الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين قائد الغر المحجلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وأن يعيد علينا رمضان أعواماً عدة، وأزمنة متعاقبة ونحن وإياك نرفل في ثوب الإيمان والصحة في حياة سعيدة ونفوس مطمئنة.
أختي المسلمة: هذه ثمان وقفات نقفها نحن وإياكِ في العيد مع نفوسنا، لعلنا أن نستلهم منها روحاً تبقى ريانة بالإيمان بعد رمضان.
المراجعة الأولى: وقفة محاسبة:
أختي الكريمة: جدير بكل مسلم يخاف الله تعالى أن يقف مع نفسه بعد هذا الشهر الكريم ليحاسبها فمحاسبة النفس من أنجع الأدوية، بإذن الله لإصلاح القلوب وحثها على الخير، وها نحن قد ودعنا رمضان المبارك بأيامه الجميلة ولياليه العطرة الفواحة بالروحانية، ودعناه ولا ندري هل سندركه في عام قادم أم ستنتهي آجالنا دونه؟
ودعناه ومضى.. وصرنا مرتهنين بما أودعناه من خير أو شر.
فهل تخرجنا من هذا الشهر العظيم بوسام التقوى؟
هل عودنا أنفسنا على الصبر والمصايرة ومجاهدة النفس على فعل الطاعة وترك المعصية ابتغاء رضوان الله، فانتصرنا عليها، وكبحنا جماحها فصارت نفوساً مستسلمة لله رب العالمين؟
هل رحمنا الفقير فواسيناه بعدما ذقنا شيئاً مما يذوقه من الجوع والعطش؟
هل ربينا فيه أنفسنا على الجهاد بأنواعه وهل جاهدنا أنفسنا وشهواتنا وانتصرنا عليها؟
أم غلبتنا العادات والتقاليد السيئة؟
هل سعينا إلى العمل بأسباب الرحمة والمغفرة والعتق من النار؟
هل نقينا قلوبنا من الغل والحسد والبغضاء والشحناء لإخواننا المسلمين وفتحنا معهم صفحات بيضاء ملؤها المحبة والتواصل والرأفة والمواساة؟
هل وهل وهل.. أسئلة كثيرة تحتاج منا إلى جواب عملي.
المراجعة الثانية: واعبد ربك حتى يأتيك اليقين:
يجب أن يكون العبد مستمراً على طاعة الله، ثابتاً على شرعه، مستقيماً على دينه، لا يروغ روغان الثعالب.. يعبد الله في شهر دون شهر.. أو في مكان دون آخر.. أو مع قوم دون آخرين.. لا .. وألف لا!!
بل يعلم أن رب رمضان هو رب بقية الشهور والأيام وأنه رب الأزمنة والأماكن كلها.. فيستقيم على شرع الله حتى يلقى ربه وهو عنه راض.
قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} [هود: 112]
وقال: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: 6]
وقال صلى الله عليه وسلم: «قل آمنت بالله ثم استقم» رواه مسلم.(1)
فلئن انتهى صيام رمضان فهناك صيام النوافل كالست من شوال والاثنين والخميس والأيام البيض وعاشوراء وعرفة وغيرها.
ولئن انتهى قيام رمضان فقيام الليل مشروع في كل ليلة: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17]
ولئن انتهت صدقة وزكاة الفطر، فهناك الزكاة المفروضة، وهناك أبواب للصدقة والتطوع والجهاد كثيرة ومفتوحة.
وقراءة القرآن وتدبره ليست خاصة برمضان بل هي في كل وقت.
وهكذا فالأعمال الصالحة في كل وقت وكل زمان فاجتهدي أختي في الطاعات..
وإياكِ والكسل والفتور، فإن لم تستطيعي العمل بالنوافل فلا يجوز لك أبداً أن تترك الواجبات وتضيعها كالصلوات الخمس في أوقاتها وغيرها.
ولا أن تقع في المحرمات من قول الحرام أو أكله أو شربه أو النظر إليه واستماعه.
فالله الله بالاستقامة والثبات على الدين في كل حين فلا تدري متى يلقاكِ ملك الموت فاحذري أن يأتيك وأنت على معصية
(اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك).
المراجعة الثالثة: إياكِ إياكِ:
إياكِ أختي أن تنقضي غزلك، وتنكثي توبتك، وتخلفي عهدكِ مع الله تعالى، وتهدم بناء التقوى الذي بنيته بلبنات الطاعة في هذا الشهر الكريم بمعول المعصية والذنب.
إياكِ أن تستبدل القرآن الكريم وسماعه بسماع صوت الشيطان (الغناء) ومشاهدة الأفلام والمسلسلات الساقطة.
إياكِ وهجر القرآن بعد أن جعلته صاحباً لك في هذا الشهر العظيم وأنعم به من صاحب.
إياكِ ونسيان ربك بعد أن فتح لك أبواب رحمته في هذا الشهر الكريم.
المراجعة الرابعة: علامة القبول:
اعلمي يرعاكي الله أن من علامة قبول الطاعة:
الطاعة بعدها
ومن علامة ردها: المعصية والإعراض بعدها.
فاسألي نفسكِ! وانظري في حالكِ {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35]
المراجعة الخامسة: أنتِ لديكِ القدرة:
شهر رمضان قد بين لك أن لديك القدرة على الالتزام والاستقامة وترك المنكرات والمحافظة على الصلوات كلها ،
فهل سنتستفيد من رمضان؟
المراجعة السادسة: منكرات منتشرة وبخاصة في العيد:
اختلاط النساء بالرجال الأجانب في الأسواق والمنازل والحدائق والاستراحات والشواطئ.
مصافحة النساء رجالاً من غير المحارم،
فقد كان صلى الله عليه وسلم يبايع النساء ولا يصافحهن، وقال عليه الصلاة والسلام: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له». صححه الألباني، صحيح الجامع.(2)
التفريط في أداء الصلوات في أوقاتها وخاصة صلاتي الفجر والعصر.
قضاء كثير من الأوقات باللهو المحرم والغفلة عن ذكر الله تبارك وتعالى.
السفر إلى بعض بلاد الكفر أو بلاد ينتشر فيها الفساد ويذبح فيها الحياء وتقتل فيها الفضيلة بمدية الرذيلة.
انتشار صور من الإسراف كالإسراف في الولائم والملبوسات والهدايا وإضاعة الأموال بالألعاب النارية للأطفال.
بالنسبة للرجال إهمال كثير من الناس لنسائهم وأطفالهم، وتركهم يخرجون إلى أي مكان شاؤوا مع السائقين بلا رقابة ولا متابعة مما يكون له أبلغ الأثر في انتشار الفساد والوقوع في ما لا تحمد عاقبته.
وما هكذا تشكر النعم...
وما هكذا نختم الشهر ونشكر الله على بلوغ الصيام والقيام...
وما هذه علامة القبول...
بل هذا جحود للنعمة وعدم شكر لها.
وهذا من علامات عدم قبول العمل والعياذ بالله لأن الصائم حقيقة..
يفرح يوم العيد بفطره، ويحمد ويشكر ربه على إتمام الصيام، ومع ذلك يبكي خوفاً أن لا يتقبل الله منه صيامه ،
فمن علامات قبول العمل أن ترى العبد في حال أحسن من حاله السابق.
وأن ترى فيه إقبالاً على الطاعة: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]
أي زيادة في الخير الحسي والمعنوي.
فيشمل الزيادة في الإيمان والعمل الصالح، فلو شكر العبد ربه حق الشكر، لرأيته يزيد في الخير والطاعة، ويبعد عن المعصية،
والشكر ترك المعاصي كما قال السلف.
المراجعة السابعة: المسلمون والعيد:
تذكري أختي الكريمة وأنت بين أهلك وأولادك، في رغد من العيش، وأمن وعافية، تذكر إخوة لك مسلمين في أصقاع شتى من العالم، حيث يعود عليهم هذا العيد ليجدد لهم الهموم وليزيد جراحاً لم تندمل، فهم في بأساء وضراء لا يعلم مداها إلا الله تعالى، بعضهم قد نسي شيئاً اسمه الأمان، والبعض الآخر يسقط صريع الجوع والمرض، وآخر يعيش ولكن كسقط المتاع لا تراعي له كرامة ولا يحفظ له عهد ولا يرى له حق، فأين أنت منهم؟
خاصة بالصومال وفي بلاد المسلمين الفقيرة
وهل من شكر لنعمة الله عليكِ؟
المراجعة الثامنة: من الذي يفرح بالعيد؟
نرى الجميع يفرح بالعيد ويبتهج بقدومه ولكن من الذي يفرح حقيقة بالعيد؟
إن العيد المبارك ليس لمن لبس الجديد، ولا لمن جمع من الأموال المزيد،
ولكن العيد إنما هو لمن أطاع ربه فأمن يوم الوعيد، ولمن فاز برضا الولي الحميد فنال لذة النظر لوجهه الكريم يوم المزيد.
نسأل الله تعالى أن يجعله عيداً سعيداً محفوفاً بالقبول منه سبحانه وبالرياض والعتق من النار .. آمين.
وختاماً:
ينبغي أن نحرص على أعمال البر والخير، وأن تكون يوم العيد بين الخوف والرجاء، تخاف عدم القبول، وترجو من الله القبول ونتذكر يوم عيدنا يوم الوقوف بين يدي الله عز وجل فمنا السعيد ومنا غير ذلك.
وصلى الله على نبيا محمد وعلى آله وصحبه.
منقول هنا بتصرف يسير
إعداد دار القاسم
موقع وذكر الإسلامي
******************************
(1) قل آمنت بالله ثم استقم الراوي: سفيان بن عبدالله الثقفي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4395
خلاصة حكم المحدث: صحيح
(2)الراوي: معقل بن يسار المزني المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 5045
خلاصة حكم المحدث: صحيح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق