا لئلا يتمادى إلى أكثر من ذلك.



11- حاولي الابتعاد عن أماكن الزحام والممرات الضيقة في المحل أو خارجه واحرصي على عدم الانحناء على طاولات العرض أو الانحناء لتفقد السلع فإن ذلك يبرز مفاتنك من الخلف يجسمها فلربما أغرى ذلك ضعيف نفس بالاعتداء عليك.



12- عند تفقدك لمقاسات الملابس أو مرونتها أو جودتها سواء الداخلية أو الخارجية احرصي على أن لا يكون ذلك أمام البائع أو أحد الموجودين في المحل وليكن ذلك في مكان منزو من المحل.



13- احرصي وأنت تدفعين النقود للبائع أن لا يظهر شيئًا من ذراعيك أو أن يظهر شيئًا من الزينة المكتسبة كالذهب ونحوه، ولا تناولي البائع النقود بيدك أو تأخذينها منه بل ضيعها على طاولة الحساب ليأخذها لئلا يمس يدم فإن ذلك أدعى للحشمة والحياء.



14- احذري من أن يظهر صوتك عاليًا وأنت تسيرين مع زميلتك أو وأنت تتفقدين السلع معها وليكن النقاش والاستشارة بينكما بصوت خافت لا يُسمع، وكذلك لا تسألي عن سلعة وأنت خارج المحل بصوت عالٍ يسمع من بعيد.



15- عند الجلوس في أماكن الراحة والانتظار حاولي أن تجلسي جلسة محتشمة وتفقدي نفسك لئلا يظهر شيئًا من جسمك كساقيك مثلاً أو أن يظهر تقاطيع جسدك من الخلف ونحو ذلك.



16- لا تقيسي شيئًا من الحلي على يديك وذراعيك أمام البائع مباشرة ولا تجعليه هو الذي يقيس عليك ذلك واحذري من ذلك أشد الحذر.



17- عند النزول من السيارة أو الركوب فيها احرصي على أن لا يظهر شيئًا من جسمك كساقيك مثلاً أمام الرجال المتواجدين في السوق وليكن ركوبك ونزولك برفق وحذر.



18- تأكدي أن البائع الموجود في المحل رجل كسائر الرجال يجب التحجب عنه والحذر منه مهما كانت جنسيته ولا تكوني كضعيفات العقل والإيمان اللاتي إذا كان البائع من غير أبناء هذه البلاد تساهلن في حجابهن معه وتكشفن له وكأنه ليس برجل كسائر الرجال.



19- عند رغبتك في رؤية ما تريدين شراءه فلا ترفعي غطاء وجهك لتنظري إليه أمام البائع، ولكن اطلبي من البائع الابتعاد أو خذي ما تريدين رؤيته إلى زاوية من زوايا المحل وانظري إليه حيث لا يراك أحد، وكذلك لا تقيسي الحذاء أمام البائع ومن في المحل لئلا يظهر شيء من قدميك وساقيك أمامهما.



20- إذا لم يكن معك أحد محارمك وحصل لك موقف مشين أو رأيت أو سمعت تصرفات حقيرة أو حصل اعتداء عليك سواء من الباعة أو من غيرهم فلا تتردي في إبلاغ رجال الهيئة أو الاستنجاد بمن حولك، ولا تسكني عن ذلك خجلاً أو خوفًا فإن ذلك خطأ وفيه إثم عليك بسكوتك عنه ولأن السكوت على مثل ذلك يُجرئ الفساق عليك أكثر وأكثر ويجرؤهم أيضًا على التمادي في إيذاء نساء المسلمين والتعدي عليهن.



21- الأسواق أبغض البقاع إلى الله لأنها أماكن تعج بالفتن وتموج بالمحن، والشيطان ناصب رايته فيها، فكلما كان ذهابك إليها أقل كان ذلك لك أفضل ولدينك وعفتك أحفظ، فقللي من الذهاب إليها إلا لحاجة ضرورية لابد منها، ولا تظني أن كثرة الذهاب إليها ميزة حسنة أو أنها مفخرة للمرأة كما تظنه بعض الجاهلات التي تفاخر بأنها ذهبت للسوق الفلاني واشترت من المحل الفلاني، وأنها تذهب بالأسواق مرات عديدة، فإن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على جهل مثل هذه المرأة وقلة حيائها، فالسعيدة والله من هي عن الأسواق بعيدة.



22- الكف والقدم هما جزء من جسمك، فاحرصي على سترهما جيدًا لأنهما عرضة للنظر إليهما والافتتان بهما، وإذا كنت مأمورة بتغطيتهما حتى وأنت في الصلاة حيث لا يراك أحد فمن باب أولى تغطيتهما وأنت خارجة إلى ألأسواق ومجامع الرجال؛ خاصة وأنه مع الحركة قد لا يظهر القدم فحسب بل ربما يظهر جزء من الساق، وكذلك الكفان فإنه مع الحركة والمشي وتفقد السلع أو عند دفع النقود تنكشف الذراعين معهما كما هو مشاهد كثيرًا؛ وهذا مما يلفت النظر ويثير الفتنة ويوجب الإثم فاحرصي بارك الله فيك على ستر قدميك بجوارب «شراب»، وكذلك ستر كفيك بقفازات أو بعباءة ذات أكمام طويلة ساترة، ولا أظن أن تغطيتهما يتعبك أو أنه يعيق حركتهما.



23- تجنبي لبس العباءة التي على الكتف أو الكاب أو العباءة الفرنسية «السمكة»، أو ما شابه ذلك مما يُظهر تقاطيع الجسم ويحدد المفاتن، فإن هذا نوع من التبرج والسفور المحرَّم، واحرصي على لبس العباءة الساترة التي تغطي كل جسمك من رأسك حتى قدميك.



24- بعض النساء قد تذهب معها ابنتها إلى السوق أو إلى أماكن أخرى فتتحجب هي وتغطي وجهها وجسمها ولكن ابنتها كاشفة سافرة بل ربما ألبستها بنطلونًا يحجم جسمها ويبرز مفاتنها، وهي ليست صغيرة كما تظن أمها، فهي قد تكون صغيرة في السن لكن صحتها جيدة وجسمها ملفت للنظر مما يجعل الأنظار تلاحقها أينما اتجهت، وهذا من الخطأ في التربية والتنشئة على الستر والحشمة، فاحذري أختي المسلمة حفظك الله من الوقوع بمثل هذا الأمر، واعلمي أن البنت إذا كانت صحتها جيدة وطولها كذلك فيجب أن تُحجب وتُربى على الحشمة والستر حتى ولو كان عمرها صغيرًا، ولا تُترك عرضة للنظرات الجائعة والسهام المسمومة.



25- إذا كان معك في السوق زوجك أو أحد محارمك فاتركي الكلام والمفاهمة مع البائعين له وحده ولا تتكلمي أنت مع البائع بوجوده معك، إن لم تكن ذلك حياءً منك في مخاطبة الرجال، فليكن احترامًا للرجل الذي معك وتأدبًا معه.



26- احذري الإسراف والتبذير؛ فلا تكثري من شراء الملابس التي قد لا تحتاجينها إلا مرة واحدة في السنة لكثرتها، ولكن اشتري قدر حاجتك فقط وحاجة أبنائك فإني أخشى أن يأتي اليوم الذي قد لا تجدين فيه ما تسترين به جسمك، فإن النعم لها شكر والإسراف والتبذير ليس من شكرها والله تعالى يقول: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
(4)
وكما قيل: «بالشكر تدوم النعم».



27- احرصي على شراء الملابس الساترة لك ولأبنائك وابتعدي عن الملابس القصيرة وشبه العارية الملفتة للنظر البعيدة عن الحشمة والحياء، وكذلك تجنبي الملابس التي فيها صور أو كتابات بذيئة مستهجنة فأنت امرأة مسلمة مأمورة بلزوم الستر والحشمة في اللباس والبعد عما ينافي ذلك مما هو منهي عنه شرعًا وعرفًا.



28- تذكري أن غالب الانحراف تبدأ من الأسواق فاحذري الزلل والانزلاق من خلف ابتسامة صفراء كاذبة، أو كلمة خادعة أو سكوت عن أمر مهين؛ طمعاً في دريهمات قليلة يخفضها لك صاحب المحل أو يتنازل عنها مقابل شيء ثمين يناله منك مما لا يقدر بثمن، فاحذري كل الحذر أن تخرجي بدينك وعفافك وحيائك وترجعين وقد سقط الحياء وثُلمَ الدين ودُنس العفاف؛ فكم من امرأة لُوِّث عرضها ودنس شرفها والسبب كان الأسواق فتنبهي لذلك واحتاطي لنفسك واعلمي أنك كلما بعدت عن الأسواق أمنت شرها وتجاوزت خطرها وسلمت من فتنتها.

وأخيرًا أختي المسلمة:

هذه الكلمات والتنبيهات التي أشرت إليها ما كتبتها والله إلا نصحًا لك وإشفاقًا عليك لئلا تتساهلي بشيء منها وتستهيني بها فتعرضي نفسك لسخط الله وعقابه، ومقته وازدرائه، أو أن يكون تلبسك بشيء منها سبب للتحرش بك أو التعدي عليك بكلام أو فعل من قبل ضعاف النفوس الذين قد يغريهم الشيطان ويشجعهم على ذلك عندما يرونك وحدك أو يرونك لم تلتزمي بحجابك كاملاً؛ فالمرأة تخرج من بيتها إلى الأسواق بدينها وعفافها وحيائها ولا تعرف حين ترجع ماذا سقط منه وماذا بقي فيه؛ لأنها تخرج إلى مكان يعج بالفتن ويموج بالمحن، والشيطان ناصب رايته فيه وشياطين الإنس يحومون حوله، فكم من امرأة لوث عرضها ودنس شرفها ودخلت وهي عفيفة وخرجت وهي كما قال r: «زانية»؛ إما بالفرج أو بالعين أو بالتعطر، وكم تَحَمَّلتْ أيضًا من الآثام سواءً آثامها هي بسبب تساهلها في حجابها ولباسها وكشف ما أمرها الله بستره، أو آثام من نظر إليها حيث تسببت لهم بذلك، فالتزمي يا أخية بما قرأت واحرصي على تطبيقها والعمل بها تخرجين من السوق بلا خسائر ولا ذنوب؛ فإن الخسارة ليست كما يظنها بعض الناس في المال فقط؛ بل إن الخسارة الحقيقية هي خسارة الدين والعرض التي إذا خسرتهما المرأة خسرت كل شيء، وبهذا تفوزين وتسعدين بدنياك وأخراك، وتحققين معنى إسلامك وإيمانك، وتبرهنين على صدق انتمائك لدينك واعتزازك بحجابك.

حفظك الله ورعاك ومن كل مكروه حماك.

(1)(الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - ) الصفحة أو الرقم: 671
خلاصة حكم المحدث: صحيح

(2)الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2165
خلاصة حكم المحدث: صحيح
(2)

(3)الراوي: الأشعري المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 5141
خلاصة حكم المحدث: حسن



(4)أبراهيم:7
(5)الأحزاب :32
للتحميل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق